بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في بداية العام الحالي، أكدت الحكومة البريطانية دعمها للسبل والأدوات التي تحاسب النظام السوري على ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية تجاه شعبه، وتهجير ما يقارب نصف السوريين.
وقالت الحكومة البريطانية في بيان لها، في 1 من كانون الثاني الماضي، إنها ستنقل عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد النظام السوري وشركائه إلى نظام عقوبات المملكة المتحدة.
وأوضحت أن الغاية من العقوبات هي إنهاء قمع النظام الوحشي للمدنيين، وزيادة الضغط عليه، لإيجاد حل سياسي يتعامل معه بجدية من أجل رفع العقوبات عنه.
لكنّ شكوكًا بدأت تظهر مؤخرًا بسبب رفع العقوبات عن شخصيات تُعرف بقربها من النظام السوري، كطريف الأخرس عم زوجة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وبعده رجل الأعمال نزار جميل الأسعد.
وقالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان لها، في 30 من أيلول الماضي، إنها أزالت كلًا من نزار الأسعد، وأحمد القادري، ومحمد معين زين العابدين جزبة، وعلي حبيب، وسلام طعمة، من قوائم العقوبات.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فإن أربعة من الأشخاص المُزالين من قائمة العقوبات توفوا خلال الأشهر الماضية، ما عدا نزار الأسعد.وكانت وزارة الخزانة البريطانية أزالت طريف الأخرس من قائمة العقوبات دون إبداء أسباب، بحسب ما ذكرته صحيفة “تلجراف”، في 17 من آب الماضي.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الحكومة البريطانية بشطب فرد من القائمة بموجب القوانين التي أقرتها المملكة المتحدة بعد خروجها الاتحاد الأوروبي للحفاظ على العقوبات ضد شخصيات النظام السوري، والتي تتضمن تصنيف “شخص بارز يدير أو يسيطر على أعمال في سوريا”.
وفتح ذلك الباب أمام تساؤلات حول الأسباب والظروف التي تدفع بريطانيا لرفع العقوبات، وهل يلحقها تحوّل ما في الملف السوري، وانعكاس رفع العقوبات على الاقتصاديين المتعاملين مع النظام السوري.
نظام عقوبات جديد
وقال مصدر قانوني مطلع، تحفظ على ذكر اسمه، إن نظام العقوبات البريطاني مهتم بالضغط على النظام السوري، موضحًا أنه بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تغيرت بعض القوانين، ومن بينها العقوبات المفروضة على أفراد أو شبكات معيّنة، لكن بريطانيا تبنّت قانونًا خاصًا بالعقوبات على سوريا قبل خروجها من الاتحاد، ما يبيّن اهتمامها بالقضية.
وبحسب المصدر، وهو على صلة بالخارجية البريطانية، صار بإمكان الأشخاص المعاقَبين من بريطانيا المرافعة في المحاكم البريطانية لإزالة العقوبات عنهم، الأمر الذي كان يحصل سابقًا فقط في محاكم الاتحاد الأوروبي، دون بريطانيا.
وهناك تخوّف من قبل المحامين الحكوميين في بريطانيا من التكلفة الهائلة التي يسببها رجال أعمال معاقَبين كطريف الأخرس، الذي ضخ الملايين سابقًا في محاكم الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عنه، بحسب تحليل المصدر، الذي أردف أنه ليس كل من عُوقب من قبل الحكومة البريطانية تتم إزالته من قائمة العقوبات في حال المرافعة القضائية، بل هنالك شروط تحدد ذلك، كمدى قوة الحجج والوثائق التي تثبت ضلوعه من عدمه مع النظام.
وحلّلت الحكومة البريطانية بعد “بريكسيت” أكثر من 200 اسم كان أصحابها مدرجين على قائمة العقوبات، ووضعتهم ضمن لوائحها الخاصة.
وكانت إزالة طريف الأخرس من قائمة العقوبات لأسباب إجرائية وليست سياسية، كما كانت المعلومات المتوفرة على العلن حول دعمه للنظام ليست بالحجم الضخم الذي يبقيه معاقبًا، بحسب المصدر، أما بالنسبة للأسعد فهو، بحسب المصدر، لم يعد في الصف الأول عند النظام السوري كما كان سابقًا، وشركاته الموجودة في سوريا لم تعد نشطة، وعليه رُفع من قائمة العقوبات التي تعاقب المقربين من النظام والمتورطين معه.
وأكد المصدر أن سوريا حاليًا ليست على أولويات الحكومة البريطانية (في وضع مشابه لرؤية واشنطن للملف السوري)، فهنالك اهتمامات أخرى تفوقها أهمية في الوقت الحالي، كالصين وأفغانستان.
ولكن موقفها الأولي تجاه النظام السوري لم يتغير، بحسب المصدر القانوني، فقد أقرت قانونًا خاصًا بالعقوبات على سوريا، الأمر الذي لم يسبق أن حدث إلا في أمريكا والمعروف بقانون “قيصر”.
المعايير قد تتغير
ومن جهته، قال رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور، في حديث إلى عنب بلدي، إن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، جعلها تضع معايير جديدة لبعض القضايا، تختلف عن ضوابط ومعايير الاتحاد.
وكان وزير الخارجية البريطاني السابق، دومينيك راب، أجرى تعديلًا، في 26 من نيسان الماضي، طلب فيه تشديد الضوابط أو المعايير التي تمكّن الحكومة من وضع الأشخاص على قائمة العقوبات، فعندما تم رفع وتشديد البنود أصبحت لا تنطبق على طريف الأخرس أو نزار الأسعد وعليه رُفعت عنهما العقوبات.
وفي 30 من أيلول الماضي، صدرت قائمة العقوبات الجديدة التي تستهدف الأشخاص والكيانات والسفن التي حُددت وفق اللوائح الصادرة بموجب قانون العقوبات ومكافحة غسل الأموال.
وعُيّنت ليزا تراس وزيرة للخارجية البريطانية، في 15 من أيلول الماضي، ليشغل دومينيك منصب وزير العدل.
وبحسب عبد النور، فمن الممكن أن تقوم الوزيرة الجديدة بتغييرات جديدة لتلك الشروط، التي لم تتغير فقط تجاه سوريا بل تجاه كل رجال الأعمال في العالم.
“لا تغيير جوهريًا”
وقال المدير التنفيذي لـ“المجلس البريطاني- السوري”، مازن غريبة، لعنب بلدي، إن قرار الحكومة البريطانية بخصوص رفع العقوبات عن خمس شخصيات مرتبطة بالنظام، جاء نتيجة مراجعة روتينية تقوم بها وزارة الخزانة مع وزارة الخارجية حول قوائم الأسماء المعاقَبة.وتابع غريبة أن أربعة من الأسماء الخمسة أُزيل أصحابها بسبب وفاتهم، باستثناء نزار الأسعد الذي لم يصدر حتى الآن تصريح رسمي حول الأسباب التي أدت إلى رفع العقوبات البريطانية عنه.
وبحسب غريبة، فإن “المجلس البريطاني- السوري” يرى أن هذه المراجعات الروتينية لا تعبّر عن تغيير جوهري في سياسة الحكومة البريطانية تجاه نظام الأسد والشخصيات الداعمة له، ولا سيما فيما يتعلق بملف المحاسبة والمساءلة، خصوصًا أن سفيرة بريطانيا في مجلس الأمن، جوانا روبر، طالبت، في 5 من تشرين الأول الحالي، بدخول مفتشي منظمة حظر الأسلحة بشكل غير مشروط إلى سوريا، واتخاذ تدابير حازمة ضد النظام السوري لخرقه قرار مجلس الأمن رقم2118 المتعلق بالتدمير الكامل لترسانة الأسلحة الكيماوية لديه.
الإفلات من العقاب يشجع البقية
في حديث إلى عنب بلدي، أوضح الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن كرم شعار، أنه على الرغم من أن فاعلية العقوبات البريطانية أقل من العقوبات الأمريكية أو الأوروبية، فإن تصرف بريطانيا برفعها العقوبات المفروضة عن رجال أعمال سوريين موالين أو داعمين للنظام، يشجع رجال أعمال آخرين، قد يعتبرون دعم النظام السوري أصبح أقل تكلفة مما كان عليه سابقًا.
وفيما يخص رجل الأعمال السوري نزار الأسعد، فيرى شعار أن الأسعد عوقب منذ عام 2011 من قبل الاتحاد الأوروبي، بصفته أحد أنياب النظام السوري.
ومن أحد ارتباطاته بالنظام شركة “ليد”، التي كانت بالشراكة مع محمد مخلوف، ولا توجد معلومات عن تورطه خلال الثورة السورية وقمع النظام للمتظاهرين.ولا يعني عدم تورط الأسعد ضرورة رفع العقوبات عنه، إلا في حالة إظهاره عدم دعمه للنظام السوري علنًا.
ما الغاية من العقوبات؟
بحسب الخارجية البريطانية، يهدف نظام عقوباتها إلى دفع حكومة النظام للامتناع عن الأعمال أو السياسات أو الأنشطة التي تقمع السكان المدنيين في سوريا، وإلزامها بالمشاركة في المفاوضات بحسن نية للتوصل إلى تسوية سياسية.
وتفرض العقوبات تجميدًا للأصول المصرفية على من تم تحديدهم على أنهم مسؤولون عن القمع العنيف للسكان المدنيين في سوريا، أو يدعمون النظام السوري أو يستفيدون منه.
ويشمل قرار التجميد أي عمليات بيع وشراء سندات معيّنة صادرة أو مضمونة من قبل النظام السوري، أو إقامة علاقات مصرفية ومراسلة مع أشخاص معيّنين.
المصدر: عنب بلدي