syria press_ أنباء سوريا
ثمة أزمات، حقيقية أو حتى مفتعلة، يتم استثمارها لدرجة الظن، أنها مدبرة ومعد لها مسبقاً، بل ومدفوع أجرها سلفاً، نظراً للعقابيل والمنافع التي يحصدها، من كان من المفترض، أنها خطر عليه لحدود التلاشي.
بأمثلة واقعية وطازجة، نسوق حدثين اثنين.
الأول إغلاق قناة السويس لأسبوع، بعد جنوح سفينة الحاويات “إيفر غيفن” وما سببته من إرباك للتجارة العالمية، بدّل من مسائل كثيرة بوقت خارج عن التوقع وغيّر من الأسعار وتكاليف الصادرات، قبل أن يتم تعويم السفينة وإعادة تعويم نظام عبد الفتاح السيسي معها.
بيد أن القصة لم تنته هنا، إذ ربما، إن لم نقل بغالب الأحايين، تنقلب هكذا تعويمات إلى ضدها، بعد أداء دور وظيفي محدد أو استخدام الحدث كأداة ترمى، أو يستغنى عنها بعد أداء المهمة المطلوبة.
بمعنى، ربما عوّمت “إيفر غيفن” نظام السيسي قبل أن تعومها إدارة قناة السويس وشركات وخبرات عالمية، لكنها لفتت الانتباه لاحتكارية هذا الممر المائي بالمنطقة، ودفعت إسرائيل وغيرها، للتفكير ببديل قد يذهب بحصرية القناة إن لم نقل يلغي جلّ دورها.
طبعاً، إن لم نتمادَ بالتفكير ونقول إن بأزمة القناة تعرية لنظام السيسي، مبدد العائدات ومسيء استثمار الثروات، وكشفاً لكثير من المستور الذي أزاحت السفينة الجانحة، الغطاء عن أوله.
والمثال الطازج الثاني جاء من الأردن، بعد ما قيل عن محاولة انقلاب، كان يعد لها حمزة بن الحسين، شقيق الملك الحالي عبد الله وولي عهده السابق، وضلوع السعودية والإمارات بالتخطيط، وفضل بريطانيا والولايات المتحدة بالكشف والنشر والتنبيه.
فاستثمر الملك الأردني بالأمر، أكثر مما استثمر السيسي بحادث القناة، ففضلاً عن التعويم وضمان الديمومة وتوريث الحكم لنجله بسلام، سيجني أموالاً ودعماً غربياً وربما عربياً، بل وليس من الغرابة أن نرى الأردن، في تحالف آخر، بعيد أو ربما مناوئ للرياض وأبو ظبي، كأن يتم التقارب مع الدوحة وأنقرة ..وربما أكثر.
بيد أن ثمة مخاوف من الانقلاب إلى الضد، بقصة استثمار الملك الأردني لمحاولة انقلاب أخيه، خاصة بعد رسالة حمزة البسيطة والمباشرة للشعب الأردني، ونكئها لجراحات الاقصاء والتفقير، ما قد يشعل نيران التمرد تحت رماد الاستقرار، بعد أن رمى ولي العهد المخلوع شرارته، الذي يرى كثير من الأردنيين به أباه، إن لتشابه الصوت والشكل أو تبني الهم العام.
قصارى القول: أخذتنا قصة التمرّد بالأردن، إن لم نصفها بالانقلاب، إلى سورية ورفعت الأسد عام 1984، وقت كان نائباً لأخيه الرئيس حافظ الأسد لشؤون الأمن، وكيف فكر بالانقلاب واستغلال مرض حافظ الأسد، قبل أن يتم الكشف بسيناريو ليس بعيداً عن الذي جرى بالجارة عمّان، وتعويم نظام حافظ دولياً وترحيل أخيه إلى موسكو ومن ثم إلى باريس.
والعارفون بالشأن السوري، يعتبرون هذه المكيدة، ثاني ركيزة بإعادة إنتاج حافظ الأسد عربياً ودولياً، بعد متاجرته بمحاربة الإرهاب الإسلامي مطلع الثمانينات، إثر خلله بتعهده ودخول حرب عام 1973 ونكثه بوعده خلال تسليم الجولان، بطاقة بيع الأرض، التي أوصلته للحكم بعد التوقيع عليها بالأحرف الأولى، خلال زيارته للندن عام 1965.
وبقيّ الأسد الأب يتاجر بتلك المكائد، الاستهداف الإسلامي والتطرف وطمع أهليه بالسلطة، إلى جانب محاربة الاستعمار، الذريعة المعلنة التي يستمد منها شرعيته الشعبية، حتى تمكّن من حكم سوريا لثلاثين عاماً، قبل أن يوهم عصابته، بأنه ضامن مصالحهم الوحيد وبقاء سوريا خارج أتون الحرب الأهلية، هو توريث ابنه بشار، وهذا فعلاً ما حصل وعبر أركان لا ينتمون إلى طائفة الأسد المذهبية بقدر ما ينتمون لطائفته بالارتباط والعمالة والنفعية.
نهاية القول: ترى، هل يملك بشار الأسد بطاقة أبيه والملك عبد الله، أو تقوده الأقدار والمصادفة إلى ما قادتهما. خاصة بواقع ما بدأ يرشح عن خلاف بين القصر الجمهوري والفرقة الرابعة، إثر تمدد أسماء الأخرس وهواجسها بالحكم أو لإنابة بشار، إن تم تعويمه خلال انتخابات لم يبت بها حتى اليوم.
بلفتة قصيرة لعشر سنين خلت، نرى أن بشار استثمر بمثل هذه البطاقة، حينما أوعز لأمنه بساحة حمص مطلع الثورة، أن ارفعوا شعارات “المسيحية ع بيروت والعلوية ع التابوت” وأتبعها بحيطة من آله وتخوفاً من أطماع أخيه ماهر، المشابه لعمه رفعت شكلا وسلوكاً، بشعار” بشار ع العيادة وماهر ع القيادة” ليكسب وقتذاك ما يمكن تسميته “تحالف الأقليات” ويرسل رسالة لمن يهمه الأمر بمحيطه، وأخيه أولاً، بأن أدوات الحفاظ على السلطة قد تتطابق، إن أعاد التاريخ نفسه.
بقيّ أن نقول وللإنصاف، إن ثمة فارقا هائلا، بين ملك الأردن عبد الله وبين بشار الأسد، وإن ساد التشابه خلال سني وراثتيهما الأولى، فعبد الله لم يقتل ويهجّر نصف الشعب ولم يجلب المحتلين لبلده ولم يفقد شرعيته دولياً.
ما يعني، لو فكر بشار برمي ماهر “حمزة سوريا” كورقة أخيرة بهدف التعويم وإعادة الإنتاج، نظراً للتبني الإيراني للشقيق وملامح الخلاف بين موسكو وطهران، فلن يكون لتلك البطاقة أي راغبين كما لم يكن لبشار نفسه شراة، خلال عرض روسيا نظامه وشخصه للبيع وجوبها الشرق والغرب، من دون أن يظهر حتى مساوّم لعبء يثقل كاهل مشتريه.
عدنان عبد الرزاق – زمان الوصل