ما الحرية التي نريد؟

كثيرا ما نردد كلمات ظنا منا أنها تعبر عما في خواطرنا أو ما ترغبه أنفسنا، ونجد بنهاية المطاف أننا ندفع ثمنا أكبر بكثير مما كنا نطمح إليه، والسبب يعود لعدم معرفتنا بتفاصيل تلك الكلمات ومنها نحدد مطالبنا.

من تلك المفردات التي تحمل بين طياتها الكثير من المقاصد والمعاني والمفاهيم.

 الحب على سبيل المثال ، الغربة، الإيمان، الأمن، الحرية…. إلخ

بسبب تلك المفردات الفضفاضة التي نرددها وتتردد أمامنا كل يوم دون التركيز بمضمونها والبحث عن المقاصد لتلك المعاني لنحدد من خلالها المطالب، تجدنا نقع في مستنقع الضياع والتيه والحيرة فيما بعد فاقدين بوصلة النجاة.

ويبدأ السؤال هل كنا على خطأ أم صواب؟ هل رجونا ما هو أكبر من آمالنا أم تجاوزنا السقف المحدد لنا أم ماذا؟

فكلمة الحب شمولية تشمل محبة كل ما في هذا العالم، لكن أين نحن من هذا الحب ولمن؟

فهل حب الوطن على سبيل المثال كحبّ الأم أو الحبيبة أو الأبناء وبنفس المقدار والأولويات؟ مع أنه تجمعهم كلمة الحب؟

الغربة: عندما أسمع أحدهم يقول إني أشعر بالغربة هل بالضرورة أنه مغترب عن الوطن فحسب؟ فالغربة تحمل بداخلها الكثير من المعاني فعن أية غربة نتحدث، عن غربة النفس والروح، غربة الوطن، أم غربة الضمير والوجدان؟

الإيمان: إن قال أحدهم لم أعد أؤمن بشيء هل يعني أنه لم يعد يؤمن بوجود الخالق مثلا؟! الإيمان لا يقتصر على الإيمان بالخالق عز وجل، فهناك الإيمان بالنفس وقدراتها على تحقيق هدف خطط له، الإيمان بأفكار أو مبادئ نشعر أنها تمثلنا.. والكثير الكثير، كذلك هو الأمن والحرية.

فالأمن مطلب لكن من أين نبدأ؟ من الأمن في الأوطان أم من الجوع أم أمن النفس لتبلغ السلام الروحي في وطن أكلته الحرب والأطماع والجريمة والفساد؟

لذا وجب التنبيه عندما نردد كلمات أو شعارات أن نفهم مضمون المعاني لنحدد نقطة البداية والأولويات التي تتناسب مع مطالبنا والسعي نحو الهدف، وعدم الأخذ بها اعتباطيا كما في مطلب الحرية..

فالحرية كلمة شمولية فضفاضة واسعة تشمل كل أطر الحياة، ومهما بلغنا من الحريات لا بد أن نعي فكرة أنه ما من حرية بالمطلق، حيث سنعود عبيدا دائما لأي فكرة آمنا بها، على سبيل المثال هناك من يعتقد أنه إذا تحرر من كل القيود والمعتقدات بما فيها من فكرة وجود الخالق، وبذلك يظن أنه قد بلغ كل الحرية كاملة، لكنه في حقيقة الأمر هو تحرر من تلك المعتقدات لكن أمسى عبدا للفكرة التي أوحت له بالتحرر من تلك المعتقدات، ومن هنا نفهم أنه لا حرية بالمطلق.

ليس من المنطق أو العقل أن نطالب بالحرية وتنادي أفواهنا حرية حرية ونتوقف، لا بد من تحديد نوع الحرية التي نحتاج، التي تكفل لنا العيش الكريم

الحرية هي من المسلمات إلا أنها ليست بالمطلق كما أشرنا هناك حدود لها نتوقف عندها، ومهما علا سقف المطالب بالحريات في نهاية المطاف فسنعود لنقطة العبودية كما أشرنا فهذه دلالة أنها ليست بالمطلق.

مما لا شك فيه أن الحرية هي مطلب لكافة الشعوب، لكن عن أي حرية نتحدث ومن أين نبدأ؟ فليس من المنطق أو العقل أن نطالب بالحرية وتنادي أفواهنا حرية حرية ونتوقف، لا بد من تحديد نوع الحرية التي نحتاج، التي تكفل لنا العيش الكريم، لتكون حجر الأساس الذي ترتكز عليه الأهداف الموضوعة وفق منهجية وليس بشكل عشوائي لتحلق بها فيما بعد الجزئيات المرتبطة بالهدف.

فما هي نقطة البداية التي وجب الانطلاق منها بالنسبة للشعوب التي خرجت تنشد الحرية لبلوغ إنسانيتها والعيش الكريم؟

أهي حرية الرأي على سبيل المثال أم المعتقد والعقيدة أم الاختيار …إلخ، أم من تلك الحريات التي فيما لو تحقق الأساس فستأتي تباعا كاستحقاق؟ على سبيل المثال المساواة والعدالة الاجتماعية، حرية المرأة التي أيضا يندرج تحتها كثير من الحريات مثل العمل في الميدان السياسي والاجتماعي، قوانين الأحوال المدنية كالحق بمنح جنسيتها لأطفالها وحق الحضانة وفق اختيار الأطفال.. والعديد العديد من الحقوق التي تندرج تحت بند حرية المرأة.

هل نبدأ من هنا وفي المقابل أنت ممنوع من التعبير عن الرأي والاختيار بما تراه يلائم أو يتناسب مع المجتمع؟!

الجواب: البداية خاطئة لا بد أن أمتلك الأداة التي تحافظ على الحياة وتضمن أمن وسلامة الإنسان لأنطلق بالمطالبة فيما أراه حقوقا لي.. وهذا لن يتحقق ما لم أملك حرية الرأي والاختيار أولا، وفيما بعد يجتمع الرأي العام حول أحقية المرأة من خلال الاستبيانات أو الاقتراع على قانون، وسنجد أن هذا القانون بات استحقاقا طبيعيا لأنك عبرت عن الرأي وكفلت لك الدولة الحماية والأمان.  

عندما خرجت شعوبنا تطالب بالحرية كان الرد.. أي حرية؟ وخلقت الفوضى في البلاد والجرائم والفساد واتبعت سياسات التدمير والتهجير والتشريد والتجويع، لإيهام الشعوب بعواقب تلك الكلمة المدمرة وأنها ليست من الحقوق التي منحها الخالق لعباده، والتي ابتدأها بذاته الإلهية بحق الاختيار بأن تؤمن به أو لا تؤمن بعدما بيّن للناس الرشد من الغي.

لا بل رسخ في عقول كثيرين أن الحرية هي عملية تدمير وفوضى خلاقة للشعوب المنكوبة، فما من أحد طالب بالحرية إلا وكانت عواقبها الانهيار تلو الانهيار، إلى أن وصل الحال بإيهام كثيرين أن ما كانوا عليه هو الرخاء، وبات جُلّ أحلام الشعوب وطموحها الحصول على لقمة العيش.

وهذا يعود لعدة أسباب نذكر منها:

عدم الارتكاز على هدف ومبدأ واحد للانطلاق منه. فقط وجدنا في مجتمعاتنا العربية التي خرجت مطالبة بالحرية كلاً يطالب على هواه معتمداً على خلفيته ومعرفته المسبقة عن الحرية، على سبيل المثال بعضهم طالب بحرية العقيدة وآخرون بحرية الرأي وغيرهم يطالب بحرية المرأة.. إلخ وكل طرف متجاهلا مطلبَ الآخر، وهكذا إلى أن بات هذا التشتت نقطة ضعف أدى إلى كثير من الانهيارات والفقد.

كذلك الجهل بالمضمون والمعنى وما هو المطلب بالتحديد الذي يضمن الأمن والعيش الكريم، وعدم التوجيه الصحيح وفق آلية منظمة تضمن توحيد الصف وعدم الخروج عن المسار الذي رسم لضمان تحقيق الهدف.

أما من ناحية العمل فقد كان في غالب الأحيان عملا فرديا أو جماعات صغيرة وكلٌّ منها تخالف الآخر في مطالبها، الحرية تتطلب عملا جماعيا على قلب وهدف واحد.

كي نبلغ بعضا من الحريات المشروعة والتي تعدّ من المسلمات لكنها ليست بالمطلق، وجب التركيز على نقطة الانطلاق والتي تبدأ بحرية الاختيار والمعتقد والرأي، هذا المثلث الذي هو بمنزلة العمود الفقري أو عصب الحرية، إن لم ننطلق من هذا المبدأ ككتلة واحدة حتى بلوغها، فكل المطالبات بباقي الحريات هي أوهام ومطالب عبثية لن تثمر.

للحرية شروط:

لا بد من تعاضد وتكاتف من يسعى إليها والابتعاد عن سياسات التخوين، والسير وفق الأسس الموضوعة مع عدم الانتقال للمرحلة الثانية قبل تحقيق الخطوة الأولى.

الحرية من سماتها خلق أجواء تتناسب مع كافة الشرائح المجتمعية، وأن لا يعلو طرف على حساب الآخر..

كما يجب على الطبقة الواعية المثقفة تأهيل وتثقيف المجتمع والتعريف بالحرية المطلوبة وعدم الخروج اعتباطيا من دون تحديد الهدف.

الشعوب لن تنهض وترتقي ما لم تبدأ:

بالمطالبة بحرية الاختيار والمعتقد والرأي واحترام الرأي الآخر، واتباع سياسة الحوار البناء للوصول إلى حلول وسطية ترضي جميع الأطراف، والابتعاد عن سياسة إذا لم تكن معي فأنت ضدّي.

فالحرية من سماتها خلق أجواء تتناسب مع كافة الشرائح المجتمعية، وأن لا يعلو طرف على حساب الآخر.. لا بد من اتباع سياسة الوسط التي تتوافق بأغلبها مع الجميع، والتي تضمن بالمقابل أمن الشعوب والبلاد.
إن لم تنطلق المطالبة بالحرية وفق أسس ونقطة انطلاق والاتفاق على أسس منظمة وهدف وقلب واحد وعدم المحيد عن المسار.. وقبل كل هذا الوعي الحقيقي للمطلب والمضي به.. يكون كل عمل لأجل الحرية هو عبث ولن يكون إلا وهماً للحرية.

مها التيناوي _ تلفزيون سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version