سيريا برس _ أنباء سوريا
نشرت ” الجزيرة نت ” تحقيقا استقصائيا حول سرقة المساعدات الإنسانية، حيث ترسل عشرات المنظمات الدولية والإقليمية كميات ضخمة من المساعدات الإنسانية للشعب السوري -خصوصا للنازحين في المخيمات- عبر الهلال الأحمر العربي السوري في مناطق النظام أو ممثلين لهذه المنظمات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ومن المفترض أن توزع هذه المساعدات مجانا للمحتاجين الذين يقدرون بالملايين، لكن جزءا مهما منها يجد طريقه إلى الأسواق والمحلات التجارية من خلال سماسرة ووسطاء وتجار كبار عبر موظفين فاسدين في بعض هذه المنظمات احترفوا سرقة المساعدات الإنسانية والتكسب منها.
في مدينة حماة تقف “أم الزين” برفقة أبنائها في طابور طويل أمام منزل “م. س” -وهي إحدى موظفات منظمة الهلال الأحمر العربي السوري- منتظرة دورها لشراء 3 حصص إغاثية منها، تخفي أمينة المستودع هذه مساعدات إنسانية غذائية مقدمة من الهلال الأحمر العربي السوري في منزلها، لتبيعها لاحقا إلى ساكني حيها بشكل غير قانوني.
كانت “أم الزين” قد تقدمت بعدة طلبات إلى هذه المنظمة لتزويدها بحصة إغاثية كل 45 يوما، رفضت جميعها، وهي تقدّر أن ذلك يحصل بسبب أن زوجها معتقل من قبل القوات الحكومية في مدينة حماة منذ سنوات.
وليست “أم الزين” حالة منفردة من قصص الفساد الذي ينخر توزيع المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات المحلية والدولية للشعب السوري ويذهب جزء منها إلى غير محتاجيها من الفقراء والمحتاجين واللاجئين.
يكشف هذا التحقيق -الذي تم في الفترة بين يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين كيف تتم السمسرة بالمساعدات الإنسانية ويساء توزيعها، وكيف تتنوع أساليب التجارة بها في جميع المحافظات السورية، حيث يكون موظفو المنظمات التي تورّد تلك المساعدات المنهوبة الرابح الأكبر على حساب من هم بحاجة إليها من الذين وجهت لهم أصلا.
قلة من المستفيدين الذين يبيعون المساعدات الإنسانية والتجار وافقوا على الحديث معنا في هذا التحقيق خوفا من الاعتقال أو المحاسبة، وهم يقيمون حاليا في مناطق مختلفة مثل حماة وإعزاز والقامشلي وإدلب، وتم حجب أسمائهم الحقيقية واستخدام أسماء مستعارة في سياق هذا التحقيق لاعتبارات أمنية، كما تم تغيير أصواتهم حفاظا على سلامتهم.
موظفون ونهّابون
أجرينا عملية بحث مكثفة استمرت عدة شهور لتقصي الحقائق بشأن قيام بعض العاملين في الفرق الإغاثية ببيع السلال الإغاثية، وحصلنا من خلالها على مستندات وشهادات صوتية تؤكد أن عددا من الموظفين المتعاونين مع منظمات وجمعيات خيرية يستولون بشكل أو بآخر على جزء من المساعدات ويتاجرون بها.
التقينا بالتاجر عبد الحميد (اسم مستعار) الذي كشف أنه كان يشتري المساعدات الإنسانية من “م. ص”، وهو موظف في الهلال الأحمر العربي السوري- فرع حماة، ومسؤول عن مراكز التوزيع الثلاثة ومراقبتها في المدينة بعد كل عملية توزيع للسلال الغذائية، حيث يقوم هذا الموظف بالاتصال به ليلا فيبيعه أكثر من 10 حصص إغاثية يحملها من بيته بمبلغ يقدر بـ200 ألف ليرة سورية (نحو 57 دولارا).
يدّعي موظف الهلال الأحمر السوري هذا أمام زبونه عبد الحميد أنه يحصل على السلال الإغاثية كتعويض عن راتبه الشهري المنقطع منذ أشهر، لتبرير ما يقوم به ولدرء الشكوك.
بعد متابعتنا للموظف والمراكز التي يقوم بمراقبتها -وبمساعدة أحد الموظفين- حصلنا على قوائم التوزيع من المراكز الثلاثة بمدينة حماة (القصور، الجزدان، أبو الفداء) والتي كشفت تكرارا متعمدا لعدد من الأسماء ضمن بند المستلمين، إذ يقوم الموظفون المسؤولون عن عملية التوزيع ومراقب المراكز لاحقا بتقاسم الحصص الفائضة بفعل الأسماء المكررة.
وتقول “أم الزين” -التي تسكن بجوار أمينة المستودع في منظمة الهلال الأحمر السوري بمدينة حماة- إنه “عقب كل عملية توزيع (أي كل 45 يوما) تقوم أمينة المستودع بإدخال أكثر من 10 حصص إلى غرفة خصصتها في منزلها لتخزين المواد الإغاثية لتبيعها لاحقا، فأقوم بشراء حصتين منها كل 45 يوما، على اعتبار أن المواد الغذائية الموجودة في الأسواق أغلى بكثير من سعر الحصة الإغاثية”.
ضمن المعلومات التي حصلنا عليها من داخل فرع الهلال الأحمر العربي السوري في مدينة حماة وجدنا إيصالا موقعا من رئيس فرع حماة يأمر بتسليم الموظفة “س. هـ” 16 حصة غذائية لتقوم بتوزيعها بمعرفتها، حسب ما ورد في الإيصال.
وفي سياق تحقيقنا أرسلنا عدة رسائل إلكترونية إلى البريد الخاص بمنظمة الهلال الأحمر العربي السوري للرد على ما توصلنا إليه من معلومات وتسريبات وشهادات صوتية تدين موظفين ضمن كوادر المنظمة، كما أرسلنا عددا من الرسائل إلى الموظفين المتورطين بعملية البيع المنظمة هذه، دون تلقي أي رد.
حيلة الإتلاف
في محافظة إدلب توصلنا أيضا إلى حالات عديدة لموظفين يبيعون بطريقة غير قانونية المساعدات الغذائية المقدمة لأهالي المحافظة، حيث يقوم موظف في منظمة “الهدف” (Goal) الأيرلندية بتعمد الإضرار بعدد من الحصص الإغاثية، لبيعها من المستودع بشكل سري مع الحصص التالفة أصلا.
يقول سالم (اسم مستعار) -وهو موظف سابق في منظمة “الهدف” الإنسانية بريف إدلب- “يصل في كل شهر تقريبا إلى المنظمة في إدلب أكثر من 15 شاحنة محملة بالسلال الإغاثية، بمعدل 30 ألف حصة، حيث تتضرر بعض السلال أثناء نقلها من الجانب التركي إلى الجانب السوري فيتم الإذن بإتلافها”.
ووفق رواية سالم، يتم جرد الحصص المتضررة أثناء وضعها في المستودع -أي التي طال ضرر ما العلبة التي تحتويها أو الصندوق- ليتم إتلافها، وقد يبلغ عدد الحصص المتلفة أكثر من 10 حصص، لكن الموظف أمجد (اسم مستعار) يفتعل ضررا في 20 حصة إغاثية إضافية، ليتم إتلافها عن طريق لجنة موكلة من المنظمة ذاتها، وذلك برميها في القمامة، لكن أمين المستودع يقوم ببيعها، ويستلمها التجار منه أثناء إخراجها من المستودع.
لم تكن شهادة “سالم” كافية لاتهام الموظف “أمجد” بالفساد وسوء التصرف، فقمنا بالتواصل مع عدد من التجار وسؤالهم عن حصص منظمة “الهدف” دون صناديق، لنصل إلى تاجر هو من أقارب الموظف نفسه، وقد طردنا بعد أن عرف أننا نقوم بتحقيق استقصائي بشأن بيع المساعدات الإنسانية.
أفادنا “أبو مصطفى” -وهو أحد الباعة المتجولين الذين يشترون حصصا من التاجر ذاته- بأنه استفسر منه قبل مدة قصيرة من طردنا عن عدد حصص “الهدف” التي يمكنه توفيرها له، ليخبره أنه يمتلك 30 حصة جاهزة فقط، ثم يجري اتصالا هاتفيا أكد بعده أن بإمكانه تأمين 20 حصة أخرى من مساعدات المنظمة ذاتها، لكنها متضررة ودون صناديق أو عبوات.
حصلنا على مكالمة مسجلة بين بائع يريد شراء حصص إغاثية خاصة بمنظمة “الهدف” وبين التاجر “أبو محمد” المقيم في ريف إدلب الشمالي أكد خلالها أن لديه 50 حصة غذائية في صندوق المنظمة و20 أخرى دون صندوق، وحين طلب المتصل معرفة مصدر السلال الإغاثية أخبره أن معظمها يأتي من النازحين في المنطقة.
وحين سؤاله عن سبب وجود سلال إغاثية دون صناديق المنظمة قال إن تلك الحصص متلفة من قبل المنظمة، وبدلا من رميها في القمامة يقوم وغيره من التجار بشرائها من موظف بالمنظمة، رافضا ذكر اسمه.
وعندما توجهنا بالسؤال إلى منظمة “الهدف” عبر بريدها الإلكتروني الرسمي في دبلن كان ردها أنها تحقق في الأمر، مستندة إلى المعلومات التي زودناها بها، لكنها أجابت بعد مراسلات عدة أنها لم تجد ما يثبت حصول تلك التجاوزات.
المساعدات الإنسانية تغزو الأسواق
عند التجول في مدينة حماة -التي تقع تحت سيطرة النظام السوري- ستشاهد انتشار باعة على الأرصفة يبيعون مواد إغاثية مثل الزيت والبرغل والحمص والعدس وغيرها، والمشترك بينها جميعا أنها تحمل شعارات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة “دبليو إف بي” (WFP).
استطعنا من خلال كاميرا سرية التقاط عدد من الصور والفيديوهات لباعة المساعدات الإنسانية على البسطات (السلع التي تباع على أرصفة الشوارع) بالقرب من كلية التربية في حماة، والتي تصل إليهم عن طريق برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الهلال الأحمر العربي السوري.
وفي محافظة إدلب، تجولنا في أسواقها لنجد أن عددا كبيرا من الباعة المتجولين وعلى البسطات وفي المحال التجارية يبيعون المساعدات الإنسانية علنا ودون رقابة أو مساءلة، وتتعدد أشكال الحصص الغذائية بحسب المنظمات التي تقوم بعملية التوزيع في كل منطقة.
وكان أكبر عدد من الحصص المعروضة للبيع في أسواق المحافظة تلك التابعة لمنظمة “الهدف” الإنسانية الأيرلندية، وكذلك منظمة “رحمة” (Mercy) الأميركية.
وفي ريف حلب أيضا تباع هذه السلع التموينية في عدد كبير من المحال التجارية، كما يتجمع تجار قرب مراكز التوزيع لشراء الحصص من المستفيدين عقب خروجهم منها.
المساعدات الإنسانية للبيع
تنتشر في الأسواق السورية شبكات ضخمة من التجار لبيع المساعدات الغذائية الإنسانية بعد شرائها من نازحين أو موظفين في منظمات إغاثية، ليتم طرحها في الأسواق لاحقا.
صورنا سرا بعض محال التجار الصغار وبسطات الباعة المتجولين، لنتبين وجود كميات كبيرة من هذه المساعدات معروضة للبيع، في حين أن من المفترض أن تصل إلى مستحقيها مجانا.
أمام مبنى البريد في مدينة حماة يعرض التاجر السبعيني “أبو معروف” بضاعته من المواد التموينية على قارعة الطريق يوميا.
يقول أبو معروف “إن المواد الإغاثية التي نبيعها تلقى رواجا بين المدنيين نظرا لسعرها الزهيد مقارنة بالسلع الأخرى في الأسواق، والتي تضاف إليها رسوم جمركية وغيرها فيرتفع ثمنها”.
يشتري” أبو معروف” المواد الغذائية الإغاثية من النازحين أو من سماسرة يخرجونها من المستودعات ذات الصلة بمبالغ زهيدة، حيث يتراوح سعر حصة الهلال الأحمر السوري -كما يقول- بين 15 ألف ليرة سورية و20 ألفا (6.25-8.33 دولارات)، فيبيع تلك المواد بالتجزئة ليحقق ربحا يتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف ليرة سورية (2.5-3 دولارات) في كل حصة، وهو ما يقوم به أيضا تجار صغار وآخرون من أصحاب المحلات الكبيرة في إدلب وبقية المدن السورية.
يقول “حسن” -وهو تاجر مقيم في محافظة إدلب- إنه يشتري الحصص الإغاثية من النازحين وأحيانا من مديري المخيمات وأعضاء المجالس المحلية بقيمة نقدية لا تتجاوز 20 ألف ليرة سورية (7.25 دولارات)، مشيرا إلى أن أسعار السلع الإغاثية تختلف بحسب المنظمات التي تقدمها، حيث تعتبر حصة منظمة “رحمة” الأميركية هي الأعلى سعرا نظرا لكبر حجم العلبة ووفرة المواد الغذائية فيها.
يشتري “حسن” علبة المساعدات هذه بـ60 ألف ليرة سورية (نحو 25 دولارا) ليبيع محتوياتها في محله التجاري مفرقة محققا ربحا قدره نحو 20 ألف ليرة (نحو 9 دولارات)، في حين يشتري الصندوق الإغاثي لمنظمة “الهدف” بـ30 ألف ليرة سورية (12.5 دولارا)، ليبيعه بالجملة أو بالتجزئة محققا ربحا يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف ليرة سورية (4.25-6.25 دولارات).
من جانبه، يشتري التاجر “أبو غيث” من ريف إدلب “بطاقات تموينية” على شكل شيكات من منظمة “المحتاجون” (people in need) الإغاثية (ومقرها الرئيسي العاصمة التشيكية براغ) من النازحين والمستفيدين بقيمة نقدية تصل إلى 100 ألف ليرة سورية (نحو 45 دولارا)، ليقوم بعدها بصرفها من المنظمة ذاتها.
وفي مدينة القامشلي السورية يقف الثلاثيني “حسان زيو” بالقرب من مقر توزيع الحصص الإغاثية لمنظمة “روج آفا” الكردية (ومقرها مدينة القامشلي)، ليقوم بشرائها على الفور من المستفيدين بأسعار تتراوح بين 15 و20 ألف ليرة سورية (6.25-9 دولارات)، ويبيعها بسيارته في الأسواق والأماكن السكنية المكتظة.
بطاقات مساعدة للإيجار
استطعنا من خلال عملية التقصي في معظم المحافظات السورية جمع عدة شهادات -أكثرها مدعومة بالصوت، وبعضها بالفيديو- أثناء بيع النازحين حصصهم الإغاثية.
وكشفت الشهادات عن حاجة معظم النازحين لبيع مساعداتهم لعدة أسباب، أهمها: انعدام فرص العمل، وحاجتهم الماسة لدفع إيجارات المنازل التي استأجروها عقب نزوحهم.
وفي مدينة حماة السورية تقوم منظمة الهلال الأحمر العربي السوري بتوزيع بطاقات استلام للمستفيدين من الحصص الإغاثية، ليقوم بعضهم بتأجير تلك البطاقات لتجار المواد الإغاثية بهدف الحصول على النقود.
قامت “أم محمد” -وهي من سكان مدينة حماة- بتأجير بطاقتها الإغاثية التي حصلت عليها من الهلال الأحمر السوري مع دفتر العائلة الخاص بها بمبلغ لا يتجاوز 20 ألف ليرة سورية (7.25 دولارات) شهريا، ليقوم التاجر -الذي استأجرهما- باستلام حصتها الإغاثية وبيعها بمعرفته.
أما “هناء” -التي كانت تستلم حصتها الإغاثية من الهلال الأحمر السوري كل 45 يوما- فهي تبيعها على الفور نتيجة حاجتها إلى المال لتأمين الحاجيات المعيشية في ظل تدهور العملة السورية والارتفاع الجنوني للأسعار في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، كما تقول.
من جانبه، يبيع “محمد” -النازح من مدينة خان شيخون جنوب إدلب- حصته الإغاثية من منظمة “الهدف” كل شهر لأحد التجار في شمال إدلب بـ20 ألف ليرة سورية (7.25 دولارات)، في حين تتسلم “فاطمة شيكا بقيمة 45 دولارا شهريا من منظمة “الناس” (people) لصرف مواد غذائية من أصحاب المحال التجارية لتبيعه لهم بمبلغ 40 دولارا فقط، على اعتبار أن التجار المتعاقدين مع هذه المنظمة يضاعفون الأسعار في غياب الرقابة، بحسب ما تقول فاطمة.
وأكد عدد كبير من مستلمي الحصص الإغاثية في جميع المحافظات السورية لمعد التحقيق أنهم يبيعون حصصهم لعدم حاجتهم إليها، لأنهم يحصلون على حصة أخرى من المنظمة ذاتها أو من منظمة أخرى تحتوي على مكونات الحصة الإغاثية ذاتها.
آثار سلبية
وبشأن هذه الممارسات التي تحف عملية توزيع المساعدات الإنسانية وآثارها، يقول مدير منظمة “منسقو استجابة سوريا” محمد حلاج إنه لا يمكن إنكار الفساد المتفشي في منظمات المجتمع المدني العاملة في سوريا، وهو يتراوح بين الفساد الإداري عبر المحسوبية وتوظيف الأقارب والأصدقاء دون اعتبار للكفاءة والنزاهة، وبين الفساد الإغاثي أو ما يعرف ببيع المساعدات الإنسانية.
وأشار إلى أن “بيع المساعدات لا يمكن إثباته بالدليل القاطع، ولكن يمكن أن يلحظ وجود هذه المساعدات معروضة في الأسواق المحلية وعند تجار المواد الغذائية في كافة المناطق السورية”.
ويضيف حلاج أن بيع المساعدات يؤثر سلبيا على المواطنين بحرمانهم من المواد الغذائية اللازمة، كما أنها توزع لعائلات ليست في حاجة إليها وفق تقييم الاحتياجات الإنسانية فتقوم ببيعها.
في المقابل، توجد عائلات ومناطق ومخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة ولا تصلها المواد الإغاثية، وفق حلاج الذي يؤكد أنه لم يتم تقديم أي معونة لها طوال السنوات الماضية، وبقيت مهمشة من قبل بعض المنظمات الإغاثية لكونها بعيدة عن موقعها الجغرافي.
وأشار حلاج إلى أن هناك مساعدات توجه إلى أطراف عسكرية، وهذا ما لمسناه أكثر في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وتوجد صور تثبت أن النظام يستعمل المساعدات الإنسانية غير المخصصة للاستخدامات العسكرية أو البيع لتموين مقاتليه وجنوده، وهو ما ينم عن حجم الفساد الكبير في تلك المناطق، على حد تعبيره.
إغاثة من نوع آخر
وعلى الرغم من فساد بعض موظفي منظمات المجتمع المدني وتكسّبهم من بيع المساعدات الإنسانية في الأسواق المحلية والبسطات العشوائية فإن هذا الجانب كان إيجابيا للكثير من المدنيين في المناطق السورية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي بينهم، حيث لجأ الكثير منهم لشراء ما تحتويه السلال الغذائية الإغاثية لرخص ثمنها مقارنة بالمواد المستوردة.
ويقول “أبو سالم محمد” -وهو من أهالي مدينة سلقين التابعة لمحافظة إدلب، ويتقاضى ما يعادل دولارين مقابل عمله ساعات طويلة يوميا- إن هذا المبلغ لا يكفيه لشراء الخبز، وهو يشتري حاجياته المنزلية (الزيت والمعلبات والأرز والطحين والبرغل والعدس) والكثير من المواد الأخرى من التجار الذين يعيدون بيع مواد الإغاثة بسعر لا يتجاوز 10 دولارات، في حين لن يكفيه مبلغ 50 دولارا لشرائها من المحلات الأخرى.
وبحسب إحصاءات وكالات إغاثية تابعة للأمم المتحدة (برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية)، فإن أكثر من 9.3 ملايين شخص في سوريا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، حيث حذرت من مواجهة أزمة غذاء غير مسبوقة في البلاد، خاصة بعد تفشي فيروس كورونا فيها.
وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من 6 ملايين لاجئ ومهجر داخليا، أغلبهم موزعون على منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي الخاضعتين لسيطرة المعارضة المسلحة، حيث يقطنون في مخيمات يبلغ عددها نحو 1277 مخيما، بينها 366 مخيما عشوائيا.
وبالإضافة إلى الخلل في توزيع المساعدات الإنسانية في بعض المناطق في سوريا، وتقييد وصول الإغاثة في مناطق أخرى -وهو ما عبرت عنه منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة الأمم المتحدة أكثر من مرة- فإن وقوع جزء كبير من هذه المواد الإغاثية تحت رحمة السماسرة والتجار وموظفين ومراقبين فاسدين -كما كشف هذا التحقيق- يحرم الكثير من السوريين الأكثر احتياجا منها، ويعرقل أهداف المنظمات الإغاثية.
المصدر _ الجزيرة