أيام قليلة على بدء العام الدراسي… العام الذي بات يخشاه السوريون منذ أعوام ليست بالقليلة، فالواقع المعيشي الصعب الذي أرخى بظلاله على كل شيء في حياتهم ما كان ليستثني ثقل تحضير أطفالهم لسنة دراسية جديدة.
بداية عام دراسي ستأتي محملةً بأعباء إضافية، مردّها إلى الارتفاع الكبير في أسعار اللوازم المدرسية، من لباس وكتب وقرطاسية وغيرها… إذ وصلت أسعار تلك المستلزمات إلى أرقام باتت تحتاج موازنة منفصلة ومستقلة ليتمكن الأهالي من تأمينها، فمثلاً سعر الحقيبة المدرسية من النوع الممتاز وصل إلى نحو 150 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل راتباً ونصف راتب من مرتبات الموظفين الحكوميين في البلاد.
“لديّ خمسة أولاد في مراحل التعليم المختلفة، استدنت من القريب والبعيد لأؤمن لهم مستلزمات المدرسة ولم أؤمنها كلّها حتى الآن”، يقول أبو محمود لـ”النهار العربي”، ويضيف: “تكلفة اللباس المدرسي في المرحلتين الإعدادية والثانوية تعادل مئة ألف ليرة أو أقل بحسب النوعية، ابنتاي مرح ولمى في المرحلة الثانوية، ومؤيد في الصف الثامن، أما الصغيران فهما في المرحلة الابتدائية، تخيل أنني سأحتاج قرابة 400 ألف ليرة على الأقل ثمن ثياب فقط، ما بالك بالقرطاسية وبقية الأمور؟”.
أبو عبدو تاجر ألبسة مدرسية في دمشق يقول لـ”النهار العربي” إنّ “المبيع في حدوده الدنيا هذا العام، ونحن الآن في نهايات شهر آب (أغسطس)، فالأسعار ازدادت بنحو 40 في المئة عن العام الماضي، والمعامل والورش بدورها حاولت ألّا ترفع أسعارها كثيراً لضمان كميات البيع، ولكن هذه الخطة لم تجد نفعاً، فالأسعار لا تزال مرتفعة جداً على الأهالي الذين يلجأون إلى حلول متعددة، منها تدوير الملابس المدرسية بين الإخوة أو الأقارب والمعارف”.
جولة في الأسواق
خلال جولة لـ”النهار العربي” في أسواق الصالحية والحميدية والحريقة والشيخ سعد وسوق الخجا ومشروع دمر، تمكن من تسجيل الأسعار التي وصلت إلى حدود 12 ألف ليرة سورية إلى 18 ألفاً للباس المدرسي (المريول) في المرحلة التعليمية الأولى (الابتدائية) وللنوعية غير الجيدة، فيما وصلت النوعية الممتازة إلى حدود 30 ألف ليرة (نحو 12$).
أما اللباس المدرسي للمراحل الدراسية التالية (الإعدادية والثانوية) فقد وصل النوع الجيد منه إلى مئة ألف ليرة، وبالتأكيد هناك أسعار أقل ولكن حينها تكون الجودة متوسطة وما دون.
وبلغ سعر القميص المدرسي من النوع الممتاز 60 ألفاً والنوع المتوسط من 30 إلى 35 ألفاً، والنوع الأقل جودة بين 15 و20 ألفاً. وبلغ متوسط سعر البنطال نحو 40 ألف ليرة والحذاء 50 ألفاً.
وللإنصاف لا بد من الحديث عن خطة تتبعها وزارة التربية أخيراً بالتساهل النسبي في بعض اللباس المدرسي بسبب ظروف المعيشة وأحوال الحرب، وما فرضته من عقبات في وجه السوريين.
“لقد وعدتنا إحدى الجمعيات الخيرية هذا العام بتأمين اللباس المدرسي والقرطاسية لولديّ، ويفترض أن يحصل ذلك في الأيام المقبلة”، يقول أبو ناصر من دون أن يغفل الحديث عن أنّ التعليم قد يصير رفاهية ذات يوم إذا ما ظلت الأمور تسوء بهذا التواتر.
الحقائب والدفاتر
والحال ليست أفضل بالنسبة إلى الحقائب، فقد طارت أسعارها لتصل إلى 150 ألف ليرة، مع الأخذ في الاعتبار وجود حقائب بمئة ألف أو خمسين ألفاً، ولكن النوعية تلعب دورها هنا، فلا يحبذ الأهالي رغم كل سوء الواقع المعيشي شراء الملابس والحقائب الرخيصة، لأنها ستهترئ سريعاً خلال العام الدراسي وسيضطرون لشراء أخرى، ولكن هذا الأمر ليس قاعدة، فالفقر الطاغي على حال الأسر قد يدفعها لحلول “على قد الحال”.
أما أسعار الدفاتر فقد بلغت ما بين 700 ليرة إلى 6 آلاف ليرة للدفتر الواحد، ومجموعة الأقلام نحو 7 آلاف ليرة، والتجليد اللاصق نحو 10 آلاف ليرة، والمقلمة نحو 5 آلاف ليرة.
الطامّة الكبرى
ولكنّ الطامة الكبرى ليست هنا، بل بجدول أسعار الكتب المدرسية، في بلد يباهي من ضمن ما يباهي به بمجانية التعليم، إذ يسأل أهالٍ التقاهم “النهار العربي” عن هذه الجزئية بالتحديد، فكيف يكون مجانياً وقد يكلف الطالب خلال عامه الدراسي رقماً “معلوماً” يعادل راتب والديه على مدار أشهر؟ كتب الأول الثانوي سعرها 48.300 ليرة، والثاني الثانوي 54.800، والثالث الثانوي 49.800.
مدير مؤسسة المطبوعات برر رفع سعر الكتب المدرسية بأنّ ذلك سيعطي الكتب “قيمة علمية”، ما يدفع الطالب للحفاظ عليها، وهكذا لا يمزق الطلبة كتبهم بعد نهاية العام الدراسي.
مها مدّرسةٌ في ريف دمشق ردت على هذا التصريح خلال حديثها مع “النهار العربي”، واصفةً إياه بالتصريح الفضائي: “هذا ليس مبرراً، كيف يستوي أن يكون التعليم مجانياً والكتب بمقابل بدل مادي كبير على الأسر؟ إما أنّه مجاني بالمطلق أو ليس مجانياً أبداً”.
ويضاف إلى كل ما ورد أعلاه الأخذ في الاعتبار أنّ على الأسرة تأمين كل تلك الأشياء دفعة واحدة، وفوقها أجور مواصلات أبنائها التي تشكل بحد ذاتها عبئاً إضافياً يصعب تحمله.
التسرب الدراسي
ورغم ما يقال إنّه “تعليم مجاني” إلا أنّ سوريا تشهد تسرباً قلّ نظيره للأولاد من المدارس وإلحاقهم بالسوق لتعلم مهن عملية، إذ يؤمنون “مصلحة” بين أيديهم تعينهم في المستقبل، وكذلك يؤمّنون دخلاً إضافياً يسند عوائلهم المحتاجة.
الأمم المتحدة عبر منظمة الطفولة (اليونسيف) قدرت في تقرير صدر العام الماضي عدد المتسربين من المدارس بأكثر من مليوني طفل حتى عام 2021، وقالت المنظمة حينها إنّ نظام التعليم في سوريا يعاني إرهاقاً كبيراً، ونقصاً في التمويل، وهو نظام مجزأ وغير قادر على توفير خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال، حيث أكثر من 2.4 مليوني طفل خارج المدرسة، قرابة 40 في المئة منهم من الفتيات، بحسب ما جاء في التقرير.
وفي مقابل التسرب وصعوبة تأمين مستلزمات الدراسة على الأهالي، أعلنت الحكومة السورية عن قروض للموظفين لتقسيط مستلزمات مدارس أولادهم بسقف 500 ألف ليرة سورية، يتم سداده على أقساط على ألّا يشمل القرض موظفي القطاع الخاص.
مواطنون كثر وقفوا ملياً عند فكرة القرض والتي تنسف بحد ذاتها فكرة “مجانية التعليم”، وتذهب به نحو أماكن بعيدة من مجانيته، ما يزيد فوق الضغط ضغطاً على الأسر التي ليس لديها أولاد في مرحلة التعليم.
طارق علي _ النهار العربي