تلوح تركيا بتنفيذ عمليات عسكرية جديدة في شمالي سوريا لـ”ضمان الأمن” على حدودها الجنوبية، بالرغم من وجود روسي وأمريكي في المنطقة، ومع الرفض الأمريكي للعملية، يبدو الموقف الروسي ضبابيًا حيال العملية العسكرية المرتقبة.
وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مواصلة بلاده التحضيرات لاستكمال الخط الأمني في الجنوب التركي، وقال إن تركيا مزقت الممر الإرهابي المراد تشكيله على حدودها الجنوبية عبر عملياتها السابقة، وتحضر لتنفيذ عمليات جديدة.
وأضاف، “المنطقة الممتدة بعمق 30 كيلومترًا بمحاذاة حدودنا الجنوبية هي منطقتنا الأمنية ولا نريد أن يزعجنا أحد هناك، ونقوم بخطوات في هذا الخصوص”، وذلك خلال كلمته في اجتماع تشاوري لحزب العدالة والتنمية، في 4 من حزيران الحالي.
بينما حذرت الولايات المتحدة الأمريكية تركيا، على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، من هجوم عسكري في سوريا قائلًا إنه سيعرض المنطقة للخطر.
وحضّ تركيا، الدولة الحليفة للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي وضع عام 2019، واصفًا العملية العسكرية التركية، “إنه أمر نعارضه”، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للناتو في 26 من نيسان.
ولم يتّخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موقفًا إيجابيًا أو سلبيًا من العملية التركية، وذلك خلال مكالمة هاتفية جمعته مع الرئيس التركي، في 30 من أيار، حين أوضح أردوغان أن إنشاء “منطقة آمنة” على الحدود الجنوبية لبلاده بعمق 30 كيلومترًا بات “ضرورة ملحة”.
فيما ظهر الموقف الأخير الروسي ملتبسًا، إذ صرح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن روسيا ستجري اتصالات مع نظرائها في تركيا حول موضوع العملية العسكرية الجديدة.
وطلب بوغدانوف “عدم الانخراط” في وضع تكهنات حول موضوع العملية العسكرية قبل الاتصالات، التي ستكون عبر زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف ووفد مرافق له في 8 من حزيران المقبل، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك“، في 2 من حزيران.
موافقة ضمنية لخلق اصطدامات
أصبحت روسيا وتركيا في وضع غير متكافئ في الشمال السوري، فانخراط موسكو في معركتها بأوكرانيا، جعل من الأولويات الروسية تجنب تصعيد ميداني جديد، يُفضي إلى سحب قوات عسكرية، مع الأخذ بعين الاعتبار مراعاة العلاقات مع أنقرة، بحسب تقرير نشره موقع “أوراسيا ديلي” الروسي، في 26 من أيار.
ووضع الموقع عدة سيناريوهات للاستجابة الروسية على العملية التركية المُزمع حدوثها، أولها أن تسعى موسكو إلى التوصل لاتفاق مع أنقرة يُعدل الأخيرة عن قرارها، وهو ما عدّه الموقع “الخيار الأمثل لموسكو”، بالرغم من ثمنه المتوقع المرتفع بالنسبة لروسيا، فقد تطالب تركيا بأفضليات تجارية واقتصادية قد تشمل موارد الطاقة والحبوب، أو الحصول على دور أكبر في الأزمة الأوكرانية.
ونقلت صحيفة “ازفيستيا” الروسية، في 26 من أيار، عن النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما (البرلمان الروسي)، فلاديمير دجباروف، أنه على الرغم من أن تركيا تخرق اتفاق عام 2019 مع روسيا، يرى مجلس الدوما أنه من الممكن معالجة المسألة بالحوار.
وتوقع الموقع الروسي أن سيناريو مبادلة جبل الزاوية في إدلب مقابل السماح بهجوم الجيش التركي على المواقع الكردية “محتمل جدًا”، إذ من المهم لتركيا، أن تحصل مقابل منطقة جبل الزاوية على إمكانية توحيد كل المناطق الخاضعة لها في منطقة واحدة.
تفكيك أراضي “الإدارة الذاتية” من خلال عملية جديدة تركية يجعل الإدارة “أكثر تجاوبًا” في المفاوضات مع النظام السوري، لكن هذا السيناريو كان محتملًا أكثر قبل انطلاق الحرب في أوكرانيا، بحسب الموقع، أما الآن، فإن تركيا في وضع يسمح لها بوضع شروط أفضل أمام روسيا.
أما السيناريو الذي يراه الموقع “الأكثر واقعية” بالنسبة لروسيا، أن تترك العملية التركية من دون رد، وهو ماقد يضرب سمعتها، لكن يمكنها من استخدام الموقف لإقناع “الإدارة الذاتية” بالتفاوض مع حكومة النظام، كما لن تضطر موسكو إلى تقديم تنازلات لأنقرة.
ويتفق مع هذا السيناريو المحلل السياسي السوري المختص بالشأن الروسي، محمود حمزة، إذ يرى أن تركيا ستنفذ عمليتها العسكرية كما خططت، دون أن تقف روسيا بوجهها، وأن التصريحات التي يدليها المسؤولون الروس حول العملية هي “لحفظ ماء الوجه”.
وتوقع حمزة، في حديثه لعنب بلدي، حدوث “تفاهم أو صفقة” بين الرئيسين الروسي والتركي خلال اتصالهما الأخير، وذلك لأن روسيا لا تريد أن تضحي بعلاقاتها مع تركيا من جهة، ورغبة روسيا في “خلق اصطدامات محتملة” بين تركيا وأمريكا بعد انسحابها من شمال شرقي سوريا من جهة أخرى.
ويرى حمزة أنه لا قدرة لروسيا على مجابهة التدخل العسكري التركي، وسط استحالة فتح جبهتين في سوريا أوكرانيا، لذا يمكن أن يكون الصمت الروسي على العملية “تحصيل حاصل”.
ما الدوافع التركية؟
يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التركية الألمانية، أنس بايراكلي، أن الهدف الرئيسي للعملية التركية هو إقامة “منطقة آمنة” للاجئين السوريين في شمالي سوريا، من أجل البدء في عملية إعادتهم، إذ أصبحت قضيتهم مهمة في تركيا على خلفية الانتخابات الرئاسية لعام 2023، بحسب قوله لصحيفة “ازفيستيا“.
وبحسب دراسة لمركز “جسور للدراسات”، فإن دعم خطة إعادة اللاجئين، تبدأ من إخراج “قوات سوريا الديمقراطية”(قسد) من مدن تل رفعت، ومنبج، وعين العرب/ كوباني، وهو ما “يُشجع” على عودة عشرات آلاف المهجرين إلى منازلهم “بشكل طوعي”.
وتأتي أيضًا العملية التركية من رغبة تركيا بالتخلص من التهديدات الأمنية التي تُشكل خطرًا على مواقعها العسكرية في سوريا، واستكمال جهود حماية الأمن القومي بتحييد خطر “حزب العمال الكردستاني” عن حدود تركيا الجنوبية، والذي ما يزال يُشكل تهديدًا رغم العمليات الجوية والدوريات المشتركة التي تُنفذ، في ظل عدم التزام الولايات المتحدة وروسيا بتعهداتهما لتركيا، بحسب الدراسة.
ويمكن للعملية العسكرية الجديدة، بحسب “جسور” أن تجلب أيضًا مزايا محلية لتركيا، التي تواجه أزمة اقتصادية مستمرة، لا سيما أن العمليات السابقة قد حظيت بدعم واسع النطاق وجددت ثقة الشعب التركي في حكومته، إذ يمكن أن تمنح أردوغان مع اقتراب الانتخابات الدفعة اللازمة مع تصاعد المشاعر المُعادية للاجئين.
المصدر: عنب بلدي