وزاد في الطنبور نغماً، وكأن الوضع المأساوي السوري المستمر ينقصه ما يزيد السوء سوءاً.
ففي الأسبوع المنصرم شهدت مناطق النظام ارتفاعًا كبيراً في حالات الوفاة، وحالات الإصابة بفيروس كورونا بين مقدمي الرعاية – أطباء وممرضين – خاصة في مستشفيات دمشق، ففقدت البلاد ما يقارب المئة طبيب ممن كان يقدم الرعاية لمرضى كورونا بعد انتقال العدوى إليهم، فكانت حياتهم ثمناً لإنسانيتهم، في غياب أي من شروط الحماية المطلوبة لهم والتي لم تهتم الدولة أصلاً بتأمينها للكادر الطبي.
يحتاج الإنسان إلى أكثر من عشرين عاماً من التأهيل والدراسة ليصبح طبيباً، ولا تهتم بلاده بخسارته خلال شهور، فتفقد البلاد ثروتها من الكوادر المتخصصة دون أن يرف لحكومتها جفن.
ليس النقص الحاد بالكادر الطبي المتصدي للمرض هو فقط ما يثير القلق، بل يتضاعف القلق من حدوث انفجار في عدد المرضى المصابين، فالفيروس ليس الآفة الوحيدة المتفاقمة في البلاد، بل يتسبب سوء التغذية أيضًا في ضرر كبير للسكان الذين يعانون من الجوع بالمعنى الحرفي للكلمة بعد الارتفاع الكبير الذي طال المواد الأساسية وارتفاع سعر الدولار وتوقف الكثير من الأعمال بسبب الفيروس اللعين.
بعيداً عن مناطق النظام يضرب الجوع والفيروس معاً مخيمات النزوح السوري، وتكون ضحاياه بالنسبة الأكبر من النساء والأطفال، فعلى سبيل المثال في مخيم الهول للنازحين شمال شرق سوريا، لقي ثمانية أطفال دون سن الخامسة مصرعهم نتيجة نقص الغذاء والمرض في الأيام الأخيرة، وهم بذلك يعتبرون تأكيداً رمزياً للأزمة الصحية الخطيرة في سوريا.
ينتعش الوباء كوفيد -19 حاليًا بين الأطفال بالرغم من تأكيدات منظمة الصحة العالمية بأن الوباء أقل فتكاً بالأطفال، لكن أطفال سوريا الذين يعانون أصلاً من نقص الغذاء صاروا أضعف من مواجهة أي مرض مهما بدا عادياً.
وبالطبع يمكن تفسير سوء التغذية الذي يصيب الأطفال بثلاثة عوامل رئيسية أولها انتشار الفيروس عالمياً والذي صعب وصول المساعدات للمناطق المحتاجة وأوقف العمل الإنساني بشكل كبير في هذه المناطق كما أوقف الكثير من المصالح المرتبطة بالإغاثة حول العالم.
العامل الثاني تمثل بالانهيار الاقتصادي، والتراجع الكبير الذي طال قيمة الليرة السورية، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على الناس الذين ضعفت قوتهم الشرائية أو انعدمت أحياناً، فبات الجميع يجد صعوبة في شراء السلع الأساسية وتخزينها، ففي تقرير حديث للأمم المتحدة، أن أكثر من 80٪ من العائلات في بعض المناطق السورية لا تستطيع تحمل تكاليف الغذاء الأساسي.
وأخيراً، فإن العامل السلبي الأخير يتعلق بالمفاوضات الجارية حول المعابر للمساعدات الإنسانية بعد أن تم تقليصها، ليصبح إيصال المساعدات أمر أشبه بالمستحيل أمام المنظمات غير الحكومية في الوصول إلى القاطنين هناك، مما يجعل الوضع أكثر صعوبة.
وتبقى القضية السورية معلقة إلى أجل غير مسمى، مع أن الحل السريع لها بات ملزماً بعدما وصلت إليه البلاد من حالات التردي في كل المجالات، ودخلت سوريا نفق البلاد الفاشلة بامتياز، وهنا لابد من تظافر الجهود العالمية والعربية لإيجاد المخرج السياسي المناسب لتطوى صفحة هذه المأساة إلى الأبد.
أشعر أحياناً بأن تواطؤاً كونياً ضد السوريين فمن لم يمت بالسيف يمت بغيره، وينجو السوريون بالصدفة، فالحال كما هو منذ عشرة أعوام، الموت متربص في كل زاوية من زوايا يوميات المواطن، ينتظر الفرصة المناسبة ليحصد المزيد وكأنه لم يكتف بما جنى من البلاد حتى اليوم.
مزن مرشد_ “زمان الوصل”