الحصار الروسي لأوكرانيا وحظر البلدين لتصدير القمح، مشهد يدرك السوريون جيداً آثاره السلبية على أوضاعهم المعيشية، ففي الوقت الذي يواجهون فيه حرباً ومشكلات اقتصادية، تدور المخاوف من أزمة قمح قد تزيد عليهم الطين بلة.
توفر روسيا وأوكرانيا معاً ما يقرب من ثلث صادرات القمح والشعير حول العالم، وأثرت الحرب الأوكرانية بشكل مباشر على الأسواق العالمية بارتفاعات حادة خاصة لأسعار الحبوب والنفط والغاز والمعادن.
وفق بيانات وتصريحات رسمية لمختلف الأطراف في سوريا، تنذر الإحصائيات الواردة حول محاصيل القمح بأزمة قاسية، إذا لم تتخذ سلطات القوى المسيطرة إجراءات من شأنها التخفيف من تبعات وقف استيراد المادة من روسيا وأوكرانيا وغلائها عالمياً.
إجراءات حكومية معلنة
يعتمد النظام السوري على استيراد القمح من روسيا، ويحتاج لأكثر من 1،5 مليون طن من القمح سنوياً، وفق وزير الاقتصاد والتجارة التابع للنظام السوري محمد سامر الخليل.
لكن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم، أكد لصحيفة الوطن المحلية أواخر شباط/فبراير الماضي، أن “مخازن الدقيق جيدة ولا مشكلة أو مخاوف من العملية العسكرية في أوكرانيا”.
كما أكد مجلس الوزراء التابع للنظام السوري أنه اتخذ ما يلزم لإدارة المخازن المتوفرة من المواد الأساسية (القمح، السكر، الزيت، الرز ومادة البطاطا) خلال الشهرين المقبلين حسبما نقلته سانا أواخر شباط/فبراير الماضي.
من الإجراءات الحكومية المعلنة لتوفير القمح وفق رئاسة مجلس الوزراء، الاتفاق على عقود التوريدات، وتقييد التصدير للمواد التي يمكن أن تسهم في استقرار السوق.
إجراءات النظام السوري وتصريحاته الحكومية لا تنعكس على ما يبدو في أرض الواقع، إذ تعاني آلاف العائلات من قرار الحكومة رفع الدعم عن فئات واسعة من السوريين وصلت إلى 600 ألف أسرة، فيما يشتكي أصحاب الأفران من كساد مئات ربطات الخبز، بسبب عدم القدرة على دفع أسعارها.
تراجعت المساحة المزروعة بالقمح في سوريا هذا العام، وفق أحمد حيدر، مدير الإنتاج النباتي لدى وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري، الذي أرجع الأمر إلى تأخر الأمطار والإحجام عن الزراعة البعلية في بداية الموسم.
المساحات المزروعة بمحصول القمح في المحافظات السورية، بلغت منذ بداية الموسم وحتى آذار/مارس 2022 نحو 1.18 مليون هكتار، وبمحصول الشعير 1.1 مليون هكتار – مدير الإنتاج النباتي أحمد حيدر “سانا“
التغيرات المناخية والحرب المستمرة في سوريا لأكثر من عقد، تزيد الأمور سوءاً، فقد تحولت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية إلى بور قاحلة، في منطقة كانت بالأساس “سلة خبز تاريخية”.
موسم مهدد شرقي سوريا
ومع الخطر الذي يواجهه موسم العام الجاري، تواجه إنتاجية القمح، انخفاضاً وصل إلى أدنى مستوى له خلال السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لتصريحات رسمية صادرة عن مسؤولين في الإدارة الذاتية.
بوادر الموسم الحالي غير مبشرة في مناطق شمال شرقي سوريا، حسب رئيس اتحاد الفلاحين في الرقة “أحمد الحمود” الذي طالب الإدارة الذاتية باتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الوضع، وفق ما نقله موقع “نورث برس” المحلي.
وضع القمح الحرج يتطلب حسب الحمود، تسريع وتيرة تسليم مخصصات المازوت والأسمدة الزراعية على المزارعين، وإعلان تسعيرة مشجعة في وقتٍ مبكر، لزيادة العمل وتحسين الإنتاجية
ربطة الخبز المدعوم في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية تباع بـ350 ليرة للمستهلك بينما تباع ربطة الخبز السياحي بسعر 1200 ليرة
تعتبر الزراعة من أهم مصادر الدخل شمال شرقي سوريا، ولم يتمكن فلاحون كثر من الاستفادة من أراضيهم هذا الموسم بسبب الجفاف وارتفاع أسعار البذور، ومادة المازوت، وباقي مستلزمات الزراعة.
وكانت شحنة بذور قمح أميركية وصلت إلى شمال شرقي سوريا، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، قد أشعلت حرب تصريحات بين الإدارة الذاتية في تلك المناطق وحكومة النظام السوري، حول صلاحية تلك الحبوب للزراعة، واحتمال نقلها آفات زراعية.
مع وصول 3 آلاف طن من بذور القمح للزراعة الأميركية إلى مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، وصفت وزارة الزراعة في حكومة النظام إدخال أي كمية من القمح من الجانب الأميركي إلى سوريا بأنه “غير شرعي ويتضمن مخاطر صحية”.
ورداً على تصريحات وزارة الزراعة، قال رئيس هيئة الاقتصاد و الزراعة في “الإدارة الذاتية”، سلمان بارودو، لِروزنة إن “البذار التي استلمناها من الوكالة الأميركية للتنمية لم توزع نهائياً ولا تزال تحت الاختبار كي يحللها مهندسون وخبراء تابعون للإدارة الذاتية”.
تخفيض بلا تبرير
إدارة الأفران في “حكومة الإنقاذ السورية”، خفضت اليوم الأحد 13 آذار/ مارس، وزن ربطة الخبز 50 غراماً، لتصبح 550 عوضاً عن 600 غرام، دون أن تعلن الأسباب، وحددت سعرها بخمس ليرات تركية.
ومع عدم توضيح الحكومة لسبب تخفيض وزن ربطة الخبز بشكل مباشر، أكد مراسل روزنة عبد الغني العريان أن الأمر يعود لارتفاع سعر الطحين المستورد من تركيا والذي تأثر بسبب الحرب في أوكرانيا، وانعكاس الأوضاع هناك على مواد رئيسية كالمحروقات والسكر والزيوت وغيرها.
حكومة الإنقاذ تحدثت في بيان لها عموماً عن تأثير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على الأوضاع المعيشية في المنطقة، من أزمات توريد ومشكلات في الشحن، متعهدة ببذل الجهود للتخفيف من انعكاسات الأزمة العالمية.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم توفرها أخرى رئيسية، أثقل كاهل المدنيين، في منطقة يتراوح فيها متوسط الدخل اليومي للعامل ما بين 30 إلى 40 ليرة يومياً، وهو رقم لا يتناسب مع حجم الإنفاق المتزايد جراء التضخم المتواصل.
97 ٪ من سكان الشمال السوري في فقر مدقع وفق تقديرات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)
رئيس الحكومة المؤقتة لدى المعارضة السورية عبد الرحمن مصطفى، ذكر في تصريحات لوكالة الأناضول، أمس السبت أن المناطق الخاضعة لسيطرتهم، تمتلك مخزون قمح يكفي حتى نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، أي بداية الموسم الجديد للمحصول.
وذكر مصطفى أن “ارتفاع الأسعار العالمي للوقود والطاقة له انعكاسات سلبية على جميع المنطقة وحتى المناطق المستقرة تعاني مثل أمريكا وغيرها نرى مستوى التضخم فيها مرتفعاً”.
أزمة المناخ العالمية شكلت أسوأ موجة جفاف شرقي المتوسط منذ 900 عام و ملامح الكارثة أكبر وأشد في منطقة مزقتها الصراعات المسلحة – نيويورك تايمز
تستهلك سوريا نحو 2.5 مليون طن من القمح سنوياً، وفق تقارير صحفية سابقة، يتم تأمين القسم الأكبر منها عن طريق الإنتاج المحلي فيما تستورد الباقي، بعدما كانت مكتفية ذاتياً قبل 2011، بإنتاج يصل إلى أربعة ملايين طن سنوياً، مع إمكانية تصدير 1.5 مليون طن.
مشاهد الطوابير للحصول على الخبز لا تقتصر على منطقة سوريّة بعينها، ويلخص تزاحم الآلاف لساعات طويلة، للحصول على بضع أرغفة أو ربطات حاجات إنسانية وغذائية متزايدة تؤكدها التقارير المحلية والدولية.
أشهر صعبة تهدد العالم في حال استمرت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لفترات طويلة، مع حظر موسكو وكييف لتصدير القمح من البلدين، فيما انعكست الحرب بشكل مباشر ولافت على الأسواق العالمية.
رئيس برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيسلي، كان قد حذر من أن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، ما سيكون له تأثير فادح على سكان الدول الفقيرة.
محمد أمين ميرة _ روزنة