syria press_ أنباء سوريا
من الآخر، لمَ لا نتّفق على ترشيح إحدى الشخصيات، من المعتقلات أو المعتقلين في سجون الأسد والميليشيات المسلحة، لقيادة سورية وانتشالها من هذه الهاوية التي أسقطها فيها جنون بشار الأسد وهوسه بالتشبث بكرسّي الحكم؛ فالسجون الأسدية تغصّ بعشرات الآلاف من المعتقلات والمعتقلين، وكثير منهم لا تنقصه القدرة ولا المؤهلات لقيادة سورية في هذه الظروف البالغة الصعوبة.
ربما يقول البعض إن هذا الكلام غير واقعي، فهؤلاء المعتقلون لا يُعرف مكان احتجازهم ولا مصيرهم، ولا يعترف نظام الأسد بوجودهم في معتقلاته، وينكر احتجازهم في سجونه، وسبق له أن تعمّد توجيه الاتهام إلى “المجموعات المسلّحة” بخطفهم، كما فعل في قضية اعتقال عبد العزيز الخيّر، الذي اعتقله عناصر حاجز المخابرات الجوية بعد خروجه من مطار دمشق الدولي مباشرة.
لقد سبق أن طالبتُ بهذا الأمر، عند بدء المفاوضات بين نظام الأسد والمعارضة في جنيف 1 عام 2012، وتساءلت حينذاك: لماذا لا يضمّ الوفد المفاوض للمعارضة شخصيات من الذين يعتقلهم نظام الأسد في سجونه؟ إلاّ أن طلبي هذا لم يلق تجاوبًا من أحد.
وأعود اليوم إلى طرح الموضوع ذاته، بترشيح شخصيات من المعتقلات والمعتقلين في سجون وأقبية المخابرات السورية والميليشيات المسلحة لقيادة سورية؛ لأنّي أرى في هذا الطرح كثيرًا من الواقعية والضرورة أيضًا، فهو أولًا يُبقي مأساة المعتقلين حيّة في قلوبنا، وثانيًا لأن المعتقلات والمعتقلين قد ضحّوا بحريتهم وحياتهم كي ننعم بالحرية والحياة، وهم يستحقون منّا كل الاهتمام، وثالثًا لأن هذه القضية إنسانية بحتة، ويجب أن تتصدر كل القضايا، لا أن نتجاهل مأساتهم، ونسرح ونمرح في أروقة الفنادق والمؤتمرات، نلهث وراء فتات هنا وهناك ترميه لنا الدول المتدخلة والمحتلة لأراضينا.
قليل من الوفاء لهؤلاء المعتقلات والمعتقلين الذين يموتون في اليوم ألف مرة، ويتحملون عنّا عذابات وآلام لا تتحملها الجبال. ويجب ألاّ يهنأ لنا بالٌ ما دام هناك معتقل أو متعقلة في المعتقلات، وأن نصرّ على حضورهم في كل المحافل والمؤتمرات والندوات. نعم، قليلٌ من الوفاء والتضامن مع مأساتهم وآلامهم، حتى لا يأتي يوم يقولون عنّا إننا تخلينا عنهم.
لم يعد معقولًا ولا مقبولًا أبدًا، التخلّي عمّن دافع وما يزال يدافع عن حريتنا، وعن حقّنا كبشر في أن نعيش بكرامة. إن التخلّي عن قضية المعتقلين وتركهم يئنّون من العذاب والتعذيب اليومي، لهو العار والانحطاط والتوحش بذاته، ولن نُفاجأ أبدًا، إذا ما استمّر هذا التخلي، بأن يأتي يوم -وهو ليس ببعيد- نستسهل فيه عيش الذلّ والهوان والخنوع والموت البطيء.
إن التخلّي عن قضية المعتقلات والمعتقلين لهو عارٌ سيلحق بنا وبأولادنا وأحفادنا إلى أبد الآبدين، وسندخل كتب التاريخ مجلجلين بهذا العار، وسيشُار إلينا على أننا تركنا إخوة وأحبّة لنا وحيدين في جحيم الزنازين والمعتقلات، لا خيار أمامهم إلا العيش مُكرهين، لا حول ولا قوة لهم في مواجهة سجّانين لا يعرفون رحمة ولا شفقة، جلادين لا يرون في التعذيب والقتل إلا وسيلة للتسلية وتمضية الوقت.
أيُّ عارٍ هذا؟ أن نرى ونسمع أن إنسانًا في هذا الزمن قد مات تحت التعذيب. هو عارٌ على البشرية وعلى المجتمع الدولي الذي يقف متفرجًا، ولا يحرّك ساكنًا لإنقاذ المعتقلات والمعتقلين من براثن الأسدية المتوحشة وأعوانها من الميليشيات المسلّحة، وهو عارٌ علينا قبل الجميع، لأن من يتعذب ويموت تحت التعذيب هم إخوتنا وأحبتنا وأبناؤنا.
إنه عارٌ مجلجلٌ بالعارِ أن ندفع بسكوتنا وصمتنا هؤلاء المعتقلين إلى تمنّي الموت، نعم سكوتنا على استمرار احتجازهم وتعذيبهم أسهم وما زال يُسهم -بقصد أو بدون قصد- في تحويل الموت في المعتقلات إلى أمنية حقيقية، بات يتمناها كلّ معتقلة ومعتقل، للخلاص من هذا العذاب والتعذيب الهائل الذي يُمارس عليهم في كل لحظة وحين.
أعتقد وأؤمن بأن من ضحّى بحرّيته وحياته وتحمّل عنّا وما زال يتحمّل كلّ هذه الآلام الهائلة، لهو قادر على قيادة السوريات والسوريين وانتشالهم من هذه المأساة الرهيبة، بما يتمتع به من قدرة هائلة على تحسّس آلامنا ومعاناتنا ومعالجتها بأقلّ قدر من الألم، ولنا في تجربة الراحل نيلسون مانديلا مثال حيّ، هذا الرجل الذي التفّ حوله الناس ليقود نضالهم ضد نظام الفصل العنصري، وهو محتجز في المعتقل، ولنا أيضًا في التفاف الفلسطينيين اليوم حول ترشيح المناضل الوطني مروان البرغوثي، وهو الذي يقبع منذ سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يفتح الطريق أمام تولّي قيادة جديدة تكون بديلًا عن القيادات المترهلة التي استمرأت ظلم الاحتلال وامتهانه لكرامة الشعب الفلسطيني، قيادة تتحسس آمال الناس وآلامهم، وتقود نضالهم نحو إقامة دولتهم الوطنية المستقلة.
وكما ينشد الفلسطينيون اليوم أن يقودَ أسيرٌ، كالمناضل مروان البرغوثي محكوم بخمس مؤبدات، فلسطينَ الأسيرة نحو حريتها، فإننا أيضًا ننشد أن يقود سورية المعتقلة إلى حريتها معتقلة أو معتقل في سجون الأسد وأعوانه من الميليشيات المسلحة، كالدكتور عبد العزيز الخيّر، وبطلة الشطرنج رانيا العباسي، والمحامي خليل معتوق، وفائق المير، والمحامي رجاء الناصر، والطبيب محمد عرب، والصحفي جهاد محمد، وزكي كورديللو.. إلخ، وقائمة الأسماء تطول وتطول جدًا، وهي تحتاج إلى كتب ومجلدات لتوثيقها.
نريد قيادةً تشبهنا، تتحسس أوجاعنا وآلامنا، لا قيادة كلّ همّها أن تبقى ملتصقة بكرسّي الحكم حتى لو قُسِّمت سورية إلى دويلات متعددة واستُبيحت أراضيها وهَلك شعبها، ولا قيادةً تأتمر بأجندات خارجية، وتتاجر بآمال وآلام شعبنا، وتلهث من فندق إلى آخر خلف سراب.
ميشال شماس _ موقع تلفزيون سوريا