مثل غيرها من السمات والمكونات الشخصية خضعت أسماء السوريين للكثير من التغيير والتبديل خلال العقود الأخيرة بسبب التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي طال القيم والمفاهيم قبل سنوات الحرب، وانعكس ذلك على أسماء الذكور والإناث التي دخلها الكثير من الألفاظ الغريبة وغير المألوفة، ومع بداية اللجوء السوري إلى الدول الأوروبية برزت ظاهرة تغيير اللاجئين أسماءهم لأسباب شخصية وعامة واضطر الكثير منهم إلى الاعتماد على أسماء وجوازات مؤقتة إبان رحلة اللجوء بل غيروا لون شعرهم وعيونهم ليناسبوا تلك الهوية المؤقتة وليس الأسماء فحسب.
واضطر الكثير من اللاجئين الذي يحملون أسماء “جهاد” و”أسامة” مثلاً إلى تغيير أسمائهم التي تثير المخاوف لأنها ارتبطت بأحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وباتت في أعقاب الحرب على “الإرهاب” مرتبطة في خيال الغربيين بالقتل الجماعي وفقدت هذه الأسماء وظيفتها الأساسية مثل أي اسم آخر.
هروب من نظام الأسد
وقال سوري اسمه “أحمد. ز” وصل إلى تركيا عام 2013 وحصل على الجنسية منذ 4 أشهر إن موظفة إدارة الهجرة سألته أثناء المقابلة إن كان يريد تغيير اسمه فأخبرها بالنفي، ولكن بعد ذلك شعر كما يقول بالندم.
لكنه يرغب الآن بتغيير اسمه لأنه مطلوب للنظام والخوف في حال السفر وبخاصة إلى الدول التي تدعم نظام الأسد من التضييق الأمني وكذلك لرغبته في الاندماج وبدء حياة جديدة في تركيا.
وحول أسباب ميل اللاجئين إلى تغيير أسمائهم أشار مدير “مؤسسة هارموني للثقافة واللغات بهولندا” الدكتور “أحمد جاسم الحسين” إلى أن هذا الأمر مرتبط بخيارات شخصية دافعها الشعور بالحرية الشخصية، أو الخوف من العنصرية بغض النظر إن كانت هذه العنصرية حقيقة أو متوهمة، والرغبة بالحصول على فرص أكثر، ظناً منه أن الاسم قد يكون حاجزاً، علما أن التجربة الشخصية تثبت-كما قال- أن الكفاءة غالباً هي السبب في الحصول على الفرصة وليس الاسم، ففي تركيا مثلاً يلجأ السوريون لهذه الخطوة خاصة في الكنى إما لأن “السيستم” لا يقبل كناهم الحالية أو خوفاً من العنصرية أو حفاظاً على مستقبل أبنائهم.
ويجيز القانون التركي للاجئين السوريين تغيير أسمائهم بمعاملة بسيطة، فبحسب القانون رقم 7039 الصادر عام 2017 يحق للشخص ولمرة واحدة ودون الحاجة إلى قرار المحكمة تعديل اسمه أو كنيته بمعاملة إدارية في دائرة النفوس التي يتبع لها.
ويمنح هذا القانون الأشخاص الذين يوجد في أسمائهم أخطاء كتابية أو إملائية مخالفة للآداب العامة، مضحكة، ومذلة، أو تحمل معنى مغايراً للمعنى المراد، حق تغيير أسمائهم وألقابهم دون الرجوع إلى المحكمة.
وأبان “الحسين” أن الأسماء المختارة إما أن تكون أسماء أوروبية، أو اختصاراً لأسمائهم الطويلة أو البعد عن الأسماء ذات الطابع الديني، أو تغييراً للأسماء التي يصعب نطقها على ساكني البلد الأصليين.
واستدرك أن المعيار الأساسي بالنسبة للأسماء في أوروبا هو الخيار الشخصي وليس المجتمع، لذلك يسمي كل شخص نفسه حين يكبر بالاسم الذي يعجبه، لافتاً إلى أن الهولندي يدفع 1500 يورو ليغير اسمه رسمياً لعدم رضاه عن الاسم الذي اختاره أهله له، أو لرغبته بالتغيير، وهذا الأمر أصابه بالدهشة.
اندماج أم انسلاح
وتختلف وجهات النظر بالنسبة لظاهرة تغيير الأسماء في أوساط اللاجئين من شخص إلى آخر ومن فئة عمرية إلى غيرها ففي الوقت الذي ينظر إليها الشباب على أنها اندماج وحرية شخصية يرى فيها من هم فوق الثلاثين تقريبا انسلاخاً وابتعاداً عن الهوية، بينما يعدها الوسط المضيف للاجئين قضية شخصية ويهمه الاسم الذي يسهل نطقه فحسب، فهم يهمهم الإجرائي والعملي.
وأكد “الحسين” أن الغربيين لا يشجعون على التخلي عن الاسم الأساسي، إلا إن كان خياراً شخصياً كون المعيار في أوروبا هو الخيار الشخصي وليس المجتمع، لذلك يسمي كل شخص نفسه حين يكبر بالاسم الذي يعجبه، على خلاف ما هو معروف في المجتمعات العربية، ونوّه الأكاديمي الجامعي إلى أن للأسماء في ثقافتنا العربية دلالات وإيقاعاً جميلاً جداً، ويصعب وجود عدد منها في اللغات الأخرى وينصح ذوي المواليد الجدد باختيار أسماء دولية لها دلالة وسهلة النطق في العربية كما في الإنكليزية.
وبدوره أكد الباحث د. “طلال عبد المعطي مصطفى” المختص بعلم الاجتماع أن الموضوع الجدير بالدراسة والاهتمام قبل الحديث عن العوامل الاجتماعية الشخصية التي تقف وراء ظاهرة تغيير اللاجئين أسماءهم الشخصية والعائلية هو الدوافع التي تقف وراء تسمية الأبناء من قبل الآباء في سوريا كظاهرة اجتماعية بدءًا من التقليد المتعارف عليه إطلاق اسم الجد على الولد الأول كنوع من الاحترام وتخليد الاسم، وأحياناً تصل إلى تسمية بقية الأولاد على أسماء الأعمام أيضاً لذلك نجد ظاهرة تكرار الأسماء في العائلات الكبيرة.
ولفت “مصطفى” إلى أن هذا الأمر لطالما سبب مشكلات أمنية كثيرة من خلال الاعتقال استناداً إلى الاسم الأول واسم العائلة دون الاكتراث لاسم الأب والأم والمواليد في سوريا.
وأردف محدثنا أن “البعض من الآباء يطلق أسماء أبنائه أيضاً استناداً إلى الخلفية السياسية الفكرية والدينية والمذهبية لهم، وهذا ما سبب مشكلات أمنية لهم خاصة في مناطق الحرب استناداً إلى المعاني الدينية والمذهبية والسياسية لبعض الأسماء، وعبّر د. مصطفى عن اعتقاده بأن رغبة الشباب السوري في دول اللجوء (تركيا وأوروبا) بتعديل أسمائهم أثناء التقدم للجنسية هي ردة فعل على معاناتهم الأمنية والاجتماعية والنفسية من هذه الأسماء في سوريا، بالإضافة إلى تصورات قد تكون وهمية وهي قدرتهم على الهروب من المواجهة العنصرية في المستقبل وخاصة بالنسبة لآبائهم بعد الزواج، حيث سيطلق عليهم اللقب الجديد المندمج مع الألقاب العائلية التركية والأوروبية بالإضافة إلى إمكانية الحصول على فرص عمل أفضل بعيداً عن الرموز الدينية والمذهبية والسياسية لألقابهم السورية.
ونوّه المصدر إلى أن لدى اللاجئين ردود فعل ربما تعد سلبية أو شكلاً من أشكال الاغتراب الثقافي الهوياتي تجاه كل ما يتعلق بذاكرته القيمية الثقافية السورية، وهذا يجعلهم -حسب قوله- لا يستطيعون التمييز بين ثقافة مرتبطة بممارسات النظام الاستبدادي وأخواته من ميليشيات طائفية مذهبية وبين ثقافة وطنية من المفترض أن تكون حريصة على الاحتفاظ بالهوية السورية وبالثقافة والتراث القيمي السوري.
ولفت الباحث المقيم في فرنسا إلى أنه وجد حرص وتشجيع المؤسسات الفرنسية المعنية باللجوء (مؤسسات الإدماج) هناك على الحفاظ على ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا ونقلها إلى أطفالنا، بل كان هناك تشجيع على تعليم أطفالنا اللغة العربية بداعي أنهم سوف يجدون فرص عمل أفضل من غيرهم في المستقبل.
وقال الأمين العام للمنظمة العربية الأوروبية للاجئين “محمد كاظم هنداوي” إن اللاجئين يغيرون أسماءهم لعدة أسباب أبرزها الهروب من الملاحقة القانونية المستقبلية من النظام، واستدرك أن هؤلاء اللاجئين عندما يريدون الحصول على الجنسية بإمكان اللاجىء منهم اختيار اسم جديد له يتناسب مع ظروف العيش في ألمانيا وخصوصاً إذا كان لجوؤه سياسياً وهي ميزة لا يعرفها الكثيرون وللأسف يحكم على اللاجىء حاليا من خلال اسمه حتى لو حصل على الجنسية الألمانية فإن الاسم القديم يؤشر إلى جنسيته لذلك يتم اختيار اسم يحتالون فيه على الوضع وهو أمر لا يخالف القانون ولكنهم لا يفصحون عن تغيير أسمائهم وخصوصاً لمن يعرفونهم بل يكتفون بتغييرها في المعاملات الرسمية وعلى هوياتهم وجوازات سفرهم فقط.
جنسية بلد اللجوء
وفي تصريحات خاصة لموقع تلفزيون سوريا، قالت الناطقة باسم وزارة العدل والأمن الهولندية شارلوت هيس في وقت سابق إن عدد الذين حصلوا على الجنسية الهولندية من السوريين هم 22820 شخصا حتى شهر أبريل الماضي أي أكثر من نصف اللاجئين السوريين في هولندا البالغ 45240.
وبحسب إحصائية مكتب الإحصاء الفدرالي الألمانية ارتفع عدد السوريين الذين تمكنوا من الحصول على الجنسية الألمانية خلال العام الماضي، من 3900 إلى 6700، في حين لم يكن العدد يتجاوز الـ 2000 قبل خمس سنوات.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن تشهد الأعوام المقبلة زيادة في أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية، “إذ استوفى المزيد والمزيد من طالبي اللجوء، الذين دخلوا البلاد بين عامي 2014 و2016، متطلبات التجنيس”.
وبذلك، بات السوريون يشكلون ثاني أكبر مجموعة بين المجنسين بعد الجالية التركية، إذ إن الأتراك، وعلى الرغم من تصدرهم قائمة المجنسين في ألمانيا، فإن نسبة الحاصلين على الجنسية منهم انخفضت بنحو 28 في المئة، من 16200 إلى 11600، مقارنة مع عام 2019.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا نحو 3,6 ملايين لاجئ، بينما يبلغ عدد الحاصلين منهم على الجنسية الاستثنائية نحو 93 ألفاً حسب آخر تصريح لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو.
المصدر _ تلفزيون سوريا