يروي فيلم “سوريا: النساء في الحرب” للمخرج والصحفي المغربي كمال رضواني قصة 4 ناشطات سوريات خلال الثورة والحرب السوريتين (2011- الآن)، وهن منى فريج، ومروة طالب، ومنى خايتي، ولبنى القنواتي.
نساء واجهن الألم والخوف والظلم والجوع وقاسين من بطش مختلف القوى المتنازعة على الأرض السورية في أثناء نضالهن من أجل قضيتهن “قضية الحرية والعدالة والكرامة” قبل أن يتمكنّ من النجاة فرارا من بلدهن إلى بلدان اللجوء بعد تصاعد وتيرة المواجهة واتساع رقعتها في مدنهن.
وعبر خطاب سينمائي يتجاوز المادة الوثائقية إلى معانيها وأبعادها الوجدانية، ينجح كمال رضواني في جعلنا نشاهد الفيلم من خلال عيون بطلاته ونستمع لرواية الثورة والحرب من ألسنتهن ليقدم بذلك رؤية جديدة تستعرض دور النساء في الحرب.
الثورة في عيونهن
يبدأ الفيلم بلقطة قريبة جدا لعين أنثوية تموج في داخلها الألوان لنُطلّ من خلالها على مدينة حلب بشوارعها الخالية وأبنيتها المتداعية في مشهد يتسع فيه الدمار على مد البصر.
وعبر عيون لبنى -وهي مصممة أزياء من ريف دمشق- يعود بنا المخرج إلى أولى المظاهرات في مدينة حمص السورية، حيث تقوم المعارضة والناشطة فدوى سليمان بإطلاق هتافات الحرية ومن خلفها الجموع يرددون.
تقول لبنى: “عندما تكونين في المظاهرة تعتريك حالة من النشوة تجعلك تنتقلين إلى مكان كالحلم”.
حلم عاشه ملايين السوريين لأشهر معدودة قبل أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى ما يشبه الكابوس عندما بدأت قوات الأمن السوري بقمع المتظاهرين بطريقة وحشية واعتقالهم من على الطرقات ومن داخل بيوتهم.
تقول عايدة -وهي إحدى المعتقلات في سجون النظام لمدة 9 أشهر- واصفة أصعب لحظات الاعتقال: “تعرضنا للتعذيب بالكهرباء، وكنا مضطرات للتجرد من ثيابنا بشكل كامل أمام السجانين” وتضيف “إن الرجال يعاملون بشكل طبيعي بعد خروجهم من المعتقل، أما النساء فللأسف يعاملن كعاهرات”.
حلم عاشه ملايين السوريين لأشهر معدودة قبل أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى ما يشبه الكابوس عندما بدأت قوات الأمن السوري بقمع المتظاهرين بطريقة وحشية واعتقالهم من على الطرقات ومن داخل بيوتهم.
تقول عايدة -وهي إحدى المعتقلات في سجون النظام لمدة 9 أشهر- واصفة أصعب لحظات الاعتقال: “تعرضنا للتعذيب بالكهرباء، وكنا مضطرات للتجرد من ثيابنا بشكل كامل أمام السجانين” وتضيف “إن الرجال يعاملون بشكل طبيعي بعد خروجهم من المعتقل، أما النساء فللأسف يعاملن كعاهرات”.
قمع واعتقالات واستفزازات أدت إلى انفجار الغضب الشعبي في البلاد وتحول الثورة من سلمية إلى مسلحة، ولجأ النظام إلى سلاح الجو لمواجهة فصائل المعارضة المسلحة، مما أسفر عن مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من المدنيين السوريين نتيجة استهداف الأحياء المدنية في مختلف مناطق المعارضة.
“كيف يمكن للشمس أن تشرق؟ كيف يمكن للأرض والسماء ألا تسقطان في ظل كل هذا الظلم؟” سألتْ خايتي -مختصة طب مخبري من ريف دمشق- مستنكرة حادثة استشهاد أخيها في منزلهم إثر قصف جوي.
هكذا يستعيد كمال رضواني في فيلمه “سوريا: النساء في الحرب” حكاية الثورة السورية التي لا نرى فصولها إلا من خلال عيون بطلاتها، وعن ذلك يقول رضواني -للجزيرة نت- “منذ أكثر من 10 سنوات، رأيت فتيات في سوريا ينزلن إلى الشوارع للتظاهر والمطالبة بمزيد من الحرية والديمقراطية. تصدرت هؤلاء الشابات عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم. تم الترحيب بهن وتشجيعهن. كنت أرغب في العثور عليهن واستنطاق التاريخ من خلال عيونهن، لأنهن في النهاية كنّ أكبر الخاسرات في هذه الثورة”.
مواجهة أخرى
شهد عام 2013 تحولا بارزا في مسار الثورة السورية، حين دخلت خط الصراع المسلح مجموعة من الفصائل الإسلامية المتشددة، وبحلول عام 2014 كان تنظيم الدولة الإسلامية قد سيطر بالكامل على مدينة الرقة شمال شرقي البلاد ليعلنها دولة في خلافته المزعومة.
تحول يرصده الفيلم من خلال قصة منى -وهي ناشطة حقوقية من الرقة- التي شاركت وقادت العديد من المظاهرات المنددة بممارسات التنظيم في الرقة بحق الرجال والنساء والأطفال، تقول منى إن “أصعب ما مر علينا كان هذا التنظيم، لقد غيّر بوجوه الناس وبأحلامهم وغيّر بدواخلهم، وحرم الأطفال من طفولتهم وأقصانا نحن النساء”.
وبعد نشر مقطعي فيديو على الإنترنت تظهر فيهما منى وهي تشارك في مظاهرات تندد بالشرخ الذي يحدثه التنظيم بين مكونات المحافظة (المسيحيين والمسلمين)، تم ملاحقة الناشطة ومداهمة منزلها واعتقال شقيقها لمدة 22 يوما، في حين تمكنت هي من النجاة بصعوبة ووصلت إلى تركيا حيث لا تزال تعيش هناك إلى اليوم.
وعن اختياره قصص هؤلاء الناشطات من دون غيرهن من السوريين والسوريات الذين ناضلوا في سبيل قضيتهم، يقول كمال رضواني -للجزيرة نت- إن “الأفلام التي تحكي عن الحرب هي بشكل عام أفلام يكون فيها الرجل/المقاتل هو العنصر الأساسي في القصة، ويتم تصوير النساء على أنهن ضحايا، وأردت بدوري عكس الأدوار وإظهار أن النساء في الكثير من الحروب هن بطلات أيضا؛ حتى لو كنا نميل إلى نسيانهن”.
الحصار
ومن خلال قصتي خايتي ولبنى، يسترجع الفيلم حصار جيش النظام لمدن الغوطة الشرقية نهاية عام 2013 الذي لم ينته إلا بعملية عسكرية مشتركة بين جيش النظام والقوات الروسية أودت بحياة آلاف المدنيين في الربع الأول من عام 2018.
ويسلّط الفيلم الضوء على واقع حياة المدنيين تحت الحصار في ظل انقطاع المواد الغذائية والاستهلاكية الرئيسية إضافة إلى انقطاع الخدمات الحيوية من ماء وكهرباء والمستلزمات الطبية الأساسية.
كانت لبنى واحدة من اللواتي قدمن المساعدة للمدنيين المحاصرين في مدينتها حرستا في الغوطة الشرقية، تقول لبنى “كان الحصار مذلا ومؤلما وقادرا على إفقادك الشعور بإنسانيتك، وتصبح حربك حربا للحفاظ على إنسانيتك؛ لكي لا تتوحَّش في ظلّ هذه الظروف، فيصبح اقتسام اللقمة مع الجائع أمرا في غاية الصعوبة”.
أما خايتي، التي شهدت الحصار في مدينتها (دُوما) فتقول إن “الحصار مصمّم ليكسرك نفسيا على المدى الطويل، فإما الجوع أو الركوع، وفي الحالتين ستشعر بالذل، لقد كان شعورا مؤلما”.
وعلى الجهة الأخرى من البلاد وتحديدا في الأحياء الشرقية المحاصرة من مدينة حلب يستعرض الفيلم مشاهد من حياة الزوجين حديثي العهد بالزواج -مروة وزاهر- وهما يحضّران وجبة طعام قوامها 300 غرام من الفول المعلّب وبعض أرغفة الخبز البائت، يظهران وهما يحاولان تمييز مكونات الوجبة بضوء هاتف محمول في ظل انقطاع التيار الكهربائي، ومن الخارج يُسمع صوت القصف وإطلاق النار المستمر.
تقول مروة عن فترة الحصار: “لقد كانت فترة قاسية جدا، وأقسى ما فيها أننا لم نكن نعلم ما هو قدرنا”.
عبّرت قصص الناشطات اللواتي تمكن من النجاة بأعجوبة من الحصار في فيلم “سوريا: النساء في الحرب” عن معاناة مئات الآلاف من المدنيين الذين حوصروا في مختلف أنحاء البلاد من قبل قوات النظام السوري لسنوات فيما سمي سياسة “الجوع أو الركوع”.
الأمل دائما
يرفض كمال الرضواني الاستسلام لقتامة المشهد السوري، ويرفض أن تنهزم الحرية أمام الظلم والقمع أو أن ينقطع بصيص الأمل في ثورة كانت غايتها حياة كريمة للشعب السوري في ظل عدالة اجتماعية ونظام ديمقراطي.
رفْض الرضواني يتجلى مع اقترابنا من نهاية الفيلم، حيث تبدو الناشطات وقد تمكنّ من التماسك مجددا بعد كل ما عايشنه من ألم وخوف وظلم خلال سنوات الثورة والحرب.
تمكنت كل من خايتي ولبنى من الخروج من الغوطة الشرقية المحاصرة والوصول إلى بلدان اللجوء في أوروبا، وتزوجت لبنى من رجل يراها بطلة وتعيش معه اليوم حياة سعيدة، وتتابع الناشطتان عملهما من أجل قضيتهما.
أما مروة وزوجها زاهر، فتمكنا من الخروج من أحياء حلب الشرقية المحاصرة في ديسمبر/كانون الأول 2016 بعد اتفاق هدنة مع النظام يقضي بوقف إطلاق النار وإخلاء الأحياء المحاصرة، ورزق الزوجان فيما بعد بطفلين ويعيشان الآن حياة هانئة.
تمكنت منى من الخروج من الرقة بعد مداهمة منزلها من قبل أفراد من تنظيم الدولة الإسلامية، ووصلت إلى تركيا حيث تقوم اليوم بتقديم المساعدة للنساء في الرقة من خلال جلسات تدريبية في السلم والمشاركة السياسية للنساء تقوم بها عبر الإنترنت لتعزيز دور المرأة في المجتمع.
وعن هذه النهاية، يقول الرضواني -للجزيرة نت- “كانت شخصيات فيلمي قوية، لقد عانين أو شهدن على أبشع الفظائع، ومع ذلك لم يستسلمن أبدا، وعلى الرغم من استمرار المأساة السورية فهن لا يزلن يواصلن العمل من أجل سوريا لإيجاد السلام”.
ويضيف “كان الفيلم على صورتهن، وإنه درامي لأن التاريخ السوري درامي، ولكنه أيضا فيلما يترك المجال للأمل لأن تصميم هؤلاء النساء ازداد قوة على الرغم من مضي 10 سنوات على الحرب والمعاناة، ولأن الحفاظ على الأمل هو أيضا البقاء على قيد الحياة”.
شام مصطفى _ الجزيرة نت