عمل المرأة السورية في منظمات المجتمع المدني.. النجاحات والصعوبات

رغم كل التحديات التي واجهتها بسبب الحرب، كان للمرأة السورية حضور لافت في منظمات المجتمع المدني في دول الجوار السوري، أثبتت فيه قدرتها على تحقيق مشاريع فاعلة فكان لها دور حقيقي في عمل المنظمات لا يقل عن دور الرجل.

كسرت المرأة السورية خلال سنوات الحرب، جميع الحواجز التي اعترضتها، ولعبت دورا مهما في الحراك المدني، وأظهرت حرصها على العمل، لاسيما في المجال الإنساني والاقتصادي، وتمكنت من إثبات قدراتها في تغيير نظرة المجتمع إليها.

نقلة نوعية في عمل المرأة داخل المنظمات؟

جمانة هبرة الناشطة في المجتمع المدني، (49 عاماً، رئيسة مجلس إدارة منظمة دعم المرأة) ترى أن منظمات المجتمع المدني بدأت تأخذ شكلها المؤسساتي منذ عام 2014، وتتحول من مبادرات تطوعية خيرية إلى منظمات إنسانية تعمل بحرفية ومهنية وهذا ما اقتضى عمل الحوكمة ونظم السياسات وبناء هيكل تنظيمي متماسك، إذ اعتمدت المنظمات في البداية على الرجال في بناء الأقسام وتطويرها وكان تواجد النساء في مراكز القرار والمراكز المتقدمة محدودا، بسبب شدة المخاطر التي ترافق تنفيذ البرامج الإنسانية.

لاحقا بدأت المؤسسات برأي جمانة تحرص على توظيف النساء لسببين لأن نسب المستفيدين من البرامج غالبيتهم من النساء والأطفال، حيث شهد حضورهن تواجداً لصيقاً من الموظفات إلى جانب المستفيدات، “ثم إن المانحين فرضوا مشاركة النساء في التخطيط والتنفيذ، وكان ذلك وهذا أعطى فرصة للنساء لتكتسب الخبرة وتثبت قدرتها وفعاليتها”.

وتعتبر هبرة خلال حديثها لـ”الحل نت” أن هناك حاجة مستمرة لإعطاء فرص للنساء السوريات اللواتي قطعن شوطا جيدا في التعليم بأن يتم بناء قدراتهن في الإدارة والتخطيط والمراقبة والتقييم في مؤسسات المجتمع المدني.

المرأة السورية والمناصرة

تلك النقلة جاءت عندما تحول عمل ديمة معراوي إلى قسم المراقبة والتقييم وأضحى اسمها معروفا لدى المنظمات وصوتها أصبح مسموعا في الوقت الذي كان يسمع فقط صوت مدراء المنظمات، ومنذ أربع سنوات بدأت نقطة التحول في حياتها حيث عينت مديرة للمناصرة، ولم يكن هذا المنصب مطروقا من قبل المنظمات الإنسانية.

كما تقول مضيفة خلال تصريحاتها لـ”الحل نت” لقد “كنا بحاجة لتعلم ومهارة التحدث عن حقوقنا كسوريين من دون العودة للداعم، أو أي جهة تابعة الأمم المتحدة عن ماهية حقوقنا، مما فسح المجال لبناء علاقات وثيقة مع المجتمع الإنساني التي ساهمت بضبط الميزانيات التي تديرها الأمم المتحدة”، مضيفة “كنت أول سوريّة تتواجد ضمن اجتماعات عالية المستوى”.

وتسهب “بعد عامين وخلال تواصلي مع الأمم المتحدة رشحت سيدات لدخولهن ضمن الاجتماعات التي تعقد من قبل الأمم المتحدة لدخول نساء في هذا الميدان، ومنذ سنة دخلت أربع سيدات لاجتماعات من دون أن يتولين مناصب إدارية. كان دورهن يرتكز حول نقل معاناة السوريين ومطالبهم، وأسست معراوي لوبي مع السيدات لنقاش وحل مشكلات السوريين وعرض مطالبهم ودعمهم مما أعطى ذلك الأثر الإيجابي لكل شخص تعاملت معه” بحسب ما أردفت.

عملت ديمة وهي مهندسة معمارية، بمشاريع لإيواء النازحين في المخيمات والتي تنفذ للمتضررين من الحرب وصممت مشروع بعنوان “عائدون”، كما أسست مدرسة لتعليم الأطفال في مخيمات عرسال ثم انتقلت بعدها إلى تركيا التي تزخر بوجود المنظمات الإنسانية في غازي عنتاب، مما دفعها ذلك للتطوير والدخول في قطاعات العمل الإنساني التي تشرف على الاستجابة الإنسانية شمال سوريا.

لمع دور دينامية الصوت النسوي، في المجال العام الذي كان غالباً حكر على الذكور. حول ذلك تقول سارة العقاب، مديرة جمعية النسوة في إسطنبول، لموقع “الحل نت” أن مساهمة المرأة في صنع القرار كان له منحيين، وفق رأيها، إيجابي وسلبي، إذ تمكنت سارة من إثبات وجودها بنفسها منذ وصولها تركيا وفق ما قالت، بعد أن عانت كثيرا حتى تمكنت من تحويل المحنة إلى منحة استطاعت من خلالها المضي قدما في إثبات وجودها، إذ برز دورها في جمعية النسوة كقيادية بموجب الملفات المهمة المعنية بشؤون المعتقلات والناجيات والأرامل والمطلقات التي كانت تبحث بها.

وتلفت إلى دور مهمش يمارسه الرجل تجاه المرأة في كل ميادين العمل، مشيرة إلى استغلال شديد تتعرض له المرأة في مجال العمل التطوعي لأوقات طويلة بوعود واهية وهدر للوقت، الذي كانت تستطيع به إثبات وجودها في المجتمع بحسب قولها.

ما تمر به المرأة السورية في الظروف الراهنة التي تزداد تعقيداً وصعوبة في ظل ما تعانيه من آثار الحرب أثر بشكل كبير على وضعها وأدائها وتطوير مهاراتها، فهي النازحة واللاجئة والفاقدة لمعيلها والمسؤولة عن رعاية أولادها والباحثة عن فرصة عمل والهاربة من القصف، والحريصة على إثبات ذاتها وتحقيقها في ظروف حياة معيشية قاسية لا ترحم.

قيادة المجتمع المدني

قدمت المرأة دور ريادي في قيادة منظمات المجتمع المدني، فمن ربات المنزل وصولا لحاملات الشهادات الجامعية، جميعهن أسهمن في تطوير وتشكيل هذه المنظومات التي أضحت مرتكزا أساسيا لتشكيل شخصية المرأة التي حرصت على صقل تفكيرها وصهر شخصيتها الضعيفة لتحل محلها شخصية مجبولة بقوة الوعي، مما دفعها لتقديم دور في تصحيح مسارات عديدة للنقابات التي تدرج ضمن حقوق المجتمع، فوجدت المرأة عبر المنظمات المناخ الذي منحها مكانها الصحيح، وباتت تحلل وتقترح حلول للمؤسسات للحد من الإشكاليات.

لا يوجد أدنى شك برأي مارلين السباعي (43 عاما، متخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي)، التي كانت تعمل في المجال الإنساني بأن المرأة لديها من القدرات ما يكفي لجعلها تنجح بكل المجالات وتضيف “لا نستطيع أن نتحدث عن النساء ككتلة واحدة بسبب وجود مجموعة من القيود التي تحد بشكل ملحوظ من وصول النساء للفرص، ومن إمكانية مساهمتها”، معتبرة أن القيود مجتمعية ومالية وقانونية، وأن هناك نساء ظروفها المجتمعية مختلفة عن نساء أخريات فبالتالي يكون وصولها أسهل من غيرها، وعدم قدرتها على الوصول إلى فرصة التعليم بشكل متوازن مع الرجل وصعوبة حصولها على فرصة عمل كالتي يحصل عليها الرجل، وانعدام المساواة بينهما في ميادين العمل بالإضافة للعادات والتقاليد التي تلعب دور كبير بحسب تعبيرها.

ومع ذلك ترى السباعي المقيمة في مدينة اسطنبول التركية، خلال حديثها لـ”الحل نت”، بأن هناك تجارب ناجحة للنساء لكن لا يوجد أريحية لهن في العمل مضيفة “اعتبر نفسي وصلت لحدود قصوى للنجاح لكنني فضلت أن أكون محجمة عن العمل في المجال السياسي بسبب مخاوف من تعاطي البعض مع النساء اللواتي يعملن في المجال السياسي من الإساءات التي يمكن أن تلحق بالمرأة، والمجتمع الذي ينظر لها وفق جنسه فضلا عن أشكال العنف التي تمارس ضدها فقط لمجرد أنها أنثى حتى وإن كانت ناجحة، مما أسفر عن مخاوف تمنعها من الخوض في تجارب قد تكون مهمة لكنها خطيرة” بحسب قولها.

عمل المرأة في منظمات المجتمع المدني حقق حالة تناغم في تبادل المنفعة بصرف النظر عن التفاوت الثقافي بين النساء، الذي كان سببا في تطور مستوى التفكير بينهن، من خلال إدماج المرأة كمكون أساسي في عملية التنمية الملازمة للحرية لدى المنظمات، بعد أن كانت ترزح تحت عقلية وقيود تحررت منها وحجزت مكانة في المجتمع، فالتحرر الفكري والاجتماعي ينقل الفرد إلى مستويات أكثر تطورا وتحررا، فالحرية بمفهومها هي الحرية ذات الأبعاد الثلاثة الأساسية التالية: الحرية من العوز، والحرية من الخوف، وحرية الاختيار والعيش بكرامة. كل هذه الأبعاد تعزز أهمية المساواة وتتناقض بالكامل مع كل الفكر الذي يقوم على التمييز ضد المرأة.

رهام بحري_ الحل نت

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة