سيريا برس _ أنباء سوريا
بدءاً من الإمارات، مروراً بالبحرين وحتى السودان، امتلأت الأخبار والتصريحات الخاصة بتطبيع الدول الثلاث مع إسرائيل، بمهازل ومساخر وكوميديا عديدة.
لنبدأ بالأحدث، وهو تطبيع السودان مع إسرائيل، فعلى مدار الأشهر الماضية، وجدنا سيلا من التصريحات الكوميدية لمسؤولين سودانيين عن الموضوع، فبعد لقائه رئيس حكومة دولة الاحتلال، نتنياهو، صرح رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، أنه “استخار الله” قبل أن يقرّر المشاركة في اللقاء! وكأنه ذاهب إلى فتحٍ مبين. وفي أغسطس/ آب الماضي، صرّح المتحدث باسم الخارجية السودانية وقتها إن بلاده ستكون “أهم بلد تطبّع معه إسرائيل، حتى أهم من مصر” وهو أتفه تصريح يمكن أن يقال من أي مسؤول في هذا الشأن، إذ بدا كأن هناك منافسة على من يخدم إسرائيل أكثر. والطريف أن المتحدّث أقيل من منصبه بسبب ترويجه التطبيع، الذي حدث بالفعل بعد شهرين فقط من تصريحه. يبدو أنه استعجل الإعلان عن الطبخة، ووضع السلطات السودانية في حرج مبكر!
وبعد الإعلان الرسمي عن التطبيع، خرجت الخارجية السودانية بتصريح غرائبي آخر، إذ قالت إن ما تم الإعلان عنه هو “اتفاق على التطبيع” وليس تطبيعا! من دون أن تتحفنا بالفرق بين الأمرين، إذ سيقود هذا الاتفاق حتما إلى التطبيع. ما يذكّرنا بشطحات الأخ العقيد معمر القذافي، وتصريحاته العجيبة، مثل “للمرأة حق الترشّح، سواء كانت ذكراً أو أنثى” و”برّ الوالدين أهمّ من طاعة أمك وأبيك”! وغيرها الكثير.
أما المسخرة أو المساخر اللاحقة للاتفاق، فتعلقت بتبرير بعضهم التطبيع، وتصويره كأنه سيفتح أنهار الخير على السودان، مع كلام كثير من المسؤولين السودانيين، إن “المصلحة الوطنية أولا”، من دون أن يتأمل أحد في مصير الدول السابقة التي طبّعت مع إسرائيل، مثل مصر والأردن، إذ يتضح جليا أن أنهار الخير لم تتدفق على البلدين ولا من يحزنون، بل خسرت مصر المليارات جرّاء تصدير الغاز إلى إسرائيل في عهد حسني مبارك بأقل من سعره في السوق العالمي، فضلا عن دفع تعويضات لتل أبيب، بسبب توقف التصدير بعد ثورة يناير، ثم التحوّل إلى استيراد الغاز من إسرائيل، جرّاء اتفاق تم توقيعه بين البلدين قبل عامين، وهو اتفاقٌ وصفه نتنياهو بأنه سيجلب مليارات الدولارات للخزانة الإسرائيلية. كما اتفقت إسرائيل وقبرص واليونان على إنشاء خط للغاز استبعدت منه مصر، بالإضافة إلى اتفاق إماراتي إسرائيلي سيؤدي، في حال تطبيقه، إلى نقل نفط دول الخليج إلى أوروبا من دون المرور عبر قناة السويس، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي لمصر، وسيكون بمثابة ضربة قاصمة للاقتصاد المصري. وحتى الفتات الذي ألقي به إلى تلك الدول على شكل مساعدات، أكله الفاسدون في بطونهم، ولم تنتفع الشعوب منها شيئا، وهذا المتوقع أن يحدث للسودان أيضا للأسف الشديد. وهي مفارقة التقطها بذكاء مواطن سوداني نشر مقطع فيديو يسخر فيه من قرار رفع الدعم عن الوقود، بعد أيام من توقيع اتفاق التطبيع، قائلا “شكرا لماما أمريكا، وخالتو إسرائيل”، فقد أدرك هذا المواطن أن بلاده لن تنال خيرا على الأغلب من هذا الاتفاق، كما يسوّقه المطبّعون.
أيضاً حاول القادة السودانيون تسويق الاتفاق نابعاً من قرار وطني محض، قبل أن يكشف مجلس الوزراء السوداني الحقيقة، من دون لفٍّ أو دوران، عندما قال بيان صادر عن المجلس إن الولايات المتحدة اشترطت، خلال زيارة وزير خارجيتها، مايك بومبيو، تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب لشطب السودان من قائمتها السوداء للدول الراعية للإرهاب، أي أن الأمر مجرّد إذعان لا أكثر. ولم يتأخر العبث من ناحية الإدارة الأميركية نفسها، راعية الاتفاق، إذ زعم مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبراين، عدم وجود علاقة لمحادثات التطبيع بموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكأن هذا الكلام يمكن أن يقنع طفلاً.
بالعودة أسابيع قليلة، وتحديداً عند توقيع الاتفاق بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، نجد مئات من المواقف والتصريحات الكوميدية، والتي يقوم بها إماراتيون على مواقع التواصل، لتأكيد “عشقهم” وغرامهم بإسرائيل بطريقةٍ مثيرةٍ للاشمئزاز. يُكتفي هنا بعرض ثلاثة أمثلة فقط. المثال الأول تمثل في تصريح وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الذي قال فيه تعليقاً على التطبيع “أرهقتنا المواجهات”، وكأن الإمارات كانت تقود “جبهة الصمود والتصدي” العربية في مواجهة إسرائيل طوال السنوات الماضية، وليس كما كشفت مصادر إسرائيلية، بينها رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، إن العلاقات تعود إلى التسعينيات.
أما المطبّل، وسيم يوسف، فكتب تغريدة تعتبر الأكثر عبثية وكوميدية، إذ قال إن إسرائيل “لم تدمر سوريا، ولم تحرق ليبيا، ولم تشتت شعب مصر، ولم تمزّق لبنان إلى طوائف”، لكنه نسي، في غمرة تطبيله، أن إسرائيل فعلت ذلك كله وأكثر في فلسطين نفسها التي تحتلها منذ أكثر من 80 عاما! فقد قتلت الشعب الفلسطيني وشردته وسجنت مئات الآلاف طوال تلك السنوات، إلا لو كان قد أخرج فلسطين من المعادلة العربية التي هندسها في تغريدته لتتوافق مع تطبيله. وتختم المساخر هنا بخبر طريف، تناقلته وسائل الإعلام قبل أسابيع، إذ وقّع بنك إسرائيلي مذكرة تفاهم مع مصرف أبو ظبي “الإسلامي”!، إذ يحار المرء الذي يقرأ هذا الخبر في توصيف البنك نفسه، ويكون السؤال الطبيعي وقتها “ما علاقة الإسلام بهذه المسخرة”؟
الكاتب أسامة الرشيدي _ العربي الجديد