من المفترض، خلال كتابة هذه السطور، أن يكون السوريون القابعون في مناطق سيطرة النظام، قد تنفسوا الصعداء بعد أزمة الوقود الخانقة التي شهدتها تلك المناطق، خلال الأيام القليلة الفائتة، والتي تسببت بحالة شلل شبه تام في المواصلات العامة، يوم السبت الفائت. ووفق وعود الإعلام الموالي، فإن تلك الأزمة ستنحسر ابتداءً من (اليوم) الأربعاء، بعد أن وصلت أولى “بِشارات” الخط الائتماني الإيراني الجديد، على هيئة مليوني برميل نفط.
تطلب الأمر أكثر من شهر، بين موعد زيارة رأس النظام، بشار الأسد، إلى طهران، وبين وصول أول دفعة من النفط المُقدّم من إيران وفق اتفاق تفعيل الخط الائتماني الجديد، الذي وُقّع خلال تلك الزيارة. فلماذا تأخر النفط كل هذه المدة؟
مع غياب الشفافية من جانب مسؤولي الطرَفين، سنكون مضطرين للتخمين، حيث يقبع “سوء النيّة”، بالمرصاد. فطهران كانت قد تركت حليفها المقرّب يعاني مرارات أزمات وقود، ما كانت تنتهي إحداها حتى تبدأ الأخرى، على مدار ثلاث سنوات، كانت تسعفه خلالها بدفعات من النفط أشبه بـ “القطّارة”.
لم يتم الكشف عن قيمة الخط الائتماني الجديد، ولا كيفية سداده. ما نعرفه فقط أنه سيغطي الوقود ومواد أساسية. وما نعرفه أيضاً أن الأسد اضطر لزيارة طهران لإزالة العقبات أمام تجديد الاتفاق على خط الائتمان، بعد أن تأجل مراراً. بمعنى آخر، كان المطلوب من الأسد تقديم تنازلات محددة لقاء “القرض” الجديد المُيسّر. ولأن خزينة النظام مُفلسة، فيمكن تخمين أن المطلوب كان قيّماً للغاية، حتى إنّ الأسد تلكأ في تلبيته، أو إن الإيرانيين تركوه يعاني حتى وصل إلى أقصى استطاعة ممكنة للتحمل، قبل أن يتفاوضوا معه على مطالبهم. وحتى بعد الاتفاق، يبدو أن سياسة “حرق الأعصاب” التي اتبعتها طهران مع حليفها المقرّب، استمرت.
بطبيعة الحال، لا يمكن إغفال عامل آخر فاقم أزمة الوقود الأخيرة. ففيما كانت طهران تتلكأ في إرسال دفعتها الأولى من النفط، بموجب خط الائتمان الجديد، كان الصراع على تجارة النفط بين “شرق الفرات” وغربه، ينتقل إلى مستوى جديد، حيث وضع ماهر الأسد، وفرقته الرابعة، أعينهم، على تلك “الدجاجة التي تبيض ذهباً”، وقرروا “تشليحها” من ميليشيا آل قاطرجي. وستكون الغلبة، على الأرجح، لصالح الفرقة الرابعة، والمحسوبين عليها هناك، لكن لن يمر الأمر دون مقاومة من جانب آل قاطرجي، الذين يملكون علاقات عشائرية متشعبة في تلك المنطقة. لذا، لابد أن هذا الصراع أثّر على إمدادات النفط القادمة من المناطق الخاضعة لـ “قوات سورية الديمقراطية – قسد”.
والآن، وصل “النفط” الإيراني. فإلى أي مدى سيحل مشكلة الوقود المستعصية في سوريا؟ الجواب يظهر جليّاً في الكميات المرسلة. فالحديث عن مليوني برميل نفط، والإشارة إلى انتظام إرسال مليون برميل، شهرياً، وفق مصادر إعلامية موالية، يعني أن أزمة الوقود ستخف، لكنها لن تختفي تماماً، لأن سوريا بحاجة لـ 3 ملايين برميل نفط شهرياً، وفق مسؤولي النظام أنفسهم. أي أن النفط الإيراني يقدّم حلاً جزئياً، لتلك الأزمة.
وهنا، قد يكون السؤال المهم، ما هو ثمن هذا الحل الجزئي. إذ إنّ سعر المليون برميل المرتقبة شهرياً، ستكون بقيمة 120 مليون دولار –وفق السعر الرائج حالياً لبرميل خام برنت عند 120 دولاراً- أي بحدود 1.2 مليار دولار سنوياً. فكيف سيسدد النظام كل هذه المبالغ؟ ما المقابل الذي تريده إيران، والذي تطلب الاتفاق عليه، زيارة الأسد شخصياً إلى العاصمة الإيرانية قبل شهر؟
يبقى ذلك في كنف العالمِين ببواطن الأمور من مسؤولي النظام. إذ إنّ عدم الكشف عن تفاصيل وبنود خط الائتمان الجديد، يعني أن تلك التفاصيل ليست سارة، للسوريين، على الإطلاق.
إياد الجعفري _ الطريق