قلق الجندر: النسوية وتخريب الهوية” كتاب صدر حديثاً عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن “سلسلة ترجمان”، وهو ترجمة لكتاب المؤلفة جوديث بتلر.
الكتاب الذي جاء في 340 صفحة (ترجمة فتحي المسكيني) يسلّط الضوء على أهم الفرضيات النظرية التي تقول بوجود هوية نسوية، متحدياً الفرضيات التي تفصل بين الجنس والجندر، والتي تقول بأن الجنس بيولوجي، أما الجندر فهو بناء ثقافي. إذ تؤدي هذه التفرقة إلى حدوث انفصام في مفهوم يفترض أن يكون واحداً.
كما يسعى الكتاب إلى الكشف عن الطرق التي من خلالها يكون التفكير نفسه في ما هو ممكن في الحياة الجندرية ممنوعًا، وإلى تقويض أي خطاب لنزع المشروعية عن الممارسات الجنسية والجندرية الخاصة بأقلية ما، على الرغم من أن هذا لا يعني أن ممارسة الأقليات كلها ينبغي التغاضي عنها أو الاحتفاء بها، بل “علينا أن نكون قادرين على التفكير فيها قبل الإقدام على أي نوع من الاستنتاجات حولها”.
في الغرب، يرى كثيرون أنّ في الكتاب “تدخلًا” استفزازيًا في النظرية النسوية، يستشهد به باعتباره من النصوص التأسيسية لنظرية “الكوير”، على الرغم من أن المؤلفة تؤكد أنها تسعى من خلاله إلى إحداث مراجعة نقدية للمفردات الأساسية للحركة النسوية.
ذوات الجنس/ الجندر/ الرغبة
تعيد بتلر النظر في منزلة “النساء” من حيث هنّ الذات الخاصة بالنسوية، وفي التمييز بين الجنس/ والجندر. وتطرح الأسئلة المركزية عن خطاب الجندر: كيف تبني اللغة مقولات الجنس؟ وهل أن الأنثى The” “Female تقاوم التمثيل داخل اللغة؟ وتسائِل الإطار المفاهيمي لعدد من منظري الجنسانية، تعيد طرح أسئلة فيما تختلف مع مقاربة مونيك فيتيغ Monique Wittig؟
كيف تنتج اللغة ذاتها هذا البناء التخيّلي للجنس الذي يسند هذه الأنظمة المختلفة من السلطة؟ وفي نطاق لغة قائمة على الجنسانية الغيرية الإجبارية، أيّ أنواع من الاستمرارية يُفترَض أن توجد بين الجنس والجندر والرغبة؟ وهل هذه المصطلحات منفصلة؟ وأيّ أنماط من الممارسات الثقافية من شأنها أن تنتج الانقطاع والنشاز التخريبيين ما بين الجنس والجندر والرغبة، وتضع العلاقات المزعومة في ما بينها موضع سؤال؟
في التحريم والتحليل النفسي وإنتاج قالب الجنسانية الغيرية
تقدّم الكاتبةُ قراءة منتخبة للتفسيرات التي أعطتها البنيوية والتحليل النفسي والنسوية عن سفاح المحارم بوصفه الآلية التي تحاول فرض الهويات الجندرية المنفصلة والمتسقة من الداخل في صلب إطارٍ جنساني غيري A heterosexual frame. إن مسألة الجنسانية المثلية Homosexuality هي، في بعض خطابات التحليل النفسي، مقرونة على نحو لا يتغير بأشكال من اللامعقولية الثقافية Unintelligibility، وفي حالة النزعة السحاقية Lesbianism، بتجريد الجسد الأنثوي من طابعه الجنسي Desexualization.
وقد جرت استعمالات نظرية التحليل النفسي من أجل تفسير مركب “الهويات” الجندرية، عبر تحليل الهوية والتماهي Identification والتنكرMasquerade لدى جون ريفيير Joan Rivière، وفي دراسات أخرى من التحليل النفسي. وما إن يجري إخضاع سفاح المحارم إلى نقد فوكو للفرضية القمعية في تاريخ الجنسانية، يقع الكشف عن البنية التحريمية أو القانونية؛ من أجل أمرين، وهما: أن ننزل الجنسانية الغيرية الإجبارية في نطاق تنظيم Economy جنسي ذكوري، وأن نتمكن من تقديم اعتراض نقدي على هذا التنظيم. هل أنّ التحليل النفسي هو بحث مضاد للنزعة التأسيسية يثبت نوع التعقيد الجنسي الذي يزعزع نظام الشفرات الجنسية الجامدة والتراتبية أم أنه يحافظ على مجموعة غير معترَف بها من الافتراضات حول أسس الهوية التي تعمل لمصلحة تلكم التراتبيات نفسها؟
أفعال جسدية تخريبية
تبدأ بتلر الفصل الثالث من الكتاب بتأمل نقدي في بناء الجسد الأمومي لدى جوليا كريستيفا، وذلك من أجل الكشف عن المعايير الضمنية التي تحكم المعقولية Intelligibility الثقافية للجنس والجنسانية في عملها. وعلى الرغم من أن فوكو قد جُنّد من أجل نقد كريستيفا، فإن فحصًا دقيقًا لعمله سوف يكشف عن لامبالاة إشكالية إزاء الاختلاف الجنسي. لكن نقده مقولة الجنس يقدّم لنا نظرة ثاقبة إلى الممارسات التنظيمية Regulatory لبعض الروايات الطبية المعاصرة المبتكرة من أجل تعيين جنس أحادي المعنى Univocal. إذ تقترح نظرية مونيك فيتيغ ورواياتها “تفكك الأجساد “Desintegration المشكلة ثقافيًا، موحِيةً بأن المورفولوجيا نفسها هي نتيجة خطاطة مفاهيمية مهيمنة.
وينظر المبحث الأخير من هذا الفصل “نقوش جسدية، تخريبات إنجازية”، في حدود الأجساد وسطحها بوصفها أمورًا جرى بناؤها سياسيًا، على نحوٍ يدنو من أعمال ماري دوغلاس وجوليا كريستيفا.
من “الباروديا” إلى السياسة
يمكن أن تُستخدَم الممارسات “البارودية” أو الساخرة من أجل إعادة تنشيط وتوطيد التمييز بين تشكّل مفضل ومطبع للجندر وتشكّل يظهر بوصفه مشتقًا واستيهاميًا، ومحاكيًا Mimeticنسخة فاشلة، إن صحّ التعبير. وبلا ريب، فإن الباروديا أو المحاكاة الساخرة قد استُخدمت من أجل تدعيم ضرب من سياسة اليأس، سياسة تقول بإقصاء في الظاهر لا مناص منه للجنادر الهامشية عن إقليم الطبيعي والواقعي.
حاولت بتلر في كتابها توضيح أن مقولات الهوية التي يُفترَض غالب الأحيان أنها مؤسسة للسياسة النسوية، نعني، التي تُعتبَر ضرورية من أجل تعبئة الحركة النسوية بوصفها سياسة هوية تعمل على نحو متزامن ومسبّق على وضع حدود وقيود للإمكانات الثقافية نفسها التي يُفترَض أن الحركة النسوية تفتح الطريق إليها. ويجب أن تُفهَم القيود الخفية التي تنتج “الجنس” المعقول ثقافيًا، على نحو أقرب إلى البنى السياسية التوليدية منها إلى التأسيسات المطبعة.
المصدر: تلفزيون سوريا