سيريا برس _ أنباء سوريا
أعلنت عائلات طرابلس وعكار تأييدها لتكليف الحريري لان وحسب البيان الذي صدر عنهم أن الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان اقتصاديا وماليا واجتماعيا تفرض على جميع القوى السياسية في لبنان التعاون معا لإنقاذه من الانهيار الكامل والانزلاق نحو الأسوأ، واستغربت هذه العائلات الموقف الذي صدر عن رئيس القوات اللبنانية بعدم احترام رغبة الكتل السنية بغالبيتها رؤساء الحكومات والشخصيات الروحية بأكملها من الشمال إلى الجنوب، وعلى رأسهم مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وكان لافتا موقف خصوم الحريري بالسياسة إلا أنهم أيضا سموا الحريري للتكليف احتراما لموقف أغلبية الطائفة المؤيدة لهذا التكليف، حيث أن رفيق الحريري ما زال قائما في وجدان اللبنانيين وبصورة خاصة الطائفة السنية وهو الذي أعاد أعمار ما تهدم بسبب الحرب الأهلية المشؤومة.
وهذا ما اعترف به جورج عدوان نائب رئيس القوات اللبنانية أثناء الاستشارات في القصر الجمهوري اللبناني ببعبدا واصفا الرئيس سعد الحريري بأنه الممثل للطائفة السنية.
من هنا كان موقف الدكتور سمير جعجع هو بمثابة الصدمة لهم بعد أن حظي باحترام كبير لدى أبناء الطائفة السنية، منذ عام ٢٠٠٥ بعد اغتيال الرئيس الحريري، حيث أصبح جعجع الأكثر قربا للحريري من خلال وقوفه إلى جانبه وهذا كان المدخل لجعجع لتطوير علاقاته مع الدول العربية والخليجية تحديدا، فحسب رأي الشارع فان الميثاقية كانت تفرض على جعجع احترام رغبة الأغلبية السنية بتسمية الحريري في اختيار رئيس حكومة لبنان، وهذا هو الواقع الطائفي والمذهبي في لبنان، ومن حقه فيما بعد المشاركة في الحكومة أو عدم المشاركة، ومنحها الثقة أو عدمها.
لقد أخذنا وقتنا الكافي لتحليل وتبين موقف جعجع قبل الشروع في كتابة هذا المقال من اجل الفهم العميق لخلفية مواقف جعجع، ومن هنا توقفنا عند التصريحات التي صدرت عنه وعن حزبه قبل الاستشارات وبعدها، وكان جعجع قد أعلن قبل يوم من استشارات التكليف، من انه لن يسمي الحريري وسيصوت بورقة بيضاء وهذا من باب الحرص عليه، شارحا الأسباب ومن أن الحريري لن يستطيع مواجهة الثلاثي الحاكم، أي الثنائي أمل وحزب الله، والتيار الوطني الحر، مما يعني حسب وجهة نظر جعجع انه يجب الإطاحة بهذا الثلاثي، وهنا يطرح السؤال على الدكتور جعجع حول هذا التناقض، كونه سبق ان قام بتسمية نواف سلام لتشكيل الحكومة بالرغم من وجود هذا الثلاثي الحاكم، وهل هذا يعني انه أراد الانتقام من نواف سلام لحرقه !؟ أم فقط أراد إرضاء بعض المتظاهرين المسيحيين الفرنكفونيين المؤيدين لنواف سلام، ولو كان جعجع حريصا على الحريري كما يبدي، الم يكن من المفروض أن يقف جعجع إلى جانب الحريري وأعطاه الدعم الكافي في مواجهة الثلاثي الحاكم وبصورة خاصة مسيحيا بعد رفض التيار الوطني الحر تسميته، وتناقض جعجع مستمر حيث أعلن انه لن يشارك في حكومة رئيسها سعد الحريري وهذا لاعلاقه له بالثلاثي الحاكم، وهل كان سيشارك في حكومة نواف سلام بوجود الثلاثي الحاكم، وهذا مزيد من التناقض في مواقف جعجع.
وسبق أيضا أن أعلن جعجع أن مواقفه لا علاقة لها بموضوع رئاسة الجمهورية، وهل يعني أن مواقفه الأخرى لها ارتباط برئاسة الجمهورية؟ حيث أن لسانه فضح ما يجول بفكره حيث أراد أن يسبق إشاعات الناس بهذا الموضوع. وأعلن أيضا ان هذا الموقف هو موقف شخصي، لا علاقة له بموقف دول الخليج، وأراد توجيه رسالة مفادها، انه يتمتع باستقلالية، وليس مرتبطا أو ملزما بمواقف الدول العربية وله كامل الاستقلالية، وانه مستقل بكل مواقفه، وان كانت تخالف القرارات أو الرغبات العربية، وهذه لغة مزدوجة يستخدمها جعجع، منها ما هو موجه للقاعدة الشعبية المؤيدة له، وهم يفهمون عليه انه ينسق كلامه ومواقفه مع العرب، ومن انه لا يريد إحراجهم، وهذا ما فهم من قبل مؤيديه بكل الأحوال، والرسالة الثانية هي لحزب الله، انه يمتلك قراره بنفسه. وهذا ما يردنا حول موقفه الغريب من مسألة التطبيع مع إسرائيل، حيث كان مستغربا إقحام جعجع للقضية الفلسطينية في حديثه من دون أي سبب مبرر وغير مرتبط بموضوع تكليف رئيس للحكومة، وقال حرفيا ” إن لبنان لن يطبع علاقاته مع إسرائيل قبل إيجاد حل للقضية الفلسطينية”، دون التطرق إلى موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ومسألة التوطين، وهذا ما سنتناوله فيما بعد.
وحسب المعلومات ان جعجع قبل أن يرفض تسمية أي شخص للتكليف خلافا للمرات السابقة التي سمى فيها نواف سلام.
أراد البحث عن شخص يريده الحراك الشعبي، وكان أمامه اختيارين لشخصيتين بارزتين من قبل الحراك الشعبي، بما أن نواف سلام المدعوم من قبل الحراك الشعبي الفرانكوفوني رفض بتاتا ان يكون مرشحا في وجه سعد الحريري بسبب العلاقة التي تربطه بهذه العائلة منذ أن تم تعيينه سفيرا بالأمم المتحدة، والشخصية الثانية الأكثر شعبيا الذي تم اقترحه من قبل عدد كبير من مجموعات الحراك الشعبي والغير الفرنكوفوني، وعددهم يفوق عدد داعمي نواف سلام، وعقدت هذه المجموعات اجتماعا وأعلنت دعمها لترشيح عبد الرحمن البزري لرئاسة الحكومة، ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يمر عند القواعد الشعبية للقوات، وان استطاع تمريره لدى كتلته، كون مواقف البزري الداعمة لحزب الله معروفة وعلنية، والخصم العلني لسعد الحريري وهذا ما دفع به إلى عدم تسمية احد، إن موقف جعجع كان ملفتا من خلال تأييده للحراك الشعبي بالرغم من انه كان دائما ضد المستقلين ومن أن اللعبة السياسية تتم من خلال الأحزاب ولا مكان للمستقلين والمعروف من خلال مواقفة الدائمة انه كان ضد المستقلين أمثال بطرس حرب ، وفارس سعيد، وميشال معوض وغيرهم، حيث يؤمن جعجع بفكر الأحزاب “أما معنا أو ضدنا” و لا وجود لأفكار مستقلة يصعب السيطرة عليها يا “ابيض يا اسود”، و لا وجود للرمادية، وكأنه أراد تغيير شعار الحراك من “كلن يعني كلن وهو منهم” بشعار أخر كلن يعني مش كلن” وهو ليس منهم!؟
وقد صرح جعجع أيضا إنها ليس مسألة شخصية بينه وبين الحريري، وهذا صحيح، كون الخلاف بين الاثنين كان بعدم استمرار الحريري بدعم جعجع لرئاسة الجمهورية بعد أن دعمه لسنتين ونصف، ولم يستطع الحريري الاستمرار بهذا الموقف الذي اغضب جعجع، إلا أن جعجع سمى الحريري لرئاسة الحكومة بعد التسوية التي أدت إلى انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، وشارك آنذاك في حكومة الحريري، بالإشارة إلى انه لا يوجد دم بين الطرفين، إلا انه تصالح مع عون وانتخبه رئيسا بالرغم من وجود دم وقتلى بين الطرفين ابان حرب الإلغاء، والعارفين يقولون أن جعجع لا يستطيع القول إن القرار اتخذ داخل الحزب ديمقراطيا في الهيئة التنفيذية، وعددهم ما يقارب ال ٣٠ عضوا من نواب ووزراء ونواب ووزراء سابقين إضافة إلى المسؤولين الكبار، حيث أن القرار أولا وأخيرا هو ما يقوله جعجع، والجميع من وراءه يرددون سمعا وطاعة، وأساسا ليس لديهم خيار كون المعترض لن يكون مرشحا للحزب في أي انتخابات نيابية مستقبلا، إضافة إلى انه سيتعرض لهجوما حادا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من دون اية حدود أو ضوابط وصولا لاتهام المعترض بالخيانة!
أوجه الشبه بين عون وجعجع
الاثنين ينتمين لعائلات متواضعة، احدهم دخل الجيش في أيام عزه قبل الحرب الأهلية ولم يكن هناك وجود للميليشيات. والآخر دخل ميليشيا حزب الكتائب أيضا أيام عزها، وكان الجيش قد تعرض للانقسام
بسبب الحرب الأهلية التي ضربت لبنان، والاثنين وبسبب عدة عوامل آنذاك استطاع كل منهما الوصول إلى قيادة المؤسسات التي كانوا يخدمون فيها. والاثنين مؤهلين للوصول إلى رئاسة الجمهورية.
الاثنين كانوا في نفس الخط الاستراتيجي، أولا ضد الفلسطينيين، ومن ثم ضد الجيش السوري في لبنان، والاثنين كانوا مع صدام حسين، وأيدوه في تلك المرحلة، وكان صدام يسلح الطرفين ويدربهما ويدعهما ماليا وأجرى مصالحة بينهما وبين القيادة الفلسطينية، حيث فتحت منظمة التحرير الفلسطينية مراكز لها بالمعاملتين في جونية الخاضعة لسيطرة القوات، والأخر في بعبدا الخاضعة الجنرال عون آنذاك، وبعد “حرب الإلغاء” بين الطرفين، حاول العراقيون إجراء مصالحة فيما بينهما، ومن ثم خسروا الحرب مع سوريا، عون التجأ لباريس والثاني أي جعجع وبعد ضمانات أميركية بقي بلبنان ومع تغير المعطيات بأميركا سمح للسوريين وضعه في السجن لمدة ١١ عاما.
في عام ٢٠٠٥ انقلبت الظروف والمعطيات بسبب اغتيال الرئيس رفيق الحريري فخسرت سوريا وخرجت من لبنان، فرجع عون من المنفى، وخرج جعجع من السجن، وهنا بدأ الفراق الاستراتيجي بين الطرفين .
عون انقلب على موقفه أثناء تلك الظروف ١٨٠ درجة، واختار إيران كحليف له بهدف لوصول إلى رئاسة الجمهورية، وبالرغم من شعبية عون التي قامت أساسا على معادة النظامين السوري والإيراني، ولكن هذا الموقف لن يمكنه من الوصول إلى رئاسة الجمهورية، ولهذه قرر الانقلاب على مواقفه، أما جعجع فبقي في الخط المعادي لنظام سوريا، إلى جانب قوى ١٤ آذار والى جانب الشارع السني الذي كان يمثل الفئة الرابحة آنذاك، وأيضا بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وكانت قاب قوسين أو أدنى كما اعتقد جعجع، وكان يحظى بدعم كامل من العرب، ماليا، ومعنويا، وكان يقارن نفسه بنلسون مانديلا أو هافيل الذين خرجا من السجن إلى الرئاسة.
لا احد يستطيع منع المفاجآت بالتاريخ، تغيرت الظروف، حيث سيطر الثنائي الشيعي، حزب الله وأمل، على نظام الحكم في لبنان، وأصبحت مفاتيح بعبدا بيدهم، وسيطر معهما حليفهم الجنرال عون، وسار جعجع في تسوية تسمية عون للرئاسة الجمهورية بعد أن استوعب خسارته، لكن عمر الإنسان له حدود والفارق بين الاثنين أكثر من ١٥ عاما، وبكل الأحوال لم يبقى لعون سوى سنتين إلا ستة أيام من عهده في رئاسة الجمهورية وسوف يبلغ من العمر حوالي ال ٩٠ عاما، فمن الصعوبة أن تبقى ديناميكية حزبه كما هي والتي بنيت كلها على شخصه مع العلم أنها ضعفت وتراجعت كثيرا.
هنا يعتبر جعجع انه لم يعد هناك منافسا مارونيا أمامه ومن انه سيصبح القوة الأكثر تمثيلا عند المسيحيين، وعند الحراك الشعبي، ولم يعد أمامه سوى حاجزا واحدا متمثلا بالثنائي الشيعي، حيث يعتبر ان علاقته مع الدول العربية سوف تخوله على الدعم من الكتل السنية حتما، وكذلك الدروز، فهم الدكتور جعجع كما فهم الرئيس عون آنذاك، واعترف ضمنيا ان عون نجح بالتكتيك للوصول إلى رئاسة الجمهورية فقرر أن يسير على نفس الخط، ومن هنا يمكننا تفسير موقفه من القضية الفلسطينية و أراد استخدام نفس أسلوب ميشال عون، وهذه كافية لتفسير مواقف وتصاريح جعجع الأخيرة وتقديمه أوراق اعتماد لحزب الله.
إذا كان للكلمات من معنى والمعروف عن جعجع انه يزن كلماته، فجاء توقيت تصريح جعجع بعد أعلن التطبيع بين الإمارات والبحرين ومن ثم السودان مع إسرائيل، وتوقيع العديد من الاتفاقيات فيما بينهم ، فجعجع لم يعلن انه مرتبط بالمبادرة العربية اتجاه إسرائيل لشروط التطبيع التي أعلنتها الجامعة العربية ببيروت عام ٢٠٠٢ ولم يعلن انه مرتبط بقرارات الجامعة العربية، ولم يقل أن لبنان هو آخر بلد يطبع مع إسرائيل، بل قال لا تطبيع مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية، ما يعني انه لو طبعت كل الدول العربية مع إسرائيل، ولو أرادت كل الطوائف اللبنانية، فطالما هو على قيد الحياة، وبما ان القضية الفلسطينية لن تحل وهو على قيد الحياة، فهو لن يوافق على التطبيع مع إسرائيل إلا إذا أراد حزب الله ذلك! ومن اجل إثبات حسن نيته اتهم العرب والخليجيين الذين طبعوا مع إسرائيل بالخيانة بالرغم من دعمهم له ماليا ومعنويا لعشرات السنين.
اللافت بموقف جعجع كما ذكرنا سابقا في تصاريحه انه لن يشارك في اية حكومة كانت طالما أن الثلاثي الحاكم أي أمل، وحزب الله والتيار الوطني يمسكون بزمام السلطة، ويعرف جعجع حق المعرفة انه لن يستطيع بالمنظور القريب تغيير هذا الواقع فأمل وحزب الله باقيين في الساحة اللبنانية، فإمكانية التغيير هي محصورة بالتيار الوطني الحر، واستبداله بجعجع وهكذا يفهم من مواقف الذي يعتبر أن مواقفه تكتيكي بهدف الوصول إلى رئاسة الجمهورية!!
الكاتب : هيثم الشعار_ سيريا برس