تالا الشيخ _ syria press
تتعرض الفتيات القاصرات للابتزاز المادي أو الجنسي، بعد “قرصنة” حساباتهن الشخصية، على مواقع التواصل الاجتماعي، أو إيهامهن بذلك، وتهديدهن بصور شخصية ومقاطع مصورة، ما يدفع بعض ضحايا الابتزاز الالكتروني للرضوخ إلى طلبات المبتز، ومنهن من يلجأن لطلب المساعدة، وأخريات تضيق بهن الدنيا بما رحبت، جراء خوفهن من أهلهن ووصمة المجتمع، فيقدمن على الانتحار.
تفاجأت “مايا” ذات الخمسة عشر ربيعاً، المقيمة بمدينة إسطنبول، بفيديو مسجل لها في مكالمة هاتفية مرئية، عبر برنامج “الانستجرام” مع صديقاتها، دون حجاب، يصلها مع تهديد من شاب، يقول فيه: إن لديه صوراً شخصية، سوف يرسلها لأهلها، وينشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حال لم ترضخ لطلبه بإرسال مبلغ 100 دولار، أو فتح مكالمة مرئية معه.
لم تعرف “مايا”،كيف وصلت صورها والمقطع المصور، إلى الشاب الذي زعم أنه هكر حسابها، على تطبيق “انستجرام” وهاتفها، خاصة أن حسابها مقيد وفيه صديقات مقربات لها فقط، ومع ضغط الشاب، لم تجد “مايا” مخرجاً سوى التفكيربالانتحار، خوفاً من أهلها الذين لن يصدقوا براءتها على حسب قولها.
كشفت نتائج دراسة نشرتها منظمة “عدل وإحسان” في آذار 2022، أن أكثر نمط تتعرض له النساء هو الابتزاز العاطفي/ الجنسي، من خلال تهديد المعنف، باستخدام بيانات النساء الشخصية، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان الخوف والقلق، والتفكير بالانتحار من أكثر الآثار النفسية حدّة عند النساء المتعرضات للعنف الرقمي، وأغلب الحالات استجابت لتهديدات المعنف بتلبية طلباته الجنسية والمادية.
ضحية أو مدانة
يقول الخبير الاجتماعي الأستاذ “صفوان الموشلي“:إن المشكلة المطروحة ذات شقين، الابتزاز، وانتهاك الخصوصية، أما الابتزاز فتنتج عنه رضوض نفسية، وممارسات سلوكية، تختلف بحسب طريقة تعاطي المجتمع مع هذا الابتزاز. هل يبادر إلى إنصاف الضحايا، فيسهل وصولهم للمؤسسة العدلية، وهل يتبع، أو يسبق ذلك، مناصرة الضحية اجتماعيًا، وإدانة سلوكيات الابتزاز، بصفتها تعدٍّ صارخ على حريات هؤلاء الضحايا، أم يتهاون مع هذا التعدي، وينحاز إلى التشكيك في سلوك الضحية، وتخيلها مشاركة في إغواء المجرم.
وقد تتهم الضحية، وفق “موشلي” بعدم التحفظ في ممارسة حريات “غير ضرورية”، ويمكن لهذا الخذلان، أن يصل لحد اتهام الضحية بالإغواء، عن طريق الإهمال، وسيترتب على أي من هذين الموقفين، نتائج سلوكية متنوعة، بحسب تفهم الضحايا، لردود الأفعال تجاه شكواهم، وهو تنوع نلاحظ أنه واسع، كونه مرتبط بتنوع ردود الفعل، وتنوع عتبات الضحايا في الوصول إلى الرضا والانسجام الاجتماعي، وهي عتبات مرتبطة بالمنظومات الأخلاقية الفرعية، إن وجدت بالإضافة لارتباطها بعمر الضحية وجنسها.
يستغل المبتزون المراهقات بشكل خاص، لصغر أعمارهن، وضعف خبرتهن بالحياة، ويجدونهن لقمة سائغة، جراء خوفهن من الأهل ونظرة المجتمع لهن، وهذا ما استغله الشاب “احمد” الذي أبتز “مايا”، حيث اعترف بلقاء معه، بعد إعلامه باتخاذ إجراءات قانونية بحقه، بأنه أقدم على تهديد الفتاة، لإعطائها درساً، رغم عدم معرفته الشخصية بها، لأنها “بنت بلده” كي لا تتهاون باستخدامها لوسائل التواصل الاجتماعي كما يزعم، واعتذر وحذف الصور والفيديو، مدعياً بأنه لم يكن ماضياً في تهديده، وأكد أنه أوهمها بتهكير هاتفها، وأنه فقط هكر حسابها على “انستجرام”، فيما بعد تبين أن حساب “مايا”، في الأصل، هو لصديقة لها استعانت في إنشائه بإيميل خاص بالشاب المبتز، غير واعية لخطورة الموضوع.
مع تطور المجتمع، تتجدد أساليب التهديد والعنف ضد النساء، تقول “هبة عز الدين الحجي“، المديرة التنفيذية لمنظمة “عدل وتمكين” لـ “سيريا برس“، ووفق رؤيتها أن العنف الرقمي تزامن مع ثورات الربيع العربي، التي أدت إلى انفجار تكنولوجي أو ثورة رقمية، وأشارت إلى أن الأمن الرقمي للنساء، من الاهتمامات الأساسية للمنظمة، لأن هناك فجوة جندرية بين النساء والرجال في سوريا، قبل الثورة، حيث كان هناك وصول ضعيف للنساء للإنترنت والأجهزة الرقمية، ومن الملاحظ أن معظم “مقاهي الإنترنت” أو الأماكن التي يتوفر فيها إنترنت كان أكثر مرتاديها من الشباب، وإذا توفر كومبيوتر بالمنزل، غالباً الشاب يعمل عليه وتعود له ملكيته، وهذا يعود لتقسيم الأدوار الجندرية بين النساء والرجال.
وتشير “الحجي”، إلى أن الأسباب السابقة مجتمعة، أدت إلى ضعف معرفة النساء بالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، رغم تواجدهن المكثف على هذه المواقع، إلا أنه دون سلاح يحميهن، ويعزز مهاراتهن باستخدام الأجهزة الالكترونية بأمان، ولذلك فالطريقة الوحيدة للتواجد على الانترنت، بشكل فعال ومحمي، هي تعليم أساليب الحماية، وهذا يتوافق مع قرار مجلس الأمن 1325، الخاص بـ”النساء والسلام والأمن”، والذي يتقاطع مع رؤيتنا، بكيفية تحقيق أمن رقمي للنساء، بأبسط طرق ممكنة لحمايتهن، وهذا ما تحقق من خلال تمكين أكثر من 2000 مستفيدة خلال عامين.
الابتزاز الالكتروني وانتهاك الخصوصية
تنتقل صور النساء الشخصية في مجموعات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون علمهن، وهذا ماجرى مع “سيدرا” حيث أرسلت لها صديقتها صورة تخصها، تناقلها أعضاء مجموعة من الشباب والبنات، على أنها “فتاة سوء”، فسارعت إلى إخبار والديها، وتبين لاحقاً، أن مصدر الصور، موبايل “سيدرا” المباع لأحد المحلات، الذي استرجع صاحبه كل الملفات والصور المحذوفة في الجهاز. حسب قولها.
والد “سيدرا” رفع شكوى إلى الجهات المختصة التركية، مازال يُنظر بها إلى اليوم، وبالمقابل مازالت صورة ابنته تتداول، وهو ماسبب له الحزن والأسى، وقال في حديث إلى “سيريا برس”: “أكثر ما يؤرقني أني لم أستطع حماية سمعة ابنتي، التي تأثرت كثيراً بما جرى، وأصبحت مكسورة الجناح، وتكره الذهاب للمدرسة، وتتجنب الاجتماع مع العائلة والأصدقاء، ابنتي تذبل أمام عيني، بعد أن كانت الضحكة لاتفارق وجهها.
في رأي الخبير الاجتماعي “موشلي”، أن المشاعر المريرة التي يولدها الانتهاك، تتعاظم أثارها النفسية والاجتماعية، كلما كانكبيراً بنظر الضحية، فالانتهاك الذي ينال من الحقوق الشخصية، والتي تشمل كلاً من الصحة النفسية والعقلية، وصون الخصوصية،هو انتزاع لإنسانية الضحايا. إن انتهاك الحريات بالتعدي على خصوصية الفرد،أو حقوقه المدنية، ليست أقل مرارة من اغتصابه ماديًا.
يؤثر العنف على الإنترنت، على صحة المرأة النفسية، حيث أبلغت 35% من النساء في الدول العربية، عن شعورهن “بالحزن والاكتئاب”، وأبلغت 35% منهن، أنهن فقدن الثقة في أشخاص من حولهن، وأبلغت 12% في المئة أن أفكاراً انتحارية راودتهن نتيجة واقعة عنف على الإنترنت، بحسب دراسة للأمم المتحدة، بعنوان “العنف الرقمي ضد المرأة“.
الابتزاز في القانون التركي والدولي
يعتبر المحامي “غزوان قرنفل“، أن مشاركة صور الآخرين أو معلوماتهم الشخصية، على وسائل التواصل الاجتماعي، شكلا من أشكال انتهاك الحياة الخاصة، وهي جريمة إلكترونية، يعاقب عليها القانون التركي، بالحبس والغرامة، التي تصل أحيانا لمليون ليرة تركي، وبدون شك فإن محاولة ابتزاز الآخرين، بمشاركة صور لهم أو فيديوهات أو تسجيلات صوتية أو مرئية، بهدف الحصول على منفعة مادية، أو غير ذلك، يعتبر جريمة الكترونية، تقع تحت طائلة ما ورد في الفقرة ٢ من المادة ١٠٧، من قانون العقوبات التركي.
وأوضح “قرنفل” أن تهديد شخص ما، بالإفصاح عن أمور من شأنها المساس بشرف وكرامة الشخص، بدافع الحصول على منفعة شخصية لنفسه أو لغيره، يوجب العقاب بالسجن، من سنة إلى ثلاث سنوات، وبغرامة قضائية عن ٥٠٠٠ يوم، وهي غرامة مالية بمبلغ يومي يتراوح بين 20 – 100 ليرة يوميا، عن مدة 5000 يوم، وغالبا يحددها القاضي، بـ50 ليرة عن كل يوم، ونوّه أنالتقاط صور للآخرين، في الأماكن العامة، دون موافقة أصحابها،يعتبر انتهاكاً لخصوصية الآخرين، ويعاقب عليها القانون التركي أيضاً.
في سياق متصل، أشار المحامي “مجد الطباع“، إلى أن عرض الصور الجنسية، بشكل فعلي أو من خلال مواقع الانترنت، واستخدام الهكر لسحب صور، والاستفادة منها لاحقاً، بالتهديد والابتزاز، تعتبر مضايقة جنسية، أو تحرشاً جنسياً، وتكون بلا لمس، ويعاقب مرتكبها بالسجن لمدة لا تقل عن شهرين، ولا تزيد على سنتين، وفق المادة 105 من قانون العقوبات التركي.
وأوضح الطباع أن من أشكال جرائم التحرش غير المباشر، التي يعاقب عليها القانون التركي، إرسال التعليقات، (الرسائل أو الصور والفيديوهات) غير المرغوبة، أو المسيئة أو غير اللائقة عبر الإيميل، الرسائل الفورية، وسائل التواصل الاجتماعي، المنتديات، المدونات أو مواقع الحوار عبر الإنترنت. وكذلك المكالمات الهاتفية، أو إرسال رسائل نصية تحمل اقتراحات أو تهديدات جنسية.
يقضي القانون الدولي بمعاقبة المبتزين الإلكترونيين، والحكم عليهم بالسجن، حسب خطورة وحجم الانتهاك، وفق القوانين المرعية بكل دولة، وتبدأ العقوبة بغرامات مالية تعويضية، ودفع تكاليف علاج نفسي للضحية، جراء الضغط النفسي، الذي تتعرض له نتيجة الضغط والابتزاز وانتهاك خصوصيتها، ومعظم البلدان تمنح حقوق الخصوصية لمواطنيها في دساتيرها، ويوجد وراء هذه القوانين الوطنية اتفاقيات دولية، حيث ينص إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، على أنه “لا يجوز لأحد أن يتعرض لتدخل تعسفي في خصوصيته، عائلته، منزله أو مراسلاته ولا لهجمات تطال شرفه وسمعته”.
ونشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1980، إرشادات متعلقة بحماية الخصوصية في أوروبا،“توجيهات الاتحاد الأوروبي لحماية البيانات 1995”، ويعد “نظام الخصوصية 2004″،المعتمد من قبل منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، اتفاقا لحماية الخصوصية لأعضاء تلك المنظمة.
ينصح “قرنفل” كل من تتعرض للابتزاز الإلكتروني، ألا ترضخ له، وبالمبادرة فوراً إلى تقديم شكوى جنائية للنائب العام، بحق الشخص أو مدير الصفحة التي يراسلها منها ويبتزها عبرها،فالرضوخ للابتزاز مرة، سيعقبه سلسلة لا تنتهي من المطالب، والتي ستنتهي بكارثة بحق الضحية.
الأمن الرقمي
إن الأمان عبر الإنترنت، المعروف أيضًا باسم الأمن الرقمي، وفق موقع “مايكروسفت“، عبارة عن ممارسة لحماية المعلومات، والأجهزة والأصول الرقمية للمستخدم. ويتضمن ذلك المعلومات الشخصية والحسابات والملفات والصور وحتى الأموال.
في عام 2018، قام مقرر الأمم المتحدة الخاص، المعني بالعنف ضد المرأة، بتحليل العنف عبر الإنترنت، والعنف الذي تيسره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ضد النساء والفتيات من منظور حقوق الإنسان، وأشار إلى أن العنف ضد المرأة المتصل بالتكنولوجيا، يتفاقم من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل الهواتف المحمولة والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني.
لذلك، من الضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات، لضمان الأمن الرقمي، منها حسب إرشادات “مايكروسفت”، تخزين البيانات المهمة في مكان آمن، وعدم فتح ارتباطات أو مرفقات واردة من مرسل غير موثوق به، وضرورة استخدام كلمات مرور قوية،والمصادقة متعددة العوامل للحفاظ على أمان الحسابات، كما يجب تفعيل كلمة مرور، أو رقم التعريف الشخصي (PIN)، أو مصادقة المقاييس الحيوية، مثل بصمة الإصبع، أو التعرّف على الوجه، من أجل تسجيل الدخول إلى الهواتف المحمولة أوالحاسوب. يمكن أن تكون الأجهزة المفقودة أو المسروقة منجم ذهب للمجرمين، إذا كان بإمكانهم الوصول بسهولة، إلى البيانات من جهاز غير مقفل.
توفر شبكة الإنترنت منصة كبيرة، لإساءة معاملة النساء والتحرش بهن وابتزازهن، وعموماً تنقسم أهداف المجرم الإلكتروني إلى ثلاثة أنواع من الابتزاز، “الجنسي، المادي، المنفعي”،ويحاسب القانون كل من ينتحل شخصية، عبر صناعة حساب الكتروني، وابتزاز الآخرين. لذلك على الفتيات اللجوء للمؤسسات الحقوقية، وجمعيات حقوق الإنسان، التي لها دور واضح في مثل هذه القضايا، وعلى وسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني، التوعية بمخاطر الابتزاز، وما يترتب عليه من مخاطر اجتماعية وقانونية، قد تصل في أحيان كثيرة، للقتل تحت ذريعة جرائم الشرف، أو الانتحار خوفاً من الفضيحة ووصمة المجتمع.
تالا الشيخ _ سيريا برس
‘‘تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR“صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.