(ازدواجية المعايير الغربية تجاه قضايا العرب والمسلمين، تجاهل السياسات الغربية لقضايا الشعوب في العالم الثالث، الأولويات الأساسية التي ترسم مسار الاستراتيجيات الغربية في العالم هي مصالحها الاقتصادية حصراً، بعيداً عن أية معايير قيمية أو إنسانية، النزعة العنصرية التي تستبطن السياسات الغربية رغم ادعاءاتها بتبنّي مقولات حقوق الإنسان والديمقراطية …)، مثل هذه الأفكار وسواها كثير، يحضر بقوّة، وعلى نطاق واسع من مساحات الرأي المكتوب والمرئي بآن معاً، وليس ثمة حاجة لبذل مزيد من الجهد لمعرفة سبب أو أسباب يقظة المظالم تلك، إذ لعله من الصحيح أن المظلوم وصاحب الحق – سواء أكان فرداً أم جماعة أم شعباً – لا يمكن له أن ينسى أو يتجرّد من إحساسه بالظلم، طالما أن الظالم ما يزال هو القابض على مصيره والمستمرّ بظلمه، ولكن على الرغم من ذلك، ثمة ما يبعث السخونة من جديد في أحاديث المظلومين وارتفاع نبرة احتجاجاتهم الصارخة، وأعني الحرب التي أعلنتها روسيا على أوكرانيا، والتداعيات التي أفرزتها هذه الحرب، وخاصة من الناحية الإنسانية، ذلك أن موجات النزوح التي بدأت تتدفق للمواطنين الأوكرانيين نحو دول الجوار الأوروبي، سرعان ما أعادت للأذهان صور وأشكال موجات النزوح السوري منذ العام 2011 نحو شتى جهات المعمورة، وفي هذا السياق يمكن التمييز بين نوعين من خطاب المظلوميات: الأول خطاب إيديولوجي يحاول استثمار أي حالة نافرة أو مجافية للسلوك البشري الإنساني لصالح مقولاته الإيديولوجية أكثر من غيرته أو انحيازه للجانب الإنساني، فأصحاب هذا الخطاب يتحدثون بقوة عن ازدواجية الغرب في تعامله مع اللاجئين وعن نزعات عنصرية في السياسات الغربية ، وربما امتد الحديث إلى استحضار نماذج موغلة في الوحشية والسوء للإرث الاستعماري الغربي في البلاد العربية والإسلامية قديماً وحديثاً. ما هو مؤكّد أن كل ما يسوقه أصحاب هذا الخطاب من شواهد على التناقض الكامن في السياسات الغربية بين سلوكها ومرجعياتها الفكرية والفلسفية هو صحيح من حيث ظاهره، إذ لا يمكن إنكار مقدار الحفاوة والتعاطف الذي واجهت به كل دول العالم لاجئي ومنكوبي أوكرانيا، ليس في أوروبا فحسب، بل حتى في بعض الدول العربية والإسلامية أيضاً، وبين سلوكيات تلك الدول ذاتها حيال اللاجئين السوريين، ولكن المشكلة تكمن فيما يريده أصحاب هذا الضرب من المظلومية من إبراز تلك المقارنات التي غالباً ما تنتهي إلى خطاب عنصري مضاد يسعى إلى تعزيز المظلوميات، ليس من أجل إزالة آثارها المادية والنفسية من خلال إنتاج خطاب بديل أكثر إنسانيةً، لا يتعامى عن الظلم وآثاره على المظلومين، ولكنه يرفضه ولا يقبله على غيره بآن معاً، ولكن غالباً ما نجد أن تعزيز الإحساس بالظلم سرعان ما يتجه نحو إزاحة المشكلة من ميدانها الإنساني والسياسي إلى الميدان الإيديولوجي، وبناء عليه، يمكن أن تُعزى جميع الممارسات السياسية الجائرة و العنصرية للغرب إلى جذورها الدينية، وربما أفضى ذلك أيضاً إلى اعتبار جميع مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، هي مفاهيم زائفة، ليس بسبب ازدواجية المعايير وتناقض السياسات الغربية وإيثارها لمصالحها المادية على أية قيمة إنسانية، بل لمرجعيتها الدينية والحضارية التي أنتجتها، وواضحٌ أن الفحوى الكامن في خطاب كهذا إنما يهدف بالدرجة الأولى للعودة بقوّة إلى (معركة العقائد) التي ما يزال يعتقد أنها هي السبيل الأمثل الذي يمكّنه من استرداد اعتباره في هذا العالم.
لا يختلف أصحاب النوع الثاني من الخطاب مع أصحاب الخطاب الأول من حيث توصيف الظاهرة، وكذلك لا ينكر تجلياتها المؤلمة، ولكنه يجد أن تبلور السياسات الغربية التي تعتمد المعايير الازدواجية في التعاطي مع قضايا الشعوب
لا يختلف أصحاب النوع الثاني من الخطاب مع أصحاب الخطاب الأول من حيث توصيف الظاهرة، وكذلك لا ينكر تجلياتها المؤلمة، ولكنه يجد أن تبلور السياسات الغربية التي تعتمد المعايير الازدواجية في التعاطي مع قضايا الشعوب، وخاصة في الجانب الإنساني، هي فرصة مناسبة، ليس لتعزيز المظلوميات وتحويلها إلى خطاب ثأري شامت حيال الآخر، بل لانتزاعها من حيّزها الخاص إلى إطارها العام، أي العمل على بيان أن ما وقع على السوريين من ظلم ليس جوراً بحق السوريين لأسباب تتعلق بعرقهم أو دينهم، بل هو جور بحق الكائن الإنساني أيّاً كان انتماؤه العرقي أو الديني أو الجغرافي، ولتعزيز هذا المسعى لا يمكن مواجهة السياسات العنصرية إلا من خلال إنتاج خطاب ينبثق من محدّدات إنسانية عامة قادرة على التأثير في الوجدان العام للآخرين، وكذلك من خلال التضامن الإنساني مع جميع الشعوب المقهورة والمنكوبة بعيداً عن الخلفيات الدينية أو الإيديولوجية لتلك الشعوب ذاتها. ولعل التجسيد العملي لهذا الخطاب بدأ يتوضح أكثر مع ازدياد التداعيات الإنسانية للحرب في أوكرانيا، وذلك من خلال المشاركة التي تقوم بها العديد من القوى والجماعات والناشطين السوريين في معظم دول العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، إذ إن المشاركة في إظهار التضامن الإنساني مع الشعب الأوكراني سواء بالتظاهر أو الوقفات الاحتجاجية أو إلقاء الكلمات في التجمعات الاجتماعية والسياسية موازاة مع ارتفاع أعلام الثورة السورية إلى جانب علم أوكرانيا، يتيح فرصة للسوريين كي يعيدوا القضية السورية إلى حضورها في أذهان المجتمع الدولي، بل هي فرصة جيدة لإعادة إظهار الملامح الناصعة للقضية السورية كما أرادها السوريون في ثورتهم، وليس كما شيطنها وشوّهها أعداؤها.
العمل والإصرار على المشروعية الأخلاقية والإنسانية لثورة السوريين لعله الأكثر نفعاً ورقيّاً من الإصرار على إيجاد مشروعية إيديولوجية لم تأت إلّا بالخراب على سوريا وأهلها، بل لعله من الأجدى والأكثر نفعاً للقضية السورية أنْ نتوجه لكل الشعوب الغربية بالقول: إن عدوان بوتين على الشعب الأوكراني هو تكرار لعدوانه على الشعب السوري، بل لا يمكن فصل جرائم الروس في سوريا عما هي في أوكرانيا، بل هي امتداد لها، فكما أن مبدأ العدوان والإجرام واحد، فإن مبدأ العدالة ورفض الظلم هو واحد كذلك، كما أن تجاهل أوروبا وأميركا لانتهاكات بوتين بحق السوريين هي التي أفضت إلى تماديه في الجريمة في أماكن أخرى، وإن مقاومة السياسات العدوانية للإمبراطور الطامح بوتين يجب أن تطول جميع الأماكن والبلدان التي تسلّط عليها ونكّل بمواطنيها وليس في أوكرانيا فحسب، ولعل مضامين هذا الخطاب المنبثق من المفاهيم التحررية للثورة، هو الأقدر على إزالة المظلوميات أو معالجتها من الخطابات ذات المنشأ الإيديولوجي التي لا تجد نموّها وازدهارها إلّا بتعزيز المظلومية من دون التطلع للخروج منها.العمل والإصرار على المشروعية الأخلاقية والإنسانية لثورة السوريين لعله الأكثر نفعاً ورقيّاً من الإصرار على إيجاد مشروعية إيديولوجية لم تأت إلّا بالخراب على سوريا وأهلها، بل لعله من الأجدى والأكثر نفعاً للقضية السورية أنْ نتوجه لكل الشعوب الغربية بالقول: إن عدوان بوتين على الشعب الأوكراني هو تكرار لعدوانه على الشعب السوري، بل لا يمكن فصل جرائم الروس في سوريا عما هي في أوكرانيا، بل هي امتداد لها، فكما أن مبدأ العدوان والإجرام واحد، فإن مبدأ العدالة ورفض الظلم هو واحد كذلك، كما أن تجاهل أوروبا وأميركا لانتهاكات بوتين بحق السوريين هي التي أفضت إلى تماديه في الجريمة في أماكن أخرى، وإن مقاومة السياسات العدوانية للإمبراطور الطامح بوتين يجب أن تطول جميع الأماكن والبلدان التي تسلّط عليها ونكّل بمواطنيها وليس في أوكرانيا فحسب، ولعل مضامين هذا الخطاب المنبثق من المفاهيم التحررية للثورة، هو الأقدر على إزالة المظلوميات أو معالجتها من الخطابات ذات المنشأ الإيديولوجي التي لا تجد نموّها وازدهارها إلّا بتعزيز المظلومية من دون التطلع للخروج منها.
حسن النيفي _ تلفزيون سوريا