دار في الأسبوع الأخير حوار صامت بين سوريين وأصحاب أقلام نظيفة عن علاقة روسيا بإيران، ووضع موسكو في سورية.
هذه المقالة مكرّسة لوضع روسيا التي يميل كثيرون إلى اعتبارها قوةً يمكنها فعل ما تريده في سورية، لأنها تضع الجميع أمام ميزان قوىً لا يجاريها فيه أحد، لأنها سبقتهم إلى المعركة، وفرضت قانونها عليها، وليس لهم، أو للشعب السوري، غير الرضوخ لإرادتها، ناهيك عن التصدّي لها وإفشال مراميها.
ليس هذا الانطباع صحيحا لأسباب محلية ودولية، أولها تذبذب مواقف النظام الأسدي الذي أنقذته موسكو، وقيل دوما إنه صار كالخاتم في أصبع بوتين، لكنه شاع فجأة أنه يرفض الاستجابة لثلاثة مطالب روسية: الانتقال السياسي، والدستور، وانتخابات الرئاسة، التي التزمت موسكو بتنفيذها، بعد فشل خطتها الأصلية التي أعلنتها بالتزامن مع غزو سورية، وتمثلت في تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ مرجعيتها بشار الأسد، تعني إقامتها نسف بيان جنيف وخطته للحل، وإلا فالسحق والطحن بالقوة الجوفضائية والحل العسكري، الذي توقف من دون رد كل شبر من سورية إلى سفاحها، وها هي تعهدات الرئيس الروسي بوتين المتكرّرة لم تُعده إلى أكثر من 60% منها، بينما أعلن قبول الوجود التركي في إدلب ومنطقتها.
ومع أن بوتين لم يعلن عجزه عن إخراج واشنطن من شرق الفرات، فإن معظم السوريين يعرفون أنه عاجز، وعاجز كذلك عن منع إيران من اختراق السلطة والمجتمع، وإتاحة فرص تلاعب ومناورات حقيقية لمن أنقذه الجوفضائيون الروس، وينتظرون أوامر الكرملين ليعلموا ما عليهم فعله، في حال اقتحم اللواء المتقاعد بهجت سليمان قاعدة حميميم ودمرها في نصف ساعة، كما كتب مهدّدا سيد الكرملين، إسهاما متواضعا منه في الحرب الكلامية التي نشبت بالواسطة بين الطرفين، وعلى السيد إيفيموف وقفها لتطوير العلاقات الروسية السورية التي ما كانت بحاجة إلى تطوير، لو كانت موسكو تقرّر في دمشق ما تريد ساعة تريد، ومسيطرةً على الأمور بالقدر الذي أوحت به بهدلة بشار في عقر داره، وكان هدفها، في اعتقادي، إيهام الروس بأن مغامرة ” قيصرهم” السورية نجحت وجعلته رئيس أول دولة أجنبية دسها في جيبه الخلفي.
بعد هذه “الإنجازات”، لنمنح الآن علامات لما يستطيعه “القيصر” الخلبي حيال القضايا التالية: إعادة الإعمار = صفر. النفط = صفر. قانون قيصر وتطبيقاته = صفر. المسألة الكردية = حوالي صفر. تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 ببنوده الثلاثة: دوليا = صفر، أسديا من 30% إلى 50%، بما أن موافقة الأسد لا تعني موافقة إيران، وموافقة إيران صعبة المنال. إدلب = صفر، لأن أميركا تعتبر اجتياحها تغييرا في التوازن الاستراتيجي معها في سورية. أما تركيا، فهي خصم وحكم، ولا شيء يعوّض خسارتها وتركها لواشنطن، من أجل ليبيا أيضا.
أخيرا، ماذا لو قال الأميركيون لبوتين: لندع الوضع الراهن على حاله من دون حل، ولتبق في وضعك الجوفضائي، ولتتفضل جنابك بإعادة إعمار مستعمرتك بالتعاون الودّي مع حليفتك المحبة إيران التي تصارعك على السلطة لتقلص حصتك منها، كما على الثروات والجغرافيا والسكان، بينما تنعم بمتاعبك الخاصة ببيع مواد روسيا الخام، وخصوصا نفطها، موردك الرئيس الذي يمكن أن يغريك نقص عائده بالتورّط في المشكلة الليبية، لتضاف إلى “إنجازاتك ” السورية التي ما أن أجريت كلمة الانتقال السياسي على لسانك، حتى هدّدك سفاح دمشق الذي أنقذته بتدمير حميميم على رأسك، فإن دبر أفيموف الأمور، وطوّر العلاقات، شمر عن ساعديك وابدأ ببناء ما دمرته، من دون أن تمتلك ما قد يخرجك من عجزك عن القيام بذلك.
ماذا يبقى لك، سيد بوتين، غير المشكلات مع الذي أنقذته، وحلفائك الإيرانيين، وأصدقائك الأتراك، وأوغاد واشنطن؟
ميشيل كيلو _ العربي الجديد