يؤشر انقطاع وصول الوقود الإيراني إلى الساحل السوري، إلى ما يشبه التخلي الإيراني عن التزاماتها الاقتصادية تجاه حليفها النظام السوري، إذ يعود تاريخ وصول آخر ناقلة محملة بشحنات تم تقاسمها بين النظام ولبنان إلى مصفاة بانياس إلى مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2021.
ومن الواضح أن عدم وصول النفط الإيراني بكميات منتظمة كما هو الحال في النصف الأول من العام 2021، قد أسهم في تفاقم أزمة نقص الكهرباء مؤخراً في مناطق سيطرة النظام، بحيث زادت ساعات التقنين إلى حد كبير، بالتزامن مع نقص الغاز في الأسواق بسبب الاعتماد على الكميات المنتجة محلياً بشكل أكبر في توليد الكهرباء.
وتتباين التفسيرات لأسباب ذلك، بين من يرى أن هذا التراجع في إمدادات الوقود الإيراني برغبة النظام الذي يريد ضبط فاتورة مستورداته، بسبب العجز الكبير في الموازنة المالية السنوية للعام 2022، وبين من يردّه إلى عدم تحمس إيران لبيع الوقود للنظام.
وهو ما أكد عليه الباحث المختص بالشأن الإيراني الدكتور محمد عبد المجيد بقوله لـ”المدن”، إن “الضغوط الأميركية على إيران كانت في أوجها، حتى وصل الحال إلى تصفير الصادرات النفطية الإيرانية مع زيادة التحذيرات الأميركية للدول من شراء النفط”.
وأمام اضطرار إيران لمواصلة استخراج نفطها الذي لم تجد من يشتريه، بدلاً من التوقف عن استخراجه الذي سيحمّلها أعباء مالية كبيرة عند معاودة الاستخراج، وجدت أن من الأفضل إرسال هذا النفط لنظام الأسد، رغم إدراكها أنها لن تحصل على ثمنه بالعملة الأجنبية، إلا أنها كانت تحصل على اتفاقيات طويلة الأمد مقابله، وفق الباحث.
ويضيف أن سياسية غض الطرف الأميركي عن قيام إيران بتصدير النفط بشكل جزئي، مع استئناف مباحثات فيينا النووية، أدت إلى زيادة في صادرات النفط إلى الصين. ويقول: “هنا وجدت إيران أنها قادرة على بيع جزء من نفطها واستلام ثمنه في وقت هي بأمس الحاجة للعملة الأجنبية، بالتالي لم يعد تزويد نظام الأسد بالكميات التي كانت تزوده بها أمراً ملحاً بالنسبة لها”.
ومع ذلك، يؤكد الباحث أن تراجع كميات النفط الواصلة إلى النظام السوري مؤخراً لا يعني انقطاعها بشكل كامل، وإنما ستواصل طهران تزويد النظام بالنفط بالحدود الدنيا، وبما يبقيه قائماً على قدميه، لأنها لن تحصل على ثمن هذا النفط.
ومن غير المستبعد، ضمن التفسير ذاته المتعلق بغض الطرف الأميركي عن إيران وحليفها النظام السوري، أن يكون النظام قد استعاض عن الوقود الإيراني، بزيادة استجرار النفط من شمال شرق سوريا، الخاضع للنفوذ الأميركي.
وفي هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي أحمد عزوز أن حاجة النظام السوري اليومية من النفط تبلغ نحو 70 ألف برميل، يتم تأمين نحو 20 ألف برميل منها من الحقول الصغيرة الخاضعة لسيطرته في المحافظات الشرقية. ويشير في حديثه ل”المدن”، إلى شراء النظام لكميات كبيرة من النفط من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
كذلك، بحسب عزوز، يسيطر النظام على 80 في المئة من حقول الغاز السورية، التي تنتج قرابة 12 مليون متر مكعب يومياً، ولأن هذه الكمية غير كافية لتشغيل محطات الكهرباء، يقوم النظام بتقسيم الغاز بين محطات الكهرباء وطرحه في السوق للاستخدام المنزلي.
النظام ينتظر خط الغاز العربي
وقالت مصادر لـ”المدن” إن النظام السوري يبني آمالاً واسعة على بدء ضخ الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا، متطلعاً للحصول على كميات من الغاز بأسعار مخفضة، وهو ما قد يساعده على تخفيف احتياجاته من الفيول اللازم لتوليد الكهرباء.
ويُعول النظام على الاستفادة من هذا المشروع بشكل لافت، إلى الحد الذي دفع وزير النفط في حكومة النظام بسام طعمة إلى الإعلان عن وجود مخطط لدى وزارته بالعمل على تسيير السيارات على الغاز الطبيعي، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، وذلك خلال اجتماعه بوفد اقتصادي إيراني برئاسة وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني سيد رضا فاطمي آمين، في دمشق.
والاثنين، أكد وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض أن لبنان لا يزال بانتظار موافقة البنك الدولي على قرار الدعم المالي للمشروع الذي تم الاتفاق عليه مع الأردن ومصر، لحل أزمة الكهرباء في لبنان.
واعتبر فياض في حديث مع وكالة “الأناضول” التركية، أن تحقيق مشروع استيراد الكهرباء من مصر، عبر خط الغاز العربي الذي يمر بالأردن وسوريا وصولاً إلى لبنان، سيعتمد على موافقة البنك الدولي على قرار الدعم المالي.
وقال إن “الولايات المتحدة أعطت في وقت سابق، الضوء الأخضر لإعفاء الأردن ومصر من قانون قيصر الذي يقضي بفرض عقوبات من قبل الولايات المتحدة على نظام الأسد في سوريا”.
مصطفى محمد _ المدن