بعد أن هدأ الجدل حول من يملك مطعم “ناش كراي” الروسي الفاخر في دمشق، قد يكون من المناسب الآن تحليل ماذا يعني أن تظهر مستشارة الأسد المقرّبة بوصفها أشبه بمسؤولة تسويق لمشروع استثماري نخبوي، وبتلك العلنية، واللامبالاة، حيال كشف الروابط التي تجمع ذاك المشروع، بالقصر الجمهوري.إذ سريعاً، تم حل لغز “من يملك مطعم لونا الشبل؟”. وبات معلوماً أن المطعم مملوك رسمياً، مناصفةً، بين علي نجيب إبراهيم، وفداء سليمان. والأول، ظهر اسمه في تحقيق ل”الغارديان” البريطانية، في آذار/مارس الفائت، يكشف عن تطور تقنية النظام في إنشاء شركات وهمية لتجنب العقوبات المفروضة عليه. التحقيق أعده باحث اقتصادي سوري هو كرم شعار مع الصحافية تيسا فوكس، ويكشف صلات واضحة بين مالكي الشركات الوهمية الجديدة، وبين رأس النظام وزوجته، والنخبة المحيطة بهما في القصر، خاصة تلك التي تدير الشق الاقتصادي. وفي مقدمة الأسماء، يظهر يسار إبراهيم، الذي يُوصف بأنه رئيس المكتب الاقتصادي والمالي في القصر، والذي يملك رسمياً مجموعة من الشركات، ويظهر علي نجيب إبراهيم، بوصفه شريكاً له، في بعضها. وبطبيعة الحال، كلما تعمقنا في هذا الأمر، يزداد تعقيداً، بحيث يمكن أن نكتشف أن جميع مالكي الشركات الجديدة التي ظهرت في السنوات الثلاث الأخيرة في سوريا، يتبعون بشكل أو بآخر، للقصر الجمهوري، عبر أحد مُقاوليه.
المعلومات السابقة، لا قيمة لها. فهي باتت متاحة لجميع السوريين، بجهود محققين وباحثين اقتصاديين، من دون شك. لكن في الوقت نفسه، من دون كثير جهد من جانب النظام ونخبته، لإخفاء الروابط التي تجمع “مقاولي القصر” برأس النظام شخصياً. وهذا بالذات بيت القصيد، في علنية عملية التسويق التي قامت بها لونا الشبل للمطعم الروسي. فهل كانت لونا لا تدري أن المطعم المذكور، وظهورها مع ابنها في نشاط التسويق له، بصورة علنية، لن يخضع لتدقيق نشطاء المعارضة ووسائل إعلامها، ولن يتحول إلى مدعاة للاستياء في أوساط الشارع الموالي، ذاته؟!
قد يكون أقرب توصيف مناسب للعملية التسويقية التي رافقت افتتاح المطعم، ذاك الذي عبّر عنه رجل الأعمال السوري، ونجل وزير الدفاع الأسبق، فراس طلاس، في تعليقٍ قال فيه: “علي إبراهيم أحد واجهات يسار إبراهيم يلي هو واجهة لبشار وأسماء وفي اله شركات برات البلد كمان للهروب من العقوبات، المطعم ناش كراي يتبع للقصر، لونا واجهة للجكر ليس إلا”.
فهل كان تسويق لونا للمطعم بغاية “الجكر”، فعلاً، أم تعبيراً عن اللامبالاة بردود الفعل حيال ذلك، حتى في أوساط الشارع الموالي ذاته؟! نميل من جانبنا للتفسير الثاني. فـ لونا الشبل ذاتها، وبوصفها في الأساس، إعلامية، تميزت في أحاديثها الموجهة للسوريين، بدرجة كبيرة من المباشرة في تحديد المطلوب منهم، وما سيكون عليه الأمر. لم تكن يوماً مهتمة بالانتقادات لألبستها الفاخرة مثلاً، فيما تطالب السوريين الجوعى بـ “الصمود”. ذات الخطاب يمكن لحظه بشكل جلّي، في حديث بشار الأسد، قبل أيام، في المقابلة التي أجراها مع قناة “روسيا اليوم”، في الشق المتعلق بالأزمات المعيشية التي يحياها السوريون. قال لهم باختصار، أن عليهم ألا يرفعوا سقف تطلعاتهم بحلول قريبة ونهائية لتدهورهم المعيشي. فلا إعادة إعمار بالمعنى الواسع، ستكون قريبة المنال، ولا حلاً نهائياً لأزمات الكهرباء التي وصّفها بأنها العائق الرئيس أمام تطوير العملية الإنتاجية في سوريا.
ببساطة، رأس النظام والمقرّبون منه ما عادوا مستعدين لممارسة فعل “التقيّة” في تخبئة نمط حياتهم المُترف، أو استثماراتهم الباذخة، أو تحالفهم العلني مع نخبة الأثرياء في البلاد، على حساب الطبقات الوسطى والفقيرة. فالمطعم المشار إليه، نخبوي للغاية، وفق أسعار الوجبات المعلنة. لكنه لا يمثّل استثناءً للاستثمارات التي حرص النظام على دعمها والدفاع عنها، في السنوات القليلة الفائتة.. فكلها يندرج في سياق الخدمات والسياحة التي تستهدف طبقة الأثرياء، الذين في جلّهم، ممن استفادوا من اقتصاد الحرب، ومن تحالفاتهم مع مسؤولي النظام.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك، مجمع “UPTOWN” الترفيهي، في مشروع دمّر، بدمشق. والذي تتردد عليه شخصيات بارزة داخل النظام، منهم، بشار الجعفري، نائب وزير الخارجية، وحافظ الأسد، نجل رأس النظام، وذلك للترفيه عن أنفسهم، في صالته الرياضية الباذخة، أو في مطاعمه النخبوية. المجمّع المشار إليه، وفق المعلومات المتاحة هو استثمار لشقيق رأس النظام، ماهر الأسد، عبر واجهة من رجال الأعمال، هو نعيم الجرّاح. وفي المجمّع المذكور، نادٍ رياضي، يرتاده بشار الجعفري، تبلغ كلفة اشتراكه فقط، 100 ألف ليرة سورية، أي أعلى من الحد الأدنى للأجور، في البلاد. فيما تتراوح أسعار وجبات المطعم الملحق بالنادي، ما بين 30 إلى 65 ألف ليرة سورية. ومن الأمثلة أيضاً، سلسلة مطاعم “Hot Bakery”، التي تعود ملكيتها لعائلة وزير الخارجية الراحل، وليد المعلم، والتي تقدّم وجبات ومخبوزات بأسعار أعلى بكثير من وسطي الأسعار الرائجة. فهي تتقصد النخبة الثرية في دمشق.
وفيما كان بذخ أولاد رامي مخلوف، والمجاهرة به، ذريعة لفتح ملف فساد الرجل والإطاحة به، يمارس مسؤولو النظام المقربون حياتهم المُترفة ويسوّقون لاستثماراتهم، على الملأ. إذ من قد يثور مرة أخرى علينا، بعد كل ما جرى؟ هذا باختصار، توصيف ما تعنيه علنية تسويق لونا الشبل لمطعم فاخر في قلب دمشق، التي يغرق معظم سكانها في الفقر والعتمة.
إياد الجعفري _ المدن