معيقات عمل المرأة السورية بالشأن العام والسياسي وسُبل تجاوزها

رغم اختلافاتها الأيديولوجية العميقة ورغم  مرجعياتها المُتناقضة، لكن الأطر السياسية التي سادت خلال مرحلة حكم الأسد تلتقي جميعها بالموقف المُتخذ من تواجد المرأة في مواقع صنع القرار حيث تمتلك هذه الأطر، قوالباً مسبقة لتدخل عبرها النساء في العمل السياسي. فما بين حزب البعث وهو حزب شمولي يدور حول شخصية الاب الفرد القائد، هذا الحزب الذي سخر تنظيم الاتحاد النسائي كأداة لتكريس أيديولوجية الحزب، وما بين التيارات اليسارية الأخرى التي تقوم بمجملها على شخصية الفرد المركز والملهم أيضاً وصولاً الى التيارات المُحافظة سواء القومية أو الدينية بمختلف الأديان والمذاهب والطوائف والتي كرست صورة المرأة كما تظهر في الأديان بكونها تدور في فلك مركز أبوي كفرد من العائلة أو من المحيط الديني أو الكهنوتي أو غيره من الهيكلية المفترضة وفق التيار.

أمر لافت هذا التوافق حول عدم وجود مكان في الفضاء المؤثر بالحياة العامة للمرأة وهو قد يشير بالدرجة الأولى الى كونها ثقافة مشرقية تتقاطع مع ايديولوجيات تكاملت في النصف قرن المنصرم مع المنظومة السياسية القائمة بمختلف أطرها كما أنها توارثت عن حقبات سايقة عادات وتقاليد تعيق بدورها عمل المرأة بالشأن العام حيث اتسمت الفترة ما قبل عهد الاستقلال بهيمنة الدولة العثمانية ومن ثم  بالانتداب الاوروبي وفي كلا المرحلتين كان سائداً وجود حالة من الحذر الذي يشوب المجتمعات المحلية نتيجة وجود عنصر خارجي يجعل من حالة حماية المرأة حالة اعتيادية،  بحكم ارتباطها بمفهوم الشرف وبحكم أنه في ظل الصراعات غالباً ما تستخدم المرأة كأداة لانتهاك المعسكر المقابل، وهذا ما نشهده لغاية اليوم في الصراعات السياسية منها والعسكرية والاعلامية وغيرها بين السوريين انفسهم فنجد تسجيل (انتصارات ) ضد النساء من الطرف المقابل مما يزيد من صعوبة تواجد المرأة بالوسط العام.

هذا التواجد الذي يحده أيضاً عوامل اجتماعية تعلق بالعادات والتقاليد التي تشكل حاجزاً من الطرفين من قبل المجتمع لقبول النساء كفاعلات ضمنه ومن النساء أنفسهن لتجاوز هذه الحواجز والصعوبات المفروضة.

في المقابل فان مرحلة التغيير الجذري التي تمر بها سوريا اليوم تشكل تغييراً على كافة الصعد المتعلقة بالحياة الاجتماعية والسياسية وذلك سيمر حتماً عبر قضية المرأة بل انها ستكون معياراَ لمقياس مدى التقدم الذي خطاه المجتمع السوري على كافة الصعد، فبكونها ناقل اصطفائي فان المرأة بدورها صانعة للتغيير ولارتباط بين تأثير المرأة والتغيير ارتباط ثنائي الاتجاه.

لكن تفعيل هذا الدور يلقى مقاومة شديدة يعزوها المعنيون بها الى ذرائع عدة أورد بعضها هنا:

  • ذريعة عدم وجود كفاءات سياسية لازمة، هذه الذريعة غير واردة بحكم عدم وجود حياة سياسية سليمة طيلة عقود في منطقتنا وبالتالي لا وجود لخبرات سياسية للرجال أو لا للنساء.
  • ذريعة توجيه الاتهام لمؤامرة كونية بأن تطبيق الكوتا له هدف خفي هو ادراج النساء في مراكز صنع القرار لإضعاف حزم القرار السياسي، من ذلك نرى رجحان وهيمنة نظرية المؤامرة على التفكير السوي ولكن ايضاً يمكننا أن نقرأ انحرافاً آخر وهو حصر العمل السياسي بوجود حالة دفاعية وبوجود عدو مُفترض بينما هي ليست كذلك بالحالات الطبيعية بل هي عمل يعنى بالتنمية وبنهوض بالمجتمع
  • ذريعة عدم أهلية النساء لمثل هذه المواقع لأسباب قد تتعلق هذه الأفكار بمعتقدات دينية أو بتداولات ذات دلالات بيولوجية جميعها غير مثبتة علمياً تُتهم فيها النساء بتغليب العاطفة أو بأن القدرة على الإنجاز ترتبط بالجانب الذكوري للمرأة والى ما هناك من مغالطات لا يوجد أي اثبات علمي بها.

اليوم وفي ظل الضغوطات الدولية لرفع نسبة النساء في التمثيل المجتمعي السوري، المدني أو السياسي نجد أن القبول بتواجد المرأة لا ينبع عن قناعة ذاتية واسعة والاختيار السوري يقع غالباً على سيدات قابلات للتطويع أي قابلات للقبول بالدور المرسوم أداءه وفق إطار أيديولوجي محدد دون استقلالية بالرأي في حين بقي رأي النساء المستقلات مُحارب ولا يلقى الندية المطلوبة لأسباب عديدة منها الآنفة الذكر.

في مواجهة ذلك تتعرض النساء المستقلات الفاعلات بالشأن العام لعدوانية مستمرة لمحاولة الدفع بهنّ خارج أطار العمل السياسي منها العدوانية اللفظية المباشرة، التحريض الضمني، التشهير المُعلن وغير ذلك من سلوكيات مُنحرفة.

لتجاوزها ذلك لا بد من استمرا طرح حلول عملية منها إيجاد ضوابط عامة لعمل المرأة بالشأن العام تقتضي فرض التعامل بالندية، مخاطبة المرأة بصفتها المهنية أو العلمية أو بأي صفة رسمية وعدم رفع الكلفة والتي تعتبر احدى أدوات الانتقاص من وجود المرأة في الأطر السياسية. كذلك تمكين النساء لكشف ومواجهة أساليب الهيمنة النفسية والفكرية التي يُمكن أن تُطبق عليهنّ وتقوية المرأة لتقدم الفكر الذي تؤمن به هي وليس أي فكر آخر يُفرض عليها تحت أي مُسمى. كما أنه من الضرورة إيجاد أُطر سياسية نسوية تحمل فعلياً وليس صورياً دور ادخال المرأة في العمل العام والأهم هو تأهيل المجتمع السوري بكون وجود المرأة في مواقع العمل بالشأن العام أمر يتوجب الاعتياد عليه والتأقلم معه واحترامه وعدم التعامل معه من باب العدوانية أو الهيمنة بل إيجاد أرضية سوية لإدراكه وللتفاعل معه ايجاباً.

الكاتب: د.سميرة مبيض

المصدر: نواة سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version