بما أن اللقاءات الجميلة غير المتوقعة التي يحملها العمل الصحفي قد تحولت إلى شغف لدى المصورة الصحفية الألمانية مارلينا وولدتهاوزن التي تعمل لدى صحيفة دي فولكسكرافت الهولندية اليومية، لذا فقد كتبت بعد ترشحها لجائزة سوني للتصوير الضوئي على مستوى العالم لعام 2022، قصتها مع صورة التقطتها للاجئة سورية في ألمانيا، فقالت:
في عام 2015، وصل مليون سوري إلى ألمانيا بحثاً عن بر الأمان، وبعد مرور خمس سنوات، كنت في مهمة ابتعثتني لها الصحيفة التي أعمل فيها إلى مدينة نورمبيرغ الواقعة في الجنوب الألماني، حيث كان علي أن أوثق عملية اندماج اللاجئات في المجتمع الألماني، فكانت تلك القصة من الأمثلة التي نجح فيها كل شيء بشكل مبهر.
عندما وصلت ملك إلى ألمانيا، لم تكن تعرف أي كلمة باللغة الألمانية، وكان من الصعب عليها أن تتعلم، لكنها بذلت أقصى ما بوسعها حتى تتعلم وتؤسس لنفسها حياة جديدة. وبعد مرور خمس سنوات، تخرجت ملك من المدرسة الثانوية، فالتقطتُ لها صورة توثق يوم تخرجها.
كانت تلك هي المرة الأولى التي ألتقي فيها بملك مع أسرتها. حدث ذلك في صيف عام 2020 عندما بدأ التخفيف من عمليات الإغلاق في أوروبا. كانت المدرسة قد شيدت منصة خارج المبنى خوفاً من انتشار العدوى، ثم أخذوا ينادون باسم الطلاب واحداً تلو الآخر ليتسلموا شهاداتهم. كان جميع أفراد أسرة ملك الذين وصلوا إلى ألمانيا موجودين هناك، ولهذا قاموا بتصوير ذلك الحفل وبثه مباشرة عبر الإنترنت حتى يتسنى لأقاربهم الذين ظلوا في إدلب بشمال غربي سوريا مشاهدته.
حدث كل ذلك بعدما حصلت ملك على شهادة الدبلوم، حيث تظهر أمها وهي تصور كل شيء، وشقيقتها وهي تغالب دموعها، إذ من الصعب وصف ما تعنيه تلك اللحظة بالنسبة لهن، بما أن الأقارب الذين ظلوا في إدلب مازالوا يعيشون في ظل خطر كبير، ولهذا كان تحقيق هذا النجاح، ومشاركته مع العائلة مباشرة، خاصة أولئك الذين يعيشون في مكان بعيد، أمراً مميزاً جداً.كانت تلك المهمة من المهمات التي توجهت إليها دون أن أحمل توقعات كبيرة، إلا أن الحظ حالفني وعثرت على شخصية استثنائية.
وهكذا أجرينا مقابلة مع ملك قبل الاحتفال، ولهذا عندما قررت التقاط الصورة أحسست بأني فهمت شخصيتها، إذ لن أنسى ما حييت لحظة لقائي بها، عندما كانت ترتدي هذا الثوب الأرجواني الجميل، وتنتعل حذاء فضياً ذا كعب عال، وقد ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها، فقد كانت فخورة بنفسها إلى أبعد الحدود وسعيدة بوجودها في ذلك المكان.
كان من الضروري التقاط تلك السعادة التي تكمن وراءها قوة عظيمة، فقد فرت تلك النسوة الثلاث من سوريا بمفردهن، وأسسن حياة جميلة لأنفسهن، وبعد مدة طويلة انضم إليهن والد ملك وشقيقها الأصغر. ثم إنه من النادر أن تظهر قصص وأخبار حول نساء مسلمات قويات في الإعلام الغربي، ولهذا أحسست بضرورة سردي لقصتهن، إلا أن قصتهن لا تنطبق على الجميع، إذ لم تزدهر أمور أي فتاة كما حدث لملك، وذلك لأن الكثير من اللاجئين السوريين يعانون في رحلة البحث عن عمل، وفي إيجاد موطئ قدم لهم في تلك البلاد، إذ يبدو بأن غالبية الألمان نسوا بأن جزءاً من تلك المشكلة تعود للقوانين والقيود التي تمنع اللاجئين من السفر بحرية.
تمنحني الكاميرا فرصة للقاء الناس وتكوين علاقات معهم، فأنا لا أحب أن أقوم بعملي الصحفي على عجل، ولكن بالطبع، في بعض الأحيان قد لا يتسنى للصحفي الحديث إلى الشخصيات التي تمثل موضوعات لديه طوال سنوات أو متابعة أخبارهم طوال الوقت، ولكني دوماً أجد لنفسي وقتاً حتى أتعرف على تلك الشخصيات قبل أن أقوم بتصويرها، لأني أريد للأمر أن يكون أكثر من مجرد لقاء عابر، وأتمنى أن أكون قد أظهرت ذلك في هذه الصورة التي تظهر لحظة حميمية جميلة تعبر عن قصة أكبر حول العالم بأسره.
بقيت على تواصل مع ملك، وعدت للقائها مجدداً بعد مرور عام على ذلك، فوجدتها وقد أصبحت تدرس الهندسة الطبية، وكانت الأمور صعبة عليها، فقد بدأت الدراسة وسط الجائحة، وهذا يعني أنها لم تلتق بمعظم زملائها وجهاً لوجه، لكني على يقين من أنها ستبلي بلاء حسناً، لأنها شابة مدهشة.
المصدر: غارديان
ربى خدام الجامع _ تلفزيون سوريا