جولة على أخبار الصحافة والبيانات والإحصاءات التي تصدرها الدوائر الأوروبية، تظهر ارتفاعا في مستوى الخلافات والعنف المنزلي، ففي فرنسا أظهرت الأرقام ارتفاعا في مستوى البلاغات عن العنف المنزلي بين 32 و38 بالمئة، وهذا الأرقام لا تقتصر على النساء المعنفات بل تشمل رجالا معنفين أيضا.
قال لي صديق أوروبي متخصص في البحوث الاجتماعية إن المسألة لا تقف عند صراعات داخل البيوت، فهناك الملايين الذين يعيشون شراكة دون زواج، خصوصا بين الشريحة العمرية التي تقل أعمارها عن 30 عاماً، وهؤلاء كانوا لا يلتقون في المنازل إلا لوقت قصير، وربما ليس يوميا، ثم جاءت كورونا لتحبسهم مع بعضهم البعض، ورجح الصديق حسب معطيات أولية أن ينتج الحجر الصحي بعد انتهائة ارتفاعا في مستوى المواليد مع وجود مساحة زمنية مفتوحة للتواصل، إذ سيجد المحجورون أنفسهم ضمن مساحات ضيقة يتوفر فيها الطعام والجنس، وهذا الأخير مشكوك بأمره، والترفيه المحدود عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك الكثيرون ممن لم يختبروا علاقتهم الزوجية، وسيكون حجر كورونا اختبارا حقيقيا لمشاعرهم، وهذا لا يتعلق بصديقنا السوري أبو عبدو الحلبي الذي ينام اليوم خارج منزله عند صديق لاجئ بسبب إصراره على أن تضع أم عبدو “دبس الفليلفلة” مع اللحمة النية، وتدخله في أنواع البهارات وحتى طريقة تقطيع البندورة والخيار وحجم “الفرمة” في السلطة الخضراء.. هكذا وجد الزوجان أن من الصعب التعايش بعد 30 سنة من الزواج.
مكن الاطلاع على مؤشرات حجر كورونا للناس في البيوت عبر الصحافة الأوروبية بسبب الشفافية وعدم وجود ثقافة العيب الاجتماعي التي تمنع المجتمعات العربية عن تقدير تأثيرات مثل هذه الجائحة على المجتمع.
تنصح إحدى المعالجات النفسيات في نيويورك حسب CNN أن ينشغل أحد الزوجين إما بالتأمّل أو وضع سماعات الرأس والجلوس في الزاوية، وذلك بالنسبة للشريكين الذين بات أحدهما يعمل من منزله، فيما تشير إحدى عالمات النفس إلى تجنب الضغط لممارسة الجنس لأن الرغبة الجنسية تتراجع تحت ضغط الأزمات بنسبة 85 % وهذا يعني أن من لا يكون من ضمن هؤلاء المتأثرين فعليه أن يعتبر أن الشريك قد يكون على الجانب الآخر من المعادلة.
والآن يأتي الدور على الرجال المتزوجين من امرأة ثانية سرّاً أو الشركاء الخونة، وهذا من أكثر المسكوت عنه في المجتمعات، وبدل الدراسات والأبحاث والتوقعات فإن المتوقع حصوله في هذا الجانب سيظهر على شكل “نكتة” كما يحصل في المجتمعات العربية، وفي هذا تقول إحدى النكات “إن رجلا تقرب من زوجته خلال الحجر المنزلي لدرجة أنه كاد يحكي لها عن زوجته الثانية”.
ماذا ستفعلن أيتها الزوجات السريات في هذه الظروف، وكيف سيدير الأزواج الخدّاعون هذه المسألة، إلا إذا قرروا إقناع زوجاتهم العلنيات بأنهم ذاهبون للتطوع في مستشفيات كورونا الميدانية وتوزيع الطعام على أبواب البيوت المقفلة.
أنا شخصيا في منزلي الصغير تعرفت أكثر على أطفالي بعد فترة طويلة من العمل لساعات طويلة يوميا، كما أنني تجاوزت مرحلة معركة عضّ الأصابع مع زوجتي منذ وقت طويل، نمضي وقتنا ببعض العمل عن بعد وبكثير من الثرثرة والطعام، وقد استهلكنا مخزون اسبوعين من الغذاء خلال خمسة أيام، ولا يخلو الأمر من بعض عبارات التأنيب الزوجية من قبيل “أنت منشغل عني بالهاتف” ولا أجد إجابة إلا “أنت تعرفين حتى عدد شعرات مناخيري”.
بقيت حالة عن الحجر المنزلي هي الأشد إيلاماً، حالة لا تلحظها الدراسات النفسية والاجتماعية المعاصرة.. إنها الخيمة، كيف تتصور أيها المحجور في بيت مترف بأطفال ونساء وشيوخ الخيام، شمال سوريا، في الزعتري شمال الأردن، في عرسال بلبنان..
يقول محمود درويش:
“وأنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس مَنْ يطلبون السلام
وأنتَ تعودُ إلى البيت، بيتكَ، فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام”.
علي عيد_زمان الوصل