تحاول سميحة البارودي (31 عاماً)، وهي نازحة من مدينة سراقب جنوب شرقي إدلب وتعيش في مخيم بقرية كفريحمول بريف إدلب الشمالي، جاهدة أن توفق بين عملها في ورشة للخياطة والاهتمام بأولادها الأربعة.وتترك النازحة أولادها لدى والدتها المسنة التي تعيش في خيمة مجاورة لخيمتها، وتعود بعد انتهاء عملها للاهتمام بأطفالها الذين يبلغ أكبرهم التاسعة من عمره .
وتعمل نساء نازحات في إدلب، فقدن معيلهن، في أعمال متنوعة لإعالة أطفالهن، بينما تواجه أخريات رفض العائلة فكرة عملهن خارج المنزل بسبب التقاليد الاجتماعية التي لا تزال ترفض عمل المرأة.
وتقول “البارودي” إنها وبعد وفاة زوجها نهاية العام 2019، لم تجلس “مكتوفة الأيدي”، بل بدأت بتعلم مهنة الخياطة من إحدى جاراتها لتتمكن فيما بعد من إيجاد فرصة عمل في إحدى الورشات، بالإضافة إلى أنها تعمل على إصلاح الملابس لجاراتها بعد انتهاء دوامها في الورشة.
وتشير إلى أنها ومن خلال عملها تتحمل مسؤولية الإنفاق على عائلتها، كما “لا أنتظر سلة الإغاثة التي لا تغني من جوع”، على حد تعبيرها.ورغم أنها تتلقى انتقادات من محيطها إلا أنها تبدو غير مكترثة لذلك، “لا ألتفت لأي كلام، كل ما يهمني هو إبعاد أولادي عن شبح الجوع والعوز، لأننا حين ننام جياعاً لا يلتفت أحد إلينا بكسرة خبز”، على حد تعبيرها.
وتعمل عائشة الشحنة (38 عاماً)، وهي نازحة من مدينة خان شيخون وتسكن في مخيم بريف إدلب الشمالي، ضمن ورشة زراعية لمدة سبع ساعات يومياً مقابل 10 ليرات تركية.وتضطر “الشحنة” لترك أولادها الثلاثة وحدهم في الخيمة طيلة ساعات العمل، وسط مخاوفها من تعرضهم لسوء أثناء غيابها.
وإحدى المرات تعرضت خيمتها للاحتراق وذلك أثناء محاولة طفلتها الكبرى البالغة من العمر 12 عاماً إشعال الغاز، حيث قام الجيران بإطفاء النيران وإنقاذ أولادها من الموت.
وتشير “الشحنة” إلى أنها اضطرت للعمل بعد اعتقال زوجها من قبل القوات الحكومية أثناء ذهابه إلى مدينة حماة عام 2018، لتسمع فيما بعد أنه فقد حياته في السجن.
وتقول نساء يعملن في مهن مختلفة إنهن يتحملن مسؤوليات مضاعفة بعد فقدان معيلهن، تتجلى في تربية الأولاد والإنفاق عليهم وتأمين مستلزماتهم، في ظل ظروف النزوح التي تفاقم وضعهن سوءاً.
وبحسب إحصائية لمنظمة منسقو استجابة سوريا خلال عام 2020، فإن هناك عشرات الآلاف من الأطفال الأيتام والأرامل جراء الصراعات الدائرة في مناطق شمال غربي سوريا، والتي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا.
ووفقاً للإحصائية، فإن عدد الأطفال الأيتام تحت سن 18عاماً بلغ 197.856 طفلاً، في حين بلغ عدد الأرامل اللاتي ليس لديهن معيل 46.302 امرأة.
وتقول رنا الديري، وهي مرشدة اجتماعية، إنه وعلى الرغم من انتشار عدد من منظمات المجتمع المدني التي حملت في برامجها أفكار دعم دور المرأة وتعزيز مساهمتها ودورها في المجتمع، “إلا أن هذا الدور لم يسجل تقدماً ملحوظاً بسبب قلة الدعم الذي لا يتناسب مع أعداد النساء الكبيرة”.
وتشير المرشدة الاجتماعية إلى أن أغلب المراكز التي تم افتتاحها في إدلب تركز على تعليم النساء مهناً يدوية كالخياطة والنسيج والتمريض ومحو الأمية، دون تأمين فرص عمل بعد التدريب .
وفشلت مريم المحمد (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة تعيش في مدينة إدلب، في إقناع عائلتها بالعمل بعد وفاة زوجها منذ عام ونصف. ويعتقد والد “المحمد” وأشقاؤها الذكور، أن “من المعيب أن تخرج المرأة الأرملة من المنزل بمفردها، فتكون لقمة سائغة للرجال ضعاف النفوس، وتعيش مدانة في مجتمع تقليدي”.
وتعتمد “المحمد”، وهي أم لطفلين، على مساعدات “قليلة” تقدمها عائلتها وعائلة زوجها لإعالة أطفالها، بعد أن رفض الطرفان خروجها للعمل.
وتضيف: “قراري لم يعد بيدي، فالجميع يملي علي أوامرهم وتعليماتهم بعد وفاة زوجي، ويتدخلون في تفاصيل حياتي وحياة طفلي”.
المصدر: نورث برس