لاجئات سوريات.. ضحايا الزواج بواسطة الخطابات والمكاتب والمواقع الكترونية

 غصون أبوالذهب_ Syria Press 

تستغل الخطابات ومكاتب الزواج الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة المحيطة باللاجئات السوريات، وجهلهن بقوانين  الزواج  في تركيا، ويدفعن بهن للزواج بموجب عقد شرعي “عرفي”  يفقدهن حقوقهن القانونية والحق في نسب أطفالهن. وقد تلجأ بعض النساء للارتباط عبر المواقع الإلكترونية التي تسهل التعارف والخطبة والزواج تحت مسمى الشرع والحلال، فيقعن فريسة الاحتيال والمحتالين.

مكاتب الزواج

 تقول “سهيلة 35 عاماً”: تنتشر في تركيا  مكاتب تسهل الزواج في مناطق تجمع السوريين مرخصة رسمياً تحت  غطاء منظمات مجتمع مدني وجمعيات خيرية، “كنت ضحية لهم” وتضيف في حديث خاص إلى “سيريا برس” : ذهبت يوماً إلى منظمة تقدم مساعدات للاجئين السوريين في مدينة إسطنبول، للحصول على مساعدة  لأني أرملة ولدي 3 أطفال وأوضاعي المادية صعبة جداً، وهناك لاحظت وجود مجموعة من المتبرعين يحملون جنسيات عربية مختلفة وتركية،  بعد أيام تواصلت معي إحدى السيدات من القائمات على المنظمة وعرضت علي الزواج من رجل خليجي يبلغ من العمر 90 عاماً، قالت أنه رآني في مكتبهم وأعجب بي ويرغب بي كزوجة بعد وفاة زوجته وهو يريد الثواب من الزواج بأرملة سورية لديها أطفال، وتم عقد القران بعقد شرعي بعد موافقتي لأني وجدت به سنداً لأطفالي الذين يحتاجون الاحتواء والحنان ومن يؤمن لهم مستقبلهم. وتضيف سهيلة “رضينا بالبين والبين لم يرض بنا” ذهب لبلاده على أن يعود  لإتمام الزواج بعد تحضيرات منزل الزوجية الذي وعدني أن يكون باسمي، ولكن موظفة المنظمة أوقعت بيننا حتى طلقني بدعوى أنها تريد مصلحتي، وقدمت بعدها لي عروض زواج أخرى رفضتها جميعاً لأني فقدت الثقة فيها. واكتشفت لاحقاً أن أغلب المستفيدات تلقين عروضاً مشابهة للزواج من الموظفين في المنظمة.

 بالبحث على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي نجد مكاتب عديدة للزواج يتم التواصل معهم عبر “الواتس أب” والهاتف دون موقع جغرافي محدد، منهم على سبيل المثال مكتب “التقوى للزواج” الذي يهدف بحسب موقعهم الرسمي، “زواجا شرعيا مكتمل الأركان والشروط .. نؤدي عملنا باحترافية كاملة ومصداقية عالية ونتقاضى أجوراً مناسبة .. لتيسير الزواج الشرعي و الزواج المسيار، نسعى لتزويج الشباب والشابات وتعفيفهم والحفاظ على الأصول الإسلامية في الزواج ، وتزويج العازبات والأرامل الشابات التي حال بهن الحال والحروب ومستورين لا أحد يسمع بهم أو بأحوالهم ولا لهم معين غير الله”.

الزواج عبر المواقع الإلكترونية

تبلغ ” ميساء” 30 من عمرها وتحمل شهادة معهد متوسط، تزوجت منذ 3 أعوام في اسطنبول من شاب مهندس يحمل الجنسية اليمنية كزوجة ثانية، تقول في حديث خاص إلى “سيريا برس”: تقدمت بالعضوية لموقع  “مسلمة” الالكتروني المختص بالزواج الشرعي، عبر استمارة طلبوا فيها معلوماتي الشخصية كالاسم والعمر والشهادات العلمية والجنسية والمواصفات الجسدية كلون الشعر والعيون والطول والوزن، ومعلومات عن مواصفات الشاب الذي أريد الارتباط فيه، وفيها أسئلة عديدة حول تفضيلي لعقد الزواج “مدني، ديني، مسيار، عرفي…الخ” وحول موافقتي على تعدد الزوجات، والكثير من الأسئلة الأخرى، مع طلب اختياري لإرفاق صورة شخصية، بعد الانتهاء من الاستمارة تنهال العروض حسب التوافق بين الأشخاص والمواصفات المحددة. وبالسؤال عن طريقة التواصل وهل الموقع مأجور، تجيب “ميساء” في الموقع هناك مراسلات خاصة “شات” ولكن تصل مشفرة لاتستطيع القراءة إلا بحال دفع أحد الطرفين مبلغ 50 دولار شهرياً.

تصف “ميساء” زواجها بالناجح، وتتحفظ على تجارب صديقات لها تزوجن عن طريق ذات الموقع حيث قالت أن أحدهن تزوجت زواجاً عرفياً عن طريق الموقع من عريس يريد التعدد لايقيم في تركيا، قضى معها أسبوعاً واحداً وسافر وقطع تواصله معها بشكل كامل.

أكدت “ميساء” أنها تلقت وصديقاتها عروض زواج عبر التطبيق وصفتها بالاحتيال والتلاعب وبالتصيد لغايات غير أخلاقية، وأشارت أنه لابد لمن يتعامل مع هذه المواقع أن يمتلك وعياً وخبرة كافية للتمييز حتى لايكون ضحية.

بالدخول إلى موقع “مسلمة” يلاحظ أنه يظهر مباشرة في محركات البحث كخيار أول، ويُعرف الموقع نفسه أنه يقدم “خدمة ممتازة خصيصاً للمسلمين”  ويلتزم بالقواعد الإسلامية، ويستفيض بأنه  ساعد الآلاف من العزاب والعازبات المسلمين في العثور على شريك،عبر قاعدة بيانات تحتوي على ٧،٥ مليون عضو وعضوة، وهو جزء من شبكة Cupid Media التي تدير أكثر من ٣٠ موقع مواعدة متخصص، ويختم التعريف بعبارة  “دعنا نساعدك على إكمال نصف دينك والحصول على الأجر والثواب. انضم مجانًا اليوم”.

سماسرة زواج “خطابات”

أقنعت الخطابة ” أم سلام” بأساليب شتى “دلال” بالزواج من رجل تركي قالت انه مقتدر مالياً وسيصونها ويصون أطفالها الإثنين وسيؤمن لهم حياة كريمة في اسطنبول، بشرط الزواج  بعقد عرفي ودون إشهار لإنه متزوج من أخرى ولديه منها عدة أولاد. تقول “دلال” بعد زواجنا بشهر وضع زوجي طفلتي في مدرسة شرعية داخلية بحجة انه أدرى بمصلحتها، وحرمني من الخروج والتواصل مع أحد، صبرت وتحملت حتى حملي الأول الذي أجبرني على اجهاضة، بعد فترة علمت انه متزوج من سورية أخرى بالسر جن جنوني وطلبت منه الطلاق ورفض خاصة بعد أن علم بحملي مجدداً وحاول جاهداً اسقاط الجنين فرفضت بشدة وغادرت المنزل. يبلغ اليوم طفل “دلال” الثالثة من عمره لم يعترف والده بنسبه ولا بالزواج من والدته.

تُلقي “دلال” باللوم على الوسيطة ” أم سلام” التي لم تخبرها أن القانون التركي يمنع تعدّد الزوجات، ولا يعترف بالزوجة الثانية وبالتالي لاتستطيع الحصول على حقوقها، ولا تزال في حيرةٍ من أمرها، تبحث عن طريقة قانونية لتسجيل طفلها الذي كان ثمرة زواج غير قانوني وغير مسجّل لدى السلطات التركية.

في هذا الإطار، حاولت “سيريا برس” التواصل مع عدة خطابات وجميعهن أنكرن أنهن تسهلن أمور الزواج مقابل مبالغ مالية، وأكدن حسب تعبيرهن أنهن يعملن هذا بغرض ” السترة والثواب” فقط.كما أنكر القائمين على منظمة أكدت نساء أنهن تلقين عروض زواج عبرهن أي علاقة بالموضوع ورفضوا الإدلاء بأي تصريح.

تفيد الإحصائيات الواردة عن هيئة الإحصاء التركية، تسجيل زواج أتراك  23،687 من نساء أجنبيات كانت السوريات في الصدارة بنسبة 14،6% من إجمالي الزيجات، أي ما يزيد عن 3400 حالة زواج حصلت في عام 2021.

قانون الزواج في تركيا

يؤكد المحامي “محمد تمو” أن الزواج في تركيا هو زواج مدني لا يستمد أحكامه من الشرائع الدينية وإنما من القانون وإرادة المتعاقدين . ويمنع تعدد الزوجات ولايعترف بالآثار القانونية  الناتجة عنه، حيث تنص الفقرة 1 من المادة  230 من قانون العقوبات التركي على الحبس لمدة تتراوح بين 6 أشهر حتى السنتين على الزوج الذي يجمع بين زوجتين وتشمل هذه العقوبة الزوجة الثانية أيضا. و فرضت الفقرة 6  من المادة 230 الحبس من شهرين إلى ستة أشهر على كل من ينظم عقد زواج ديني بالسر أو العلن، ووفق المادة 143 من القانون المدني التركي لا تعترف بالزواج  الذي لا يتم إبرامه وتوثيقه في مكتب الزواج بالبلدية.  

 في تركيا، يبلغ سن الزواج القانوني 18 سنة. وفق “تمو” ويعتبر المرض العقلي عائقا أمام الزواج. والمرأة المتزوجة سابقا لا تستطيع عادة الزواج مرة أخرى حتى 300 يوم من تاريخ إنهاء الزواج السابق، وتسقط فترة الانتظار في حال حصلت المرأة على تقرير طبي يشير إلى أنها ليست حاملا.

المحامي محمد تمو

الحاجة والجهل

جهل اللاجئات السوريات بحقوقهن من جهة وبالقوانين في تركيا من جهة ثانية أوقعهن في مشكلات كثيرة، بحسب رأي “فاطمة عبد العزيز”  المسؤولة في مركز الكواكبي للعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان. التي أشارت إلى أن المركز أصدر دراسة تحليلية تحت عنوان” زواج السوريات من الأتراك خارج المنظومة القانونية التركية”  جاء فيها أن ملايين  من السوريين لجأوا إلى تركيا بينهم مئات الآلاف من النسوة بينهم أرامل ومطلقات ونساء فقدن  أملاكهن والمعيل، حاولن أن يبحثن عن فرص عمل تعينهم على العيش بكرامة، بعضهن نجح وأخريات فشلن ووجدن في الزواج من تركي فرصة ستر و حماية من مهانة العوز .

 الكثير من تلك النساء لم يكنّ يعرفن أن زواجهن الشرعي لا يعتد به  في تركيا وأن القانون التركي يحظر تعدد الزوجات وأن لا حقوق لهن، والبعض كان يدرك تلك الحقيقة لكنهن قبلن نتائجها أمام ضيق الخيارات . تضيف “عبد العزيز” العديد من المؤسسات الحقوقية السورية في تركيا وفي مقدمتها ” تجمع المحامين السوريين ” نهضت بعبء تعريف السوريين بالقوانين التركية عبر الندوات والمحاضرات ووسائل الإعلام  في محاولة للحد من ظاهرة زواج السوريات من أتراك خارج إطار المنظومة القانونية التركية. وتشير إلى أن الزواج الرسمي المسجل وفق القوانين التركية ارتفع إلى أرقام ونسب كبيرة فوفق إحصائيات مركز الإحصاء التركي شهد العام 2015  تسجيل \ 3569 \ حالة زواج أتراك من نساء سوريات بشكل قانوني  ،  بينما تضاعفت تلك النسبة تقريبا في العام 2016  حيث بلغ عدد حالات الزواج من سوريات \ 6495 \ حالة . بينما انخفض العدد في العامين 2017 و 2018  حيث بلغ عدد الحالات \ 4074 \ حالة للعام 2017 بينما انخفضت أكثر الى \ 3611 \ حالة عام 2018 .  

وأشارت “عبد العزيز” إلى أنه لاتوجد إحصائية لحالات زواج السوريات من أتراك خارج إطار المنظومة القانونية التركية  باعتبار أن هذا الأمر لا يتم  بشكل علني لما يترتب عليه من جزاءات وعقوبات بحق المتعاقدين ومنظمي العقد. ولذلك لجأ المركز إلى استبيان خرج بخلاصات تضمنتها الدراسة تقول أن متوسط أعمار السيدات السوريات المتزوجات من أتراك هو بحدود 37 سنة  وأن حوالي 60% منهن لا يحملن شهادة علمية وأن أكثر من 55% منهن مطلقات من أزواج سوريين وأن 75 % منهن لا يعلمن أن هذا الزواج غير معترف به بموجب القانون التركي وهو لا يحمي حقوقهن،   وأخيرا فإن نسبة تقارب ثلثي من تم استطلاعهن على الأقل أجبن أن الحاجة لمعيل نتيجة الفقر كان الدافع للقبول بهذا الزواج .

الأستاذة فاطمة عبد العزيز

تكثيف التوعية القانونية حول مسألة الزواج خارج النطاق القانوني للنساء، وتسليط الضوء على القوانين المتعلقة بقضايا الزواج والنسب في تركيا، وكشف أساليب التضليل والاحتيال التي تتعامل بها السماسرة والمكاتب والمواقع الالكترونية التي تسهل الخطبة والزواج خارج إطار القانون، والعمل على دعم  وتمكين النساء اقتصادياً، وتوفير فرص العمل، جميعها قد تساهم في الحد من استغلال اللاجئات السوريات والحد من الصعوبات والتحديات التي يعانين منها  في بلاد اللجوء.

غصون أبوالذهب _سيريا برس

 ‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version