علاء الدين زيات_ syria press_ أنباء سوريا
في كل مرة تهبط كلمة كوتا على طاولات الحوار، يرتسم لدى المتحاورين رمز كبير لعلامة النسبة المؤية والخيارات الرقمية بين ممكنة ومطلوبة وطموحة، وتسقط أمام سطوة الرقم كل أدوات الاستفهام المعرفية من أمثال كيف ومتى وأين ولماذا.
فلتكن 50% يقول شاب متحمس ما المانع، يجب أن تكون الأمور مناصفة في كل شيء، بالرغم من أن النساء هم أكثر من 50% في التعداد السكاني العام، يورد ذلك في نهاية مداخلته تأكيدا لقبوله التام ب 50% كحد أدنى.
وتتحمس الفتيات بدورهن للكلام، هذا صحيح تقول فتاة في العشرين، لماذا هذا الإصرار على رقم 30%؟ وحتى لو أُردِفت خلفه عبارة نمطية من نوع “كحد أدنى”، على الحد الأدنى أن يكون منصفا هو الآخر!
حتى أن سيدة في الخمسين رغبت أن تصفق لحماس الفتيات وتشجعهن أكثر لكن الكلام انتقل لشابة أخرى، وتطايرت الأرقام في القاعة، في حين بقي السؤال العميق عن (كيف؟) غائبا، هذا لأننا غالبا ما نعالج القضايا النوعية بحلول كمية.
أعتقد أن جوهر الأمر ليس كذلك.
لا أعرف ان كانت النظم المحاسبية تورد مصطلحا يتعلق بالضريبة التصاعدية المضاعفة، مع ذلك فلنورد ذلك على سبيل التشبيه، القضايا المجتمعية المأزومة تمتلك نظاما ضريبيا مضاعفا، عليك هنا دفع ضريبة التخلف القسري، مشكلاته وكبحه للعملية التنموية، ومن ثم دفع ضريبة إزالة هذا التخلف، وان رغبت بإضافة عنصر الوقت وهو أمر لابد له في أي عمليات معالجة، فعليك رؤية المشهد تصاعديا أي كلما تخلفت عن معالجة التخلف سيكون رقمك الضريبي باهظا!!
العنصر المهم في هذه المعادلة المرهقة هو ما يمكن استنباطه من مساطر قياس.
يسأل قارئ فطن هنا:مسطرة قياس؟ ها أنت تحيلنا من جديد لأدوات كمية، فالمسطرة أداة قياس كمية بلا شك، وهذا اعتراض مهم ويجب التوقف عنده.
في المسارات المجتمعية لا تبدو التحولات ذات المدلول النوعي مرئية بطريقة صريحة ومكشوفة، إنها تغلف ذاتها ضمن آليات دفاعية تجاه الوجه السائد الاعتيادي للمجتمع، تتجنبه أحيانا لأن التغيير أمر عسير صعب ومنهك وتقليل عدد الجبهات قد يكون مفيدا، لذلك تنمو تلك الطرق الجديدة من أنماط العيش والتغير في رحم النمط القديم في شراكة عيش مؤقت لولادة قادمة سهلة أو متعثرة أو ربما اجهاضا ونكوص.
رصد هذه الديناميكية ليس كميا، ولكنه قابل للقياس فيما لو أخضعناه لمعايير التقدم المجتمعي، وحتما يمكن لهذه المعايير النامية تدريجيا، والمتراكمة جيلا بعد جيل أن تعد بولادة ما.
مهما كانت ظروف رحم الأم مثالية للعيش لكن تسعة أشهر تستوجب طلاقا بين الكائنين وأحيانا تكفي سبعة.
ونعود للكوتا.. تبدو الفكرة من حيث المدلول تدرجاً يتيح زيادة مساحة الوصول، التأثر والتأثير، وتجنباً لزيادة مساحة المعارضين، وقد يكون ذلك جائزا من وجهة نظر المدافعين عن الكوتا، وهم يسارعون بالرد على منتقديهم حول شروط نجاح ذلك أو الرد على تهمة (وفرنا مساحة ولم نجد مرشحات لشغل تلك المساحة!)كل ذلك يجري الإجابة عليه بمصطلح تحول الى طوطم اسمه “تمكين”.
وبالعقلية الكمية ذاتها، يجري تداول ذلك دون أدوات الاستفهام المشار لها أعلاه، فتكون الحصيلة متدربات وعدد دورات وشهادات مطبوعة بعناية ولوحات تقدير.
كيف يمكن وضع معايير للتقدم المجتمعي نوعية وقابلة للقياس دون أن تتحول الى منجزات ورقية؟
تبدو لي كمهمة تعزيز أولى: تحفيز حوار مجتمعي بين مختلف الشركاء، النشطاء وحاملي التفكير الجديد و الإعلاميين، لأن تأمين إجابة، مبنية على حوارات موسعة، قد تكون بوابة التخطيط لنوعية مختلفة من البرامج، تُسقِط التمكين كشعار، وتجعل بناء كوادر نوعية، عملية حياتية وليست تلقينية.
يلعب البحث التشاركي وعمليات المسح الاحصائي دورا مفيدا في وضع معايير مناسبة للقضايا الاجتماعية، وهي أدوات لا غنى عنها في أي عملية بحثية مهما صغرت أهدافها، لكن المعنى الأسمى للمشاركة هو في تحفيز أصحاب القضية من هنا يكون الأثر النوعي ملموسا ومعيارياً بشكل دقيق وقابلا للمعايرة فيما بعد لإدراك مدى التقدم أو التردي على سلَّم التطور الاجتماعي.
لا تبدو لي الأفكار السابقة كافية للرد على شكلانية التعاطي مع التهميش الطويل للنساء، ولكن لا أظن أن بوابة الكوتا ستكون مخرجا كافياً، وإن بقيت كذلك فالسلبي الناتج – وهو حتما قابل للقياس – لن يتأخر بالظهور وسيمد لسانه هازئا من عقليتنا الكمية.
وعليه يمكنني القول إن الحاجة لاستنباط رزمة متكاملة من الحلول، كمية كانت أو نوعية، تستلزم شرطا أوليا وهو الاقتناع بأن الحلول الناجعة ابنة بيئتها، وابنة أصحاب القضية، وهذه ليست دعوة للقطيعة مع تجارب الآخرين ولكنها دعوة للقطيعة مع فوبيا الخواجة ورفض لاستصغار رؤانا ومنظورنا المعرفي والثقافي.
علاء الدين زيات_ syria press_ أنباء سوريا