مريم .. تتحدى المرض بثلاثية العلم والعمل والإرادة

غصون أبو الذهب _ سيريا برس

عندما تمتلك الإرادة لاتهاب الصعاب، ذلك ملخص قصة ملهمة لشابة تتجرع الأمل في كل كلمة ترويها لمرض خطير له آثار مستدامة ولايعرف له علاج تمكن من جسدها الغض، وترك لديها شدة نفسية نجت من تداعياتها بالمتابعة الطبية  المناسبة والدعم، الذي سرعان ما تحول إلى تحدي  مكنها من قهر ظروف المرض الصعبة، و بالأصرار تابعت حياتها ودراستها الجامعية ورعاية عائلتها وأطفالها بكل مثابرة وجد.

لاتملك خياراً مع ملامحها الهادئة وابتسامتها اللطيفة ودماثة أخلاقها إلا أن تصغي بكل جوارحك، لقصة “مريم” التي قالت في حوار إلى “سيريا برس” : “منذ عام ونصف شعرت بالخدران في الجسم والأطراف وبأعراض جسدية أخرى أصابتني بآلام لم أعهدها من قبل، اضطررت لمراجعة عدة مشافي وأطباء شخصوا بدايةً أن لدي كتلة على النخاع الشوكي، ليتضح لاحقاً أني مصابة بمرض التصلب اللويحي، وشرح لي الأطباء أنه مرض خطير يهاجم الأعصاب ولادواء له ” .

حصلت مريم على عناية طبية وصفتها بالممتازة في رحلة علاج طويلة مع مشافي حكومية تركية، ومع علاج نفسي من منظمة “أوسوم” كان بالنسبة لها قارب نجاة من اكتئاب شديد عقب اكتشافها للمرض.

علاج مريم في المستشفى

التصلب اللويحي

في حديث إلى “سيريا برس” تقول الدكتورة هويدا القباني اختصاصية طب الأسرة، أن التصلب اللويحي (MS) هو مرض مناعة ذاتية، حيث يهاجم جهاز المناعة نفسه، ويتلف الغشاء المحيط بالأعصاب، هذا التلف أو التآكل للغشاء يؤثر سلبا على عملية الاتصال ما بين الدماغ وبقية أعضاء الجسم، وقد تصاب من جراءه الأعصاب نفسها بالضرر، وهو ضرر مستدام  لا يمكن إصلاحه. وعادة يتطور المرض من سن  20 – 40 عاما، و يصيب النساء بنسبة أكبر من الرجال.

وتضيف الدكتورة “القباني” أعراض التصلب اللويحي مختلفة ومتنوعة، وفق شدّة الإصابة. وفي الحالات المتقدمة قد يفقد مرضى التصلب اللويحي القدرة على المشي أو الكلام، وقد يعانون من تيبس وتشنج العضلات ومشاكل مثل صعوبة التركيز والنسيان ومرض الصرع والإكتئاب وفقدان جزئي أو كلّي للنظر، ورعاش،  وفقدان التنسيق بين أعضاء الجسم أو فقدان التوازن أثناء المشي وغيرها من الأمراض.

الدكتورة هويدا القباني

وعن العلاج تقول الدكتورة ليس هناك علاج لمرض التصلب اللويحي، وغالبا العلاج يركز على السيطرة على الأعراض. ووفق موقع ” ويب طب” حتى الآن، لا يعرف الأطباء والباحثون السبب الدقيق لإصابة شخص ما بمرض التصلب اللويحي دون آخر. لكن المعروف إن مزيجا من العوامل الوراثية والتلوثات في فترة الطفولة يساعد في ذلك.

مرض مريم ورحلة العلاج

خلال فترة مرضها تنقلت مريم بين ولايتي غازي عنتاب واسطنبول وتعالجت في عدة مشافي وعن تجربتها تقول، كانوا في المشافي متعاونين جدا وعاملوني بطريقة ممتازة، لم أشعر أن هناك تمييز في المعاملة كوني سورية، ولم أدفع أي تكاليف للعلاج، وأضافت عندما انتقلت للإقامة في إسطنبول بسبب أن “بطاقة الحماية المؤقتة _الكملك” صادر من ولاية غازي عنتاب، اضطررت للتداوي في المشافي الخاصة، وعقب حيازتي على الجنسية التركية تكفل التأمين الطبي بتغطية كامل نفقات علاجي ماعدا اليسير منها.

عانت مريم من اكتئاب شديد في خضم رحلة اكتشافها للمرض وقالت: “من الصعب جدا وأنا في مقتبل العمر ولدي زوج وأطفال في حاجتي لرعايتهم، أن أستوعب فكرة وجود كتلة قد تكون غير حميدة في الرأس وصولاً إلى اكتشاف أني مصابة بمرض خطير لاعلاج له كالتصلب اللويحي، بعد فترة قررت أن أواجه المرض وتواصلت مع دكتور نفسي في منظمة “أوسوم” قدموا لي رعاية ممتازة في مراكزهم، والآن أتلقى عبر الهاتف الاستشارة النفسية من دكتور مختص لديهم مرتين في الشهر”.

 منظمة أوسوم

في حوار خاص مع الدكتور ضاهر زيدان المدير القطري لمنظمة “أوسوم” في تركيا، قال تقدم UOSSM DER  خدمات صحة نفسية متخصصة في مراكزها المرخصة والمسجلة لدى وزارة الصحة التركية في الولايات التالية: (كيليس، غازي عنتاب، الريحانية، واسطنبول) للاجئين منذ عام 2012. تشمل هذه الخدمات التشخيص والعلاج الدوائي النفسي المجاني من قبل أطباء نفسيين ناطقين باللغة العربية بالإضافة إلى جلسات العلاج النفسي، وتشمل الخدمات أيضاً: خدمات متخصصة للأطفال الذين يعانون من اضطرابات مثل (متلازمة داون، اضطرابات طيف التوحد، صعوبات التعلم، مشاكل النطق.. إلخ)  بالإضافة إلى جلسات تثقيف لذوي الأطفال عن كيفية التعامل مع أطفالهم.

الدكتور ضاهر زيدان المدير القطري لمنظمة أوسوم

 وأوضح دكتور زيدان أن اللاجئين الذين يقصدون المركز يعانون من مشاكل نفسية ناجمة عن ضغوط الحياة اليومية الاعتيادية مثل الطلاق، فقدان العمل، صعوبات مالية، مشاكل أسرية …. إلخ. بالإضافة إلى اللاجئين الذين تطورت حالاتهم إلى اضطرابات نفسية مثل: الاكتئاب، القلق، اضطراب الكرب ما بعد الصدمة، الذهان، الفصام، اضطراب الهلع، الوسواس القهري…. إلخ.

وفيما يختص بأهم المعوقات التي تواجه عمل المنظمة قال “زيدان” نواجه مؤخراً  قلة الدعم المالي حيث تعمل مراكزنا حالياً بتمويل ذاتي من المنظمة.


الخدمات التي قدمتها أوسوم تركيا في 2018، 2019 وحتى تشرين الثاني 2020

16.370عدد المستفيدين التي تلقوا خدمات الصحة النفسية
47.937عدد الاستشارات
2.082عدد الجلسات الجماعية

وأشار الدكتور ضاهر أنه لا يوجد رقم أو نسبة تقريبية لأعداد اللاجئين السوريين الذين يعانون من اضطرابات نفسية حيث لا يمكن قياس تلك النسبة ولكن وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإنه أثناء وبعد حالات الطوارئ حوالي 20% من أفراد المجتمع يعانون من اضطرابات نفسية في حين يعاني آخرون من ضائقة نفسية تؤثر على صحتهم الجسدية. كما تقدّر منظمة الصحة العالمية أنّ انتشار الاضطرابات النفسية الحادة مثل الذهان والعديد من أشكال الاكتئاب يزداد بنسبة 1٪ على الأقل بعد حالة الطوارئ. ويزداد انتشار الاضطرابات النفسية المعتدلة مثل القلق والاكتئاب الخفيف بنسبة 5 إلى 10 في المائة تقريباً.

حقوق المصابين بالاضطرابات الصحية والنفسية

حسب المفوضية السامية اللاجئين UNHCR: “السوريون الذين لديهم أرقام حماية مؤقتة تبدأ بـ 99 مؤهلون للحصول على كل المساعدات التي تقدمها السلطات التركية تقريباً، بما في ذلك المساعدة الطبية والأدوية داخل الولاية التي يقيمون فيها، وتكون تكاليف الخدمات الطبية بجميع مستوياتها بما في ذلك مراكز الصحة العامة ومراكز الرعاية الأسرية والمستشفيات الحكومية والمستشفيات الجامعية مشمولة على قدم المساواة مع المواطنين الأتراك، وهذا يتماشى مع قانون تنفيذ/ميزانية الرعاية الصحية”.

يحصل السوريون في تركيا حاملو بطاقة الحماية المؤقتة على العلاج المجاني أو شبه المجاني في المشافي التركية الحكومية،  لكن إلزام السوريين بالعلاج في الولايات التي حصلوا منها على حق الحماية المؤقتة يشكّل عائقاً أمام تلقي بعضهم العلاج الذي يحتاجون إليه.

و يحدد قانون الأجانب واللاجئين ‰ الصادر عام 2014 التفاصيل المتعلقة بوصول اللاجئين ‰ السوريين ‰ إلى الرعاية الصحية. حيث يمكن أن يحصل اللاجئون السوريون الخاضعون للحماية المؤقتة على الرعاية الأولية والطارئة مجاناً في المراكز الصحية للمهاجرين، والتي يقتصر دورها على الرعاية الأولية، إضافة إلى إمكانية حصولهم على الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية ومستشفيات التعلم والبحث. وتشمل الرعاية الصحية الأولية الفحوصات واللقاحات والمراقبة خلال فترة الحمل ورعاية ما بعد الولادة وخدمات تنظيم  الأسرة.

كما يستطيع اللاجئون السوريون المسجلون ضمن الحماية المؤقتة الوصول إلى الخدمات الثانوية (الحكومية) والثالثة مستشفيات (التعلم والبحث) ومع ذلك، فإن تغطية تكاليف الرعاية الطبية من مسؤولية المديرية العامة لإدارة الهجرة وهذه التغطية تقتصر على تكاليف العلاج و الأدوية المنصوص عليها في ميزانية قانون الصحة.

 و كجزء من التعديلات على قانون الحماية المؤقتة في 16 مارس 2018 ( تم تضمين الدعم النفسي الاجتماعي بموجب المادة 27 ) :)، “الخدمات النفسية والاجتماعية التي يتعين تقديمها للأشخاص المستفيدين من الحماية المؤقتة سيتم تنفيذ بالتعاون مع شركاء حل الدعم والتي تم تحديدها أيضاً في خطة التدخل في حالات الكوارث في تركيا التي نشرتها وزارة ا لأسرة والسياسات الاجتماعية في الجريدة الرسمية رقم 28871 بتاريخ.2014/1/3”

إلى هذا، إن حماية الحقوق وتعزيزها وتحسينها عن طريق تشريعات الصحة النفسية وفقاً لأهداف ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية، تعتبر حقوق الإنسان منطلقاً أساسياً لهذه التشريعات، وتقر المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بهذا الحق إذ تنص على أن: “لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية…”

وتقر المادة 12 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحق  الأفراد بمن فيهم المصابين بالاضطرابات النفسية بالتمتع بأعلى معيار يمكن الحصول عليه من الصحة النفسية والبدنية. 

كما توفر المادة 7 من الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية  لجميع المصابين بالاضطرابات النفسية الحماية من التعذيب والقسوة والمعالجات غير الإنسانية أو المذلة أو العقاب بالإضافة إلى الحق بعدم الدخول في تجربة طبية أو علمية من دون موافقة مستنيرة.

في عام 1991 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 64/119 الذي يشمل مبادىء حماية الحقوق الإنسانية للمصابين بالأمراض النفسية، التي يحترمها المجتمع الدولي ولايمكن انتهاكها في المجتمع أو في المواضيع العلاجية، وتغطي المبادىء الخمس والعشرون جوانب عديدة منها ” تعريف الاعتلالات النفسية، حماية السرية، معايير الرعاية والمعالجة وحقوق المصابين في المرافق الصحية النفسية، دور المجتمع والثقافة، مراجعة الآليات والإجراءات الواقية التي توفر الحماية من انتهاك حقوق المصابين بالاضطرابات النفسية”.

 بالدعم من زوجها وعائلتها وبروح التصميم، قررت مريم متابعة حياتها بشكل طبيعي وهي الآن طالبة جامعية  في جامعة تركية، و ناشطة في منظمة مجتمع مدني تقدم الدعم والتوعية والمناصرة للاجئين السوريين في إسطنبول، وتسعى جاهدة لتطوير مهاراتها ومعارفها  لتكون سند الفئات المهمشة والمستضعفة في تركيا.

‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affaris Canada‘‘

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version