لطالما شكل عمل المرأة في المجتمع السوري خارج منزلها، ومشاركتها للرجل بالأعباء المادية، عبئاً نفسياً على الرجل وصورته الاجتماعية، ولكن يبقى الأمر نسبياً وفق المعطيات المختلفة من البيئة والظرف ونوعية العمل.
يرفض الكثير من الرجال عمل المرأة أو يحاولون تجنبه، على اعتباره انتقاصاً لرجولتهم، ووسيلة لسيطرة المرأة على الرجل.
لكن مع ظروف الحرب والتهجير والانفتاح على المجتمعات والثقافات الأخرى، وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون في بلاد اللجوء، تغيرت الكثير من المفاهيم والقناعات لاسيما عن جيل الشباب.
أصبح هناك تقبلٌ لعمل المرأة وثقافة المشاركة في نفقات الحياة ابتداءً من تكاليف الزواج إلى باقي تفاصيل الحياة.
تغييرات إيجابية
المهندسة الشابة رند الراغب (21 عاماً)، سورية تعيش في تركيا، لها تجربة تشير إلى نجاحها هي وخطيبها عبد الله البزيعي (24 عاماً) في التخطيط لبناء أسرة تقوم على التشارك والتخلي عن الأدوار التقليدية منذ لحظة تعارفهما الأولى.
تقول رند، خلال دراستي الجامعية التقيت بعبد الله كان زميلي، تعارفنا والتقينا أكثر من مرة، وبعد التوافق الفكري والاشتراك بكثير من النقاط المهمة أقبلنا على الارتباط.
وتضيف، في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، عندما قررنا أن نكون سوياً كان أحد أهدافنا هو أن نخرج من عقلية الرجل المسؤول عن كل شيء من مهر وتكاليف زواج وعمل ليعيل أسرته.
ترى رند وزوجها، أن للمرأة دورا لا يقل أهمية عن الرجل في هذه الأمور، لأن تحمل أعباء الأسرة يعزز من شخصيتها ومكانتها الاجتماعية والأسرية لتخرج من دور “الضحية والضعيفة”، على حد وصفها.
بدوره، عبد الله، وهو خريج إدارة أعمال، يتفق مع رند بأن كثيرا من الموروثات الاجتماعية باتت بالية ويجب تغييرها.
ويقول عبد الله، تغيرت نظرتي إلى كثير من المفاهيم والأفكار التي تؤطر المرأة وتحصرها في أدوار دون غيرها، وذلك منذ خروجنا من سوريا والاحتكاك بمجتمعات أخرى فضلاً عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الجديدة.
ويضيف عبد الله، من حق المرأة أن تكون حرة في أي قرار يخصُّ حياتها الشخصية ومن ضمنها العمل فإن أرادت العمل ضمن مجالها الدراسي أو في أي مجال آخر يضمن لها عملاً جيداً ومريحاً ويناسب شخصيتها لا يحق لشريك حياتها أن يمنعها عن ذلك.
ويتابع، من الأمور الأخرى التي كنت أجهلها أنَّه لا عيب إن أرادت الزوجة أن تسهم في تكاليف المعيشة مع زوجها وأن تشاركه كل شيء خصوصاً في زمننا الحالي مع تزايد الأسعار وكثرة المستلزمات الحياتية.
وبحسب عبد الله فإن علاقة الحب التي ربطته مع رند، كان أحد أسرار نجاحها هو أنهما رسما مساراً لحياتهما سوياً بالاتفاق وعبر التشارك.
يقول عبد الله، تعاهدنا أن نبني حياتنا على أسس تشاركية سواء في استعدادات وتكاليف الزواج واحتياجاته، أو لما بعد الزواج، ولها الحق في العمل وتقاسم المسؤولية.
نظرة المجتمع
تختلف نظرة المجتمع حيال عمل المرأة ومشاركتها بالمصروف المنزلي مع اختلاف البيئة المحيطة وكيفية تعاملهم مع هذه الظاهرة.
على الرغم من أن معظم من التقتهم معدة التقرير، لا يعترضون عمل المرأة ومشاركتها بالأعباء الأسرية، إلا أنهم يؤكدون أن ذلك ليس من واجبها بل مرتبط بمدى تفاهم الشريكين ورغبتها.
ويقول محمود رحيل، صحفي سوري، لا ينتقص من قيمة الرجل أن تعمل زوجته وتشاركه في تأمين مستلزمات الحياة، لكن هذا لا ينفي مسؤوليته بالنفقة على زوجته وأسرته.
بدوره الشاب السوري، كريم رجو، يرى أن هناك عوامل عديدة هي التي دفعت نحو تقبل المجتمع لمشاركة المرأة في الإنفاق على الأسرة، أبرزها الأوضاع الاقتصادية، ولا سيما في تركيا التي لا يستطيع رب الأسرة بمفرده إعالة العائلة.
بحسب كريم، هناك أسباب اجتماعية أيضاً أدت إلى قبول التشاركية، تتعلق بالمرأة ذاتها ومكانتها ونظرة المجتمع لها، وفي تحقيق الذات كجزء لا يتجزأ من كل.
أما عبد الله القدور، طالب هندسة سنة ثالثة جامعة غازي عنتاب، فيقول أؤمن بمشاركة الزوجين بتأمين مستلزمات حياتهما، ولكني أرفض بشدة أن تعمل المرأة، بينما الرجل جالس بلا عمل ويعتمد على دخلها.
ويضيف عبد الله البيئة الاجتماعية تلعب دوراً في هذا الموضوع، فالنظام القبلي يختلف عن نظام القرية وعن البلدة أو المدينة والمحافظة.
ويقول عبد الله، في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، ترى البعض يناضل ليرى زوجته في صفوف العظماء تحقق النجاحات، والبعض الآخر أسير النظرة المجتمعية يمتثل خاضعا لقيود المجتمع فيرفض مجرد التفكير بأن تسهم زوجته بالمصروف.
في حين ترى سعادة المحمد، امرأة سورية من حلب تقيم في تركيا، أنه من الواجب أمام الظروف الحالية أن تشارك المرأة بالإنفاق على المنزل، مشيرة إلى أنها ظاهرة ليست جديدة وإنما ازدادت في الآونة الأخيرة.
أحد الموانع التي تقف أمام هذه الظاهرة، لها بعد نفسي، وفق لما تقوله سعاد، يتعلق بشعور الرجل بالانتقاص من مكانته ودوره.
الأسباب والظروف
يقول بشير الهويدي، مستشار بناء القدرات، إن التطورات التي شهدها العالم والجيل الشاب من حالة انفتاح وعمليات تعلم، خصوصاً في حالتنا السورية في خضم البحث عن التحول الديمقراطي سياسياً واجتماعياً، أصبح من الضرورة مشاركة النساء مع الرجال على قدم المساواة في تحمل المسؤوليات المادية والمعنوية.
ويضيف الهويدي في حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”، أن المرأة السورية أثبتت خلال السنوات العصيبة الماضية وفي ظل الأزمة، كفاءتها بأن تكون كتفاً إلى كتف مع الرجل، ومساعدته بتحمل جميع الأعباء بدءاً من تكاليف الزواج إلى العمل لتحمل معه أعباء الأسرة المادية.
وبحسب الهويدي، لم يعد تغيير نظرة المجتمع للمرأة ودورها في حياة الأسرة، ترفاً وإنما أصبح ضرورة ملحة لمجاراة الأسرة السورية تلك المجتمعات التي وجدت نفسها فجأة، مضطرة للتعايش معها ومع ثقافتها وضروراتها الاقتصادية.
ويذهب الهويدي إلى أن معظم الشباب الذين نشؤوا في مجتمعات المهجر، أصبح لديهم عملية اصطفاء للعادات والنظرة الاجتماعية، ليستخلصوا من مجتمعاتهم والمجتمع الجديد الذي نشؤوا به، أفضل السبل لتطوير حياتهم وتحسين الثقافة المجتمعية.