يعاني الاقتصاد السوري من حالات تخبّط مستمرة؛ حيث فقدت الليرة نحو 11 بالمائة من قيمتها منذ مطلع العام الحالي، بعد خسارتها 44 بالمائة من قيمتها العام الماضي، وسجل سعر صرف الدولار، أول من أمس، في حلب، 1050 ليرة للشراء و1060 للبيع في السوق السوداء، حسب موقع الليرة اليوم، في وقت لا يزال البنك المركزي يحدد سعر الصرف بنحو 438 ليرة.
وتقول إحصائيات الأمم المتحدة إن المصرف المركزي يحتاج إلى 250 مليار دولار لسد العجز الحالي وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
وقد انعكس تدهور قيمة الليرة على حياة السكان في مختلف المناطق، الأمر الذي ينذر بتفاقم الأوضاع على مختلف الأصعدة الإنسانية والاقتصادية، حسب مراقبين.
البيع بالدولار
إزاء الواقع المرير، يعيش السوريون وضعا مأساويا جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في الأسواق، وتقلّب أسعارها بين الحين والآخر، نتيجة الانهيارات المتلاحقة في قيمة الليرة، إذ عمد بعض التجار إلى تسعير السلع بالدولار بدلاً من الليرة السورية، بحسب ما أكد صاحب أحد المتاجر، السيد خالد، الملقب بـ “أبو أحمد”.
ويقول أبو أحمد لـ”العربي الجديد”: لم يعُد باستطاعتنا بيع بضائعنا بالليرة السورية، لا سيما أننا ندفع قيمة هذه المواد بالدولار، وعدم استقرار سعر الصرف، وهذا ما يزيد الخوف من الخسارة، لذا يتوجب علينا التعامل بالدولار بدلا من الليرة، وحتى لا يعتقد المستهلك أن رفع الأسعار بناء على رغبة البائع”.
وأصيبت حركة الأسواق بالشلل لعدم قدرة السكان على التسوق والشراء، حسب التجار. وبات السوريون على وشك التعرض لكارثة إنسانية ومعيشية إضافية، إذ يواجهون حربا لتأمين قوتهم اليومي.
يقول “أبو محمود” من أبناء مدينة الباب في ريف حلب الشرقي: “لم نعد نعلم هل الشارع السوري هو من تأثر بالعقوبات الاقتصادية، أم النظام”.
ويضيف، في حديث مع “العربي الجديد”: “الأجر الذي أتقاضاه لقاء يوم عمل كامل، هو 1500 ليرة، وهذا المبلغ البسيط لا يتيح إمكانية شراء ربطة خبز وكيلو أرز، لم نعد قادرين على شراء المواد الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، فوصل سعر طبق البيض إلى 2000 ليرة، فيما وصل سعر ليتر الزيت إلى نحو 1500، وكيلو الأرز إلى 1000، وضع صعب نعيشه اليوم، وليس من حل في الأفق”.
وتمنّى أبو محمود “لو كانت العملة المتداولة في الأسواق ليست الليرة، لأنه يرى أن التعامل بأي عملة أخرى سوف يخلّصهم من معضلة انخفاض قيمة العملة المحلية”.
تحرك النظام بلا جدوى
وفي مواجهة انهيار قيمة الليرة؛ قام النظام السوري بإجراءات عديدة منها تشديد العقوبات على المضاربين في العملة، إذ أصبحت عقوبة من يتعامل بغير الليرة السجن مع الأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات ومصادرة الأموال المتعامل بها، فيما كانت العقوبة في السابق من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. كما زعم النظام توفير الدولار للمستوردين بـ700 ليرة.
ويرجِع المختص بالشأن الاقتصادي، سمير طويل، الانخفاض في قيمة الليرة السورية، إلى العقوبات المفروضة على النظام السوري، قائلا: “الميزان التجاري في سورية خاسر، ومعدل التضخم وصل إلى 85 بالمائة، حسب تصريح المصرف المركزي. وقانون قيصر الذي يقضي بفرض عقوبات اقتصادية على النظام في سورية، ومن يتعاون معه، سواء بصفة أشخاص أو شركات أو حتى حكومات، أفقد الليرة ما يقارب نصف قيمتها”.
وأوضح طويل لـ”العربي الجديد” أنه يضاف إلى الأسباب التي أدت إلى انخفاض قيمة الليرة، الأزمة الأخيرة في لبنان وإيران، وعدم قدرة النظام السوري على نقل ما تبقى لديه من احتياطي العملة الأجنبية هناك إلى البنك المركزي في سورية، في ظل تخوّفه من أن تصيب العقوبات الاقتصادية بنك لبنان”.
وأضاف: “النظام السوري اليوم عاجز عن إعادة الليرة إلى سابق عهدها، لكنه يحاول من خلال هكذا مراسيم إقناع الشارع بأنه ممسك بزمام الأمور، وأنه قادر على تصحيح الوضع وإعادة الاستقرار الاقتصادي، وأطلق حملة “ليرتنا عزتنا” للترويج لذلك”.
صعوبة التحويل
أغلق المصرف المركزي 14 شركة صرافة، بحجة أنها لا تدعم الاقتصاد المحلي، أو بتهمة التعامل مع منظمات إرهابية، لأنها تقوم بتحويل هذه المبالغ إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ما دفع العديد من الشركات الأخرى إلى إغلاق مكاتبها خوفا من الخسارة.
من جهته، يشرح صاحب أحد محال الصرافة في مدينة إدلب، حازم صلاح، خلال حديثه مع “العربي الجديد”، أن “تقلّب سعر الصرف يمنعنا في بعض الأحيان من القيام بعملية بيع أو شراء العملة، خوفا من الخسارة، وهذا ما تسبب في حالة جمود”.
ويضيف “كانت هناك تقلبات كبيرة في الفترة الماضية والتي ضاعفت قيمة الدولار، فكان سعر الصرف 530 ليرة، بينما حاليا وصل إلى 1060. أتمنى، كما باقي فئات المجتمع، أن يثبت سعر الصرف لتنتعش الأسواق من جديد”.
ويتابع: “قيام المصرف المركزي بإغلاق شركات الصرافة الواقعة في مناطق سيطرة النظام أعاق عملنا، فلم نعد قادرين على التحويل إلى هذه المناطق، ومعظم زبائننا لديهم عائلات هناك. كان لدينا فرع في محافظة حلب وآخر في دمشق، لكن شركائي باتوا يخافون من أن يصيبهم بطش النظام”.
أما محمد الشيخ علي، الذي يعمل في الوساطة العقارية بمدينة إدلب، فيقول لـ”العربي الجديد”، إن الطلب على العقارات يشهد كسادا كبيرا، بعد تهاوي الليرة، وكان العام الفائت يشهد حركة فعالة، إذ كان الطلب جيدا”.
ويلفت إلى أن انخفاض سعر الصرف أفقد العقار نصف قيمته، ما دفع الملّاك إلى طلب سعر يزيد على الأسعار الرائجة.
المصدر:العربي الجديد