تاريخياً تتشابه الحالة اللبنانية والسورية، بل تكاد تكون متطابقة فإذا علمنا أن كلا الجمهوريتين حديثتا عهد ولم يصل عمرهما إلى مائة عام ، وأنهما كانا يشكلان وحدة جغرافية وسياسية، وان فصلهما كان برغبة دولية استعمارية، حينها فقط نستطيع القول بأن التشابه بين البلدين يكاد يصل حد التطابق.
بالإضافة لتشابه الجغرافيا والجيوبولتيك وطريقة تعاطي النخب السياسية هناك تشابه آخر بالمصير المشترك وتأثير ما يحدث في كلا البلدين على الآخر.
هذا التشابه استمر لعقود من الزمن اتسمت بالندية السياسية والتعاون حتى وصول حافظ الأسد للسلطة، حيث تحولت تلك العلاقة إلى محاولة سيطرة من قبل النظام السوري مستغلاً حالة الاحتراب والإقتتال اللبناني، والذي كان للنظام السوري دَوراً هاماً في تأجيجه وإذكاء جذور الحرب الأهلية فيه، والتي استغلها النظام السوري للتدخل في لبنان تحت غطاء عربي، إذ حاول العرب الهروب من فشلهم في لبنان بقبول دخول الجيش السوري إلى لبنان وبالتالي تحولت العلاقة السورية اللبنانية من الندية لعلاقة تبعية.
خلال سنوات نفوذ النظام السوري في لبنان خلق الأخير شكلاً من الحياة السياسية تنسجم مع بقائه لفترة طويلة، وكان اتفاق الطائف هو أحد هذه الأشكال إضافة لإيجاد شبكة من العلاقات والمصالح مع عدد من القوى المحلية.
إلا أن التدخلات الإقليمية ومحاولات مد النفوذ والصراع الإقليمي، والذي كان لبنان أحد ابرز محطاته، وكذلك التدخل الأمريكي والاوروبي فرض وقائع جديدة على الوضع في لبنان أبرزها قضية الوجود السوري فيه، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وعبر مجلس الأمن ونتيجة للمتغيرات التي أعقبت إغتيال رفيق الحريري، والتي أفرزت نوعاً جديداَ من الاصطفاف، جعلت الصراع يبدو واضحاً بين محور يتبع لإيران ويرتبط بالنظام السوري وآخر أقرب للمحور الخليجي المناهض لإيران وإن كان بصورة أقل إرتباطاً بحليفه من المحور الأول.
السبب الرئيس لهذا الواقع كان الممارسات الخاطئة التي قام بها النظام السوري بعد وصول بشار الأسد للحكم، والذي لم يراعي حساسيات وتوازنات القوى في المنطقة العربية وفي لبنان خاصة، فانخرط بالصراع بشكل مباشر، ولعل اغتيال رفيق الحريري كان القشة التي قصمت ظهر النظام السوري في لبنان وتسببت بخروجه، هذا التداخل غير المحسوب العواقب جعل النظام السوري الطرف الأكثر خسارة، خاصة بعد الاصطفاف الدولي الأمريكي الأوربي / تقود فرنسا الحراك الأوربي في لبنان / والتي حاولت إعادة التَوازن إلى لبنان، لكن ماحدث في العراق والتمدد الإيراني في المنطقة خلق ظروف ومعطيات جديدة تسببت بوصول المحور المدعوم إيرانياً إلى الحكم في لبنان، مما أنذر بتجدد الصراع في المنطقة خاصة بعد إنطلاق الثورة السورية وفشل لبنان في تطبيق سياسته التي أعلن عنها بالنأي بالنفس، والتدخل المباشر لحزب الله في سوريا ومن ثم وصول حليفه ميشال عون للحكم، كل هذه التراكمات كانت تنذر بحراك لبناني شعبي خاصة بعد حالة الركود الاقتصادي وتراجع سعر صرف الليرة وانتشار البطالة وتراجع معدلات التنمية والتدمير الذي لحق بالبنية التحتية دون القدرة على إصلاحها،
كل هذه الأسباب إضافة لتراكمات كثيرة أبرزها عدم قدرة القوى السياسية الوصول إلى صياغة نظام سياسي قوي بعيد عن تجاذبات النفوذ والمحاصصة، وسيطرة حزب الله أدى لحراك الشارع اللبناني والذي غذته كثير من التعديات على حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع ظهَور عدد من المشاكل كان آخرها وأبرزها انفجار مرفأ بيروت والذي قطع ربما آخر حبال الأمل بالتغيير الذي وعدت به القوى السياسية، لتبدو وعودها بالتغيير تشبه الوعود التي اطلقها بشار الأسد غداة إنطلاق الثورة السورية إلا أنه لم ينفذ أي شيء منها وكانت كذر الرماد بالعيون، وكذلك طالما أن الصراع والإنقسام والمحاصصة تسيطر على الحياة السياسية اللبنانية وطالما أن هناك نفوذ ودعم واضح لمحور يشكل دولة داخل الدولة فإن أي وعود بالإصلاح ستذهب أدراج الرياح مع أول اختبار حقيقي لها.
فراس علاوي_ الخبر