يخطئ من يعتقد أن المرأة الغربية تعيش واحة من الأمن والكرامة، أو أن مقولات «الحرية» و«الديمقراطية» و«المساواة» التي تعج بها وسائل الإعلام وتتكرر على ألسنة السياسيين والنشطاء تنطبق على الواقع.فما تزال هذه المرأة الطرف الأضعف في المعادلة الإنسانية، سواء في الحقوق أم العدالة أم الحياة العامة.
ويمكن القول أن التهجم الغربي على المظاهر الخارجية للمرأة المسلمة كالحجاب او النقاب انما يخفي الجرائم الكبرى التي تمارس بحق المرأة خصوصا في الغرب التي تعيش نساؤه حالات مؤلمة من العنف والعوز والتهميش. وقد أكد تقرير بريطاني مهم صدر الأسبوع الماضي بعض جوانب معاناة هذا المخلوق، حتى اضطر محرروه لطرح اقتراحات شديدة على أمل أن تساهم في حمايتها بعد عقود من الاضطهاد والظلم. ومن أهم توصيات التقرير اعتبار العنف الذي يمارس ضد المرأة مساويا للإرهاب.
التقرير جاء بأمر من وزيرة الداخلية البريطانية (من أصل هندي) السيدة بريتي باتيل، بعد جريمة قتل امرأة شابة في بداية هذا العام على يدي شرطي مسؤول عن حماية الدبلوماسيين في بريطانيا. فقد اختطفها وهي في طريقها الى منزلها واعتدى عليها بإحدى الغابات ثم قتلها، ولم تعثر الشرطة على جثتها إلا بعد بضعة أيام. ونظرا لبشاعة الجريمة خرجت تظاهرات واحتجاجات كبيرة نظمتها المجموعات النسوية للمطالبة بحماية المرأة من العنف داخل الأسرة ومن المجتمع الذي يروج فيه العنف الذكوري.
التقرير أشرفت عليه مجموعة من جهاز الشرطة استمعت لشهادات كثيرة من ضحيات العنف اللاتي تحملن الأذى بصمت. ومن المؤكد أن كل ما استمعته اللجنة من إفادات انما كان تكرارا مملا للمعاناة المتواصلة في عالم يهيمن عليه العنف لأسباب عديدة: أخلاقية ومعيشية وثقافية.
ومن غير المتوقع أن يؤدي التقرير الى تغير جوهري في نمط الحياة الذي أنتج هذه الثقافة، ما لم يحدث تغير جوهري في المحتوى الداخلي للإنسان.التقرير يسعى لمساواة العنف ضد المرأة بالإرهاب، وهذا أمر محمود، ولكن هل استطاعت التشريعات المناهضة للإرهاب منع حدوثه؟ فما أكثر الجرائم التي ترتكب خصوصا في الغرب ولكن السياسة الغربية لا تصنفها ضمن الإرهاب، كالاعتداءات التي حدثت على طلاب المدارس والأسواق ولكن تم وصف مرتكبيها بالمجانين أو المرضى النفسيين. ومن المؤكد أن تسييس العنف والتعاطي معه بمنطلقات أيديولوجية يساهم في ضعف التصدي للإرهاب.
ويصدق الأمر على العنف الموجّه للمرأة سواء ضمن الأسرة او في المجتمع. ومن العار أن يعيش إنسان القرن الحادي والعشرين في ظل حضارة ترفع شعارات براقة كـ «حرية المرأة» و«حكم القانون» و «الديمقراطية» و«تساوي الحقوق» خائفا على نفسه. وتساهم وسائل الإعلام في استمرار هذه الظواهر، فهي لا تخرج في نهجها عن الإطار السياسي الذي تعمل ضمنه. تقول الاحصاءات إن امرأة واحدة تلقى مصرعها في بريطانيا ظلما كل ثلاثة أيام. ويؤكد التقرير عدم كفاءة التعاطي الرسمي مع قضايا العنف الأسري، من خلال إفادات ضحياته اللاتي يؤكد أكثرهن عدم جدوى اللجوء للشرطة او القضاء.
وتوصل الى وجود «مشاكل عدم توازن وتناقضات» في تعاطي الشرطة مع ما اعتبره «وباء» العنف ضد الضحيات في بريطانيا. وما أكثر اللاتي قتلن بعد ساعات من طلب المساعدة من الجهات الرسمية كالشرطة لعدم استعداد تلك الجهات لاتخاذ اجراءات سريعة وجادة لحمايتهن. كما يؤكد التقرير أن لجوء النساء للجهات الرسمية لحمايتهن كثيرا ما كان دافعا للزوج او العشيق للغضب الذي أدى للقتل في الكثير من الحالات.
وقالت زوي بيلنغهام، المسؤولة بهيئة الرقابة على الشرطة: يوجد 1.6 مليون ضحية لسوء المعامة وهناك جرائم كالملاحقة غير المشروعة والانتهاكات على الانترنت، وتمثل النساء والفتيات 80 في المائة منها.
من أهم توصيات التقرير اعتبار العنف الذي يمارس ضد المرأة مساويا للإرهاب. التقرير جاء بأمر من وزيرة الداخلية البريطانية السيدة بريتي باتيلفي شهر مارس الماضي اصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرا عن العنف ضد المرأة قالت فيه إن عنف العشير والعنف الجنسي – مشكلة متواصلة وكبيرة من مشاكل الصحة العامة، وتعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان التي تتمتع بها المرأة.
وقال إن واحدة من كل 3 نساء (30٪) في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف البدني أو العنف الجنسي أو كليهما على يد العشير أو غير الشريك.
وتعرّف الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه «أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة «.التقرير البريطاني لم يتطرق لأشكال المعاناة الاخرى التي تواجهها. من هذه المعاناة ظاهرة الاستغلال البشع الذي حول المرأة الى سلعة تجارية لإشباع نزوات الرجل، وروّج ذلك من خلال الإعلانات والعروض وترويج المساحيق.
فماذا يعني عرض المرأة شبه العارية بجانب سيارة معروضة للبيع؟ ولماذا يتم ترويج ثقافة المتاجرة بجسد المرأة ومفاتنها؟ لماذا يفرض على المرأة أزياء تتقلص يوميا لتكشف مفاتنها بينما تختلف أزياء الرجل عن ذلك؟ وماذا عن ثقافة العلاقات غير الشرعية التي أدخلت ملايين النساء في مآزق مالية وضنك العيش لأن الرجل غير ملزم بمسؤوليات واضحة ومحددة عن تحمل تبعات ما يمارسه لإشباع شهواته؟وقد أظهرت الجائحة في العامين الماضيين المستوى المزري الذي تعيشه المرأة خصوصا الأم التي تتحمل مسؤولية تربية الاطفال وحدها.
فالقانون لا يفرض على الأب إعالة العائلة، فتبقى المرأة محاصرة بأوضاع معيشية تفرض عليها اعباء تنهكها نفسيا وجسديا. وما لم يحدث تغير ثقافي عميق يمنع استغلال المرأة بعد تحويلها الى سلعة تقدم «خدمات» رخيصة للرجل، فسيظل قطاع واسع من النساء على هامش الحياة يكابدن شظف العيش ويتعرضن للاساءة والاستغلال بشكل دائم، ويدخلن في دوامة لكسب لقمة العيش بأية وسيلة.
وفي الوقت الذي لا يمكن فيه التقليل من أهمية التطرق لجانب العنف الذي تعاني المرأة منه تقتضي العدالة التطرق لكافة أشكال معاناتها من أجل التخفيف من هذه المعاناة، وإعادة المرأة الى الموقع اللائق بها كإنسانة لا تقل قيمة عن الرجل.وما احتواه التقرير البريطاني ينطبق بشكل كبير على معاناة المرأة الشرقية من اضطهاد وتهميش وعنف أسري وتنمر ذكوري، فما تزال «الأعراف والتقاليد» والثقافة أقوى من الدين في أساليب معاملة المرأة في العالمين العربي والإسلام. المرأة في هذا العالم محكومة هي الأخرى بان تعيش في ظل الرجل، وليس بهامتها الشامخة وشخصيتها المستقلة.
وسواء كانت المرأة ملتزمة دينيا ام رمزا سياسيا فان لدى العالم الإسلامي نماذج ماضيا وحاضرا تؤكد دورا قياديا للمرأة في الفضاء الاجتماعي، حتى بلغت منصب رئاسة الحكومة في عدد من الدول منها بنغلاديش (الشيخة حسينة وخالدة ضياء) وباكستان (بينظير بوتو) وتركيا (تانسو تشيللر).
أما ما تتعرض له المرأة العادية من ظلم واضطهاد وتهميش فأغلبه ناجم عن التشبث بالعادات الاجتماعية الموروثة غير المحكومة بالضوابط الدينية التي تحمي المرأة وتحرّم استغلالها او استضعافها او مصادرة حقوقها، برغم ما يطرح من ادعاءات لا تصدقها الحقائق.
في مقابل هذه الصورة هناك الصورة الكالحة لسوء معاملة المرأة سواء من قبل المجتمع او السلطة. فما أكثر المعتقلات السياسيات في العالم العربي، وما أقسى ما تعرضن له من عنف وانتهاكات فظيعة، بلغ حد الاعتداء على الشرف. ألم تقتل المرأة وهي تدافع عن حقها في البلدان العربية؟
سعيد الشهابي _ القدس العربي