لماذا تحرم المرأة من حقوقها الإنجابية؟

“لم يحترم رغبتي بتأخير الإنجاب وهددني بالطلاق في حال رفضت، رغم أننا اتفقنا على ذلك في أثناء فترة الخطوبة ولكن كلامه تغير بعد زفافنا بأسبوع”، هذا ما قالت امرأة سورية اسمها ريم، كانت تفكر بعدم الإنجاب مباشرة بعد الزواج، ولكنها لم تملك حرية الاختيار.

ريم، 25 عاما، شابة سورية من الغوطة الشرقية ومقيمة في ولاية غازي عنتاب، تزوجت منذ 3 سنوات وهي أم لطفل وحامل بطفلها الثاني، تقول: “بدأ زوجي بالحديث عن الحمل بعد الأسبوع الأول وكان يلمح أنه يريد أن أحمل بسرعة وإلا فيجب علي اللجوء إلى طبيبة لمساعدتي”.

تحملت ريم ضغطا كبيراً من زوجها ووالدته وأيضا كان لوالدتها دور في ذلك، ولم يقبل زوجها اتخاذ أساليب التمنيع وحذرها من أن تأخذها سراً، وأخبرها أن سبب زواجه منها هو من أجل إنجاب الكثير من الأطفال.

على عكس قصة ريم تماماً، واجهت ميساء 32 عاماً، وهي تعمل كمحاسبة في إحدى شركات الأدوات الطبية ومتزوجة منذ سنتين، حيث تحاول والدتها ووالدة زوجها الضغط عليها من أجل أن تنجب، علما أنها وزوجها رافضان لفكرة الإنجاب تماماً.

تقول ميساء: “أشعر بالانزعاج كلما حاولت والدتي وحماتي أن يفتحا موضوع الانجاب وتتكلمان معي وكأنني لا أملك حرية اختيار أن أكون أما أو لا، حاولت أن أشرح لهما لكنني مجبرة على سماعهما في كل مرة تتكلمان بها عن تأخري والعد التنازلي لقدرتي على الإنجاب”. 

حتى الرجل لم يسلم من التدخل والتحكم بقرار الإنجاب، محمود 34 عاماً، صاحب شركة استثمارية يقول: “وبختني والدتي وذلك عندما سألتني لماذا لا تنجبا طفلاً ثالثا فأجبتها بأن القرار لزوجتي وليس لي”.

تعرض محمود للنقد من والدته وأخواته واعتبرنه أنه ليس رجلاً وأن زوجته متحكمة به، فقط لأنه اعتبر أن قرار الانجاب من حق زوجته وحدها، وأنه في حال رغبت بالإنجاب لن يمانع وإن رفضت فهذا خيارها.

المرأة والمجتمع

ترى الاختصاصية الاجتماعية وضحة العثمان، أن المرأة في مجتمعاتنا الشرقية لا تملك الخيار أو الحرية في كثير من قضايا حياتها ومنها الإنجاب، حيث تتحكم بها العادات والتقاليد، وتمارس أم الزوج وأخواته وأمها وأخواتها وربما أقاربها دور الوصاية عليها في مسألة الإنجاب ويمارسون عليها ضغوطا اجتماعية كثيرة.

وعندما تفكر المرأة بعدم الإنجاب أو المباعدة بين الولادات أو تحديد عدد الأطفال، فإنها تتعرض للتهديد والتخويف بالطلاق أو بالزوجة الثانية، مما يجعلها ضعيفة وغير قادرة على اتخاذ القرار.

ومن جانبها ترى الاختصاصية في الجندر نيروز قجي، أن حرمان المرأة من حقها في اتخاذ أي قرار يخص جسدها، يؤدي إلى الكثير من النتائج على مستوى شخصيتها، فهي تحرم من حق الاعتناء بصحتها الجسدية والنفسية.

وتعتقد نيروز، أن الإنجاب من دون رضا الزوجة يسهل ويزيد من إمكانية تعرضها بنسبة أكثر من مثيلاتها من الأمهات لصدمات  ما بعد الولادة والتي يتم التعامل معها كحالة طبيعية وليست مرضية من قبل الزوج وفي معظم الحالات يجهل الزوج بها.

أما مسألة حرمانها من الإنجاب، تقول نيروز، أن هذه الأمر يترك ندوباً في نفسية المرأة فتشعر بأنّها غير نافعة في المجتمع، وليس لديها وظيفة حياتية سوى تلبية رغبات الزوج، فتتأثر علاقاتها مع الآخرين، نظراً لشعورها بأن المجتمع يراها في المستوى الدوني مقارنةً مع مثيلاتها، إضافة إلى شعورها بعدم الاستقرار في حياتها الزوجية وشعورها بفقدان الأمان.

وأشارت نيروز، إلى أن الإنجاب وعدم الإنجاب يجب أن يتحكم فيهما الطرفان بالتفاهم والرضى من دون إكراه كون المرأة هي صاحبة جسدها، وبما يتناسب ووضع الأسرة والوضع الاقتصادي.

حقوق الإنسان

نصت الفقرة 96 في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي انعقد سنة 1995 على أن “تكفل حقوق الإنسان للمرأة حقها في أن تتحكم وأن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتعلقة بحياتها الجنسية فيما في ذلك صحتها الجنسية والإنجابية، دون تمييز أو إكراه أو عنف”.

وتشمل الحقوق الإنجابية حقوق جميع الأفراد والأزواج في أن يقرروا بحرية ومسؤولية عدد أطفالهم ومدى تباعدهم وتوقيته، والحصول على المعلومات والوسائل التي تساعدهم في ذلك.

ويجب أن تكون هذه الحقوق واضحة لدى جميع أفراد المجتمع، وأن تسعى الدول والحكومات لتأمين الخدمات الضرورية المتعلقة بالصحة والحقوق الانجابية لجميع الناس، المتزوجين وغير المتزوجين، بمن فيهم المراهقون والشباب. 

وتعتبر الحقوق الإنجابية جزء من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تندرج تحت مبادئ الكرامة الإنسانية وحق تقرير المصير والمساواة، لهذا تطالب العديد من المنظمات والمؤسسات النسوية المحلية والدولية بحق المرأة في حرية اتخاذ قرار الإنجاب وتوقيته، وحق الوصول إلى وسائل منع الحمل والإجهاض الآمن، وحق الوصول إلى المعلومات الخاصة بالرعاية الصحية الآمنة أثناء الحمل، حق حصولها على خدمات الرعاية الشاملة في إطار برنامج الصحة الإنجابية دون تمييز أو قصر أو عنف.

الإجهاض 

فيما يتعلق بحق المرأة في اتخاذ القرار، لا يختلف الأمر كثيرا سواء في الإجهاض أو الإنجاب، فهي دائما تحت الضغط والإجبار من قبل محيطها أو ظروفها.

دانا 22 عاماً أم لطفلين، أصغرهما عمره 8 أشهر حاولت أن تجهض بعد أن اكتشفت نفسها حاملاً بالطفل الثالث، لكن زوجها رفض ذلك وهددها بالطلاق في حال أنهت الحمل.

تقول دانا: “طفلي الكبير عمره سنتين والصغير 8 أشهر وأنا مازلت متعبة من الحمل والولادة ولست جاهزة نفسيا أو جسديا لطفل ثالث، عندما أخبرت زوجي بعدم رغبتي بالحمل ضربني واتهمني بالكفر وسخف معاناتي، أنا متعبة جداً ولم أعد أحتمل هذا الضغط”. 

وفي قصة أخرى لمعاناة المرأة وحرمانها من اتخاذ قرار يتعلق بجسدها و صحتها الإنجابية، قمر 35 عاما متزوجة منذ 5 سنوات، تقول: ” أجريت 3 عمليات إجهاض منذ بداية زواجي حتى الآن وأنا مرغمة على ذلك لأن زوجي لا يريد أطفالا وفي كل مرة يهددني بالطلاق”. 

وتكمل قمر “أشعر أحيانا أنني أكره نفسي أحب زوجي ولكنني أحب أن أكون أما أيضا وبنفس الوقت لا أريد أن أعيش تجربة الطلاق في مجتمعنا”.

الاختصاصية النفسية رؤى كرمان، تتحدث عن الإجهاض القسري وتبعاته على نفسية المرأة، حيث تختبر مشاعر سلبية تجاه ذاتها، وتدخل في دائرة من الشعور بالقلق والحزن واليأس والإحساس بالعجز والدونية، ومن أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا، هو اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب. 

وترى رؤى، أن تجربة الإجهاض القسري تشكل لدى الناجية صدمة شديدة تحدث آثارا نفسية على المدى القريب والبعيد وقد تمتد لسنوات عديدة اذا لم تتلقى الدعم النفسي والاجتماعي المناسب، وتتمثل بالشعور بالعار ولوم الذات وفقدان الثقة بالنفس واضطرابات نفسية جسدية والشعور بالآلام واضطرابات في الشهية والنوم.

وأوضحت رؤى أن الأمر قد يتطور ويظهر على شكل أفكار انتحارية وإيذاء الذات وسلوكيات الإدمان على المواد المخدرة كما أن تلك الآثار السلبية تمتد لتؤثر على حياتها الاجتماعية وعلاقاتها مع أسرتها والمجتمع.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.

آلاء محمد _ الأيام السورية

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة