يصرخ اللاعب فراس الخطيب في مقابلته الأخيرة: (لقد شطبوني من اتحاد الكرة لأنني انتقدت شخصيات قيادية، وأنا أكثر من رفع العلم السوري)، وفي التعليقات يرد عليه متابع: (لأنك تخليت عن أبناء وطنك وعائلتك ومدينتك التي دمرها النظام وجيشه)، ومن ثم تركز معظم التعليقات على مواقف اللاعب من الحرب والقتل الذي ما زال منتشراً في البلاد، ومع ذلك يحاول هو وأمثاله تبرير وقوفهم مع النظام في لحظة ما شعروا بها أنه امتلك السلطة من جديد.. لكنهم خرجوا سريعاً لاكتشافهم القدر الكبير من الكذب والهشاشة على أرض الواقع.
سعد مينة الفنان متوسط الموهبة والمتكئ على اسم والده الروائي حنا مينة يهاجم بفجاجة المخرج هيثم حقي ويتهمه بالتطرف
محسن غازي نقيب الفنانين الجديد لا يمانع عودة أصالة نصري إلى سوريا لأن هذا ليس من اختصاص النقابة بل من اختصاص أجهزة أخرى، وهذا ما أثار الجدل بين المؤيدين الذين يرون أنها خائنة لوطنها أولاً، وناكرة جميل ثانياً لأنها لم تكن وفية لروح الأسد الأب الذي أرسلها للعلاج على نفقة الدولة السورية بينما تدين بالفضل والولاء لجنسيتها البحرينية، ووقفت مع ثورة الإسلاميين في بلدها ضد النظام العلماني الذي تغنى به والدها مصطفى نصري.
سعد مينة الفنان متوسط الموهبة والمتكئ على اسم والده الروائي حنا مينة يهاجم بفجاجة المخرج هيثم حقي ويتهمه بالتطرف: (حقي لم يكن معارضاً عادياً بل كان متطرفاً ولم يترك مجالاً للحوار مع الآخر) وذهب إلى التوصيف القاسي حد الشتيمة حيث وصفه بالمدعي والمرتزق والرخيص، وللمتابع البسيط أن يقرر مشاهدة وقراءة مواقف مينة مما حصل في سوريا وموقفه من النظام والمعارضين ليكتشف ببساطة أيّا من الشخصين تنطبق عليه هذه الصفات.
زوبعة أخرى ما تزال تداعياتها حتى اللحظة بسبب الكاريكاتير الذي نشره علي فرزات حول الائتلاف، وجملة الاصطفافات التي حصلت بعده وكم الهجوم من الطرفين واللغة المستخدمة في هذا السجال الذي وصل إلى مستوى يرقى فوقه الشارع، والأدهى المطالبات الفظة من جمهور المتصارعين بأن يتخذ الصامتون موقفاً واضحاً إما أن تكون مع فرزات أو ضده، مع التوافق من الجميع على رداءة مؤسسة الائتلاف وأعضائها.. أي أن المطلوب فقط -في هذه المرحلة الأخطر من تاريخ البلاد- هو الاصطفاف مع الشتائم.
العقلاء انسحبوا من هذا المشهد الفوضوي إلى حيث ما يرون فيه الأمان والملاذ، وعادوا إلى ما يعتقدون أنه يمثلهم، وهنا سنعثر على الصفات الجديدة لكم كبير من السوريين الذين استعادوا حيواتهم.. سنجد الشاعر والرسام والروائي والقاص والصحفي بعد أن كانوا قبل زمن ليس بالبعيد يصنفون على أنهم موالون ومعارضون ورماديون، وستشعر أنهم يريدون أن يكتبوا ويرسموا ويثرثروا دون تلك الألوان السابقة أليس النقاء أن تتحرر من قيود التطرف دون أن تتخلى عن مبادئك وشعبك وهموم الناس؟
وحده النظام بمؤسساته ورؤوسه الكبيرة ينظر نظرة ثابتة إلى السوريين.. فالسوري الجيد هو السوري الميت فقط
فئات أخرى تعتاش على إذكاء الصراع فقد خرجت من عزلتها الفكرية والثقافية بفضيلة غلواء التطرف، ووجدت ألقها في كونها تعشق هذه النار التي لا تنطفئ، وهذا الحقد والقيح الذي لا ينتهي، وهنا ستجد من حولك الصحفي الذي يكتب عن طائفية النظام بلغة طائفية، والكاتب الذي يدعو للحياة والسلام وهو يحض على طرد من بقي من سوريين على أرضهم إلى حيث يعيش ذووهم في دول اللجوء، ومن يرى في روسيا منقذ العالم من سطوة الإمبريالي الأميركي وهو يشاهد عن قرب الطائرات الروسية تدك المدن السورية بالصواريخ.
وحده النظام بمؤسساته ورؤوسه الكبيرة ينظر نظرة ثابتة إلى السوريين.. فالسوري الجيد هو السوري الميت فقط.. السوري الذي يموت ليحيا الكرسي الأبدي، وأما الأرض والبشر والمستقبل والتاريخ والرموز والوطن بمفهومه الأزلي فمجرد تفاصيل صغيرة يمكن إعادة تعريفها حسب توقيت المحتلين.
عبد الرزاق دياب _ تلفزيون سوريا