عن عمر ناهز 85 عامًا، وفي 23 من آب الحالي، أسُدل الستار عن أبرز الشخصيات القيادية في حزب “البعث” الحاكم في سوريا، ورئيس الاتحاد العام لنقابات العمال السابق، عز الدين ناصر، الذي توفي في جبلة متأثرًا بإصابته بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، بحسب ما نقلته قناة “روسيا اليوم” عن مصادر مقربة منه.
ورغم ثقل ناصر السياسي والاجتماعي، ودوره في توطيد حكم حافظ الأسد في ثمانينيات القرن الماضي، مر خبر وفاته مرور الكرام وبصمت من قبل النظام السوري وحكومته، بما لا يتناسب مع صورة الرجل التي كانت سابقًا.
إذ لم يصدر النظام أي بيان تعزية بوفاة ناصر، كما تجاهل الإعلام الموالي والمقرّب من النظام وفاة ناصر، على الرغم من تسابقه خلال السنوات الماضية إلى نشر كل ما يقوله، باستثناء ما نشرته صفحة “صوت عمالي في الجمهورية العربية السورية” التابعة لـ”الاتحاد العام لنقابات العمال”، التي نعت ناصر كونه ترأس الاتحاد لسنوات طويلة.
كما أرسل الأمين القطري لحزب “البعث العربي الاشتراكي” في لبنان، الوزير عاصم قانصوه، إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، تعزية بوفاة ناصر، واعتبر أنه كان “مناضلًا عنيدًا ورجلًا وفيًا في جميع المهام الحزبية والرسمية التي تولاها بكل جدارة ومسؤولية، ويشكل غيابه اليوم خسارة كبيرة للوطن والأمة”، بحسب تعبيره.
جامع المنصبين
المعلومات عن عز الدين ناصر ضئيلة، إذ لا تتوفر أي أخبار عنه باستثناء خبر تسلّمه رئاسة اتحاد العمال لمدة 26 عامًا منذ 1977 حتى عام 2003، إلى جانب ثقله في حزب “البعث” الحاكم، لكن تمكنت عنب بلدي من الوصول إلى الشخصيات التي كانت على معرفة واطلاع بشخصيته وأهميته في الدولة السورية.
واكتسب ناصر، من مواليد قرية الزويبة في ريف جبلة 1935، قوته من أمرين، الأول كونه ينحدر من عائلة ناصر الحكيم الذي يعتبر من مشايخ الطائفة العلوية الكبار، الأمر الذي أعطاه “مرجعية علوية” وقيمة كبيرة، وأسهم في توسع نفوذه في أثناء حكم حافظ الأسد.
أما الأمر الثاني فهو نجاحه في تطويع اتحاد العمال منذ تسلّمه رئيسًا للاتحاد، إذ بدأ بالصعود في 1973، وتسلّم أمين سر اتحاد العمال، لكن مع بداية أحداث الثمانينيات بين نظام الأسد الأب وحركة “الإخوان المسلمون” عيُّن ناصر في عام 1977 رئيسًا للاتحاد للوقوف في وجه النقابات المهنية التي بدأت بالتحرك قبل إصدار بيانها الشهير في 1980، الذي أعلنت فيه إضرابها، قبل شن حملة اعتقالات وإصدار الأسد مرسومًا، في نيسان 1980، قضى بتخويل مجلس الوزراء إصدار قرار منه بحل النقابات المهنية، لتحلها الحكومة بعد ثلاثة أيام.
“عنب بلدي” تحدثت إلى مصدر شغل مناصب قيادية في الحكومات السورية سابقًا، ومطّلع على دوائر صنع القرار في النظام السوري، تحفظ على ذكر اسمه، وقال إن ناصر بدأ بتشكيل “كتائب العمال البعثية” ليواجه الشعب بالشعب، لأن نقابات العمال تقف بوجه أرباب العمل، لكن دورها تحول إلى هيئات أشبه بأجهزة المخابرات، لتأطير العمال الموجودين في المعامل، ومنعهم من الوقوف بوجه “رب العمل”، وهو الدولة والسلطة.
ولإعطاء ناصر سلطة أكبر، اُنتخب في المؤتمر القطري الذي عُقد في 1980 كعضو قيادة قطرية وعضو القيادة المركزية لـ”الجبهة الوطنية التقدمية” من أجل حكم العمال البعثيين وعمال الأحزاب الأخرى، ليصبح أول شخص يجمع ما بين منصب رئيس منظمة شعبية وعضو قيادة قطرية.
وأُطلقت يده ونجح نجاحًا كبيرًا في تشكيل الكتائب العمالية، وجنّد آلاف العمال ومنحهم سلاحًا لحماية المنشآت، إلى جانب تشكيل دوريات وحواجز مشتركة مع أفرع المخابرات الأخرى، ليصبح الآمر الناهي بقضايا العمال، وتعيين المديرين لأي شركة قطاع حكومي، كما كان قادرًا على تحريك مئات الآلاف من العمال وإنزالهم إلى الشوارع في مسيرات مؤيدة للنظام السوري، ما رفع أسهمه لدى حافظ الأسد الذي قربه وزاد من سلطته، بحسب المصدر.
وريث أطاح به بشار
في أثناء مرض حافظ الأسد ودخوله العناية المشددة، في 1983، ومحاولة أخيه رفعت الأسد السيطرة على الحكم، طُرحت عدة أسماء لتسلم المنصب بدل حافظ، وكان من هذه الأسماء عز الدين ناصر، لكنه رفض وبرأه الأسد من هذه المؤامرة بعد شفائه، بحسب المصدر.
لكن اسم ناصر لتسلم منصب رئاسة الجمهورية عاد مجددًا في عام 2000 بعد وفاة حافظ الأسد، وهذه المرة بقوة أكبر، إذ تهامس شيوخ ومسؤولي الطائفة العلوية، بينهم الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية السورية، علي دوبا، لتسليم عز الدين ناصر بدل بشار الأسد.
وبحسب الدستور السوري آنذاك، كانت شروط الترشح للرئاسة متوفرة في ناصر، إذ كان عضو القيادة القطرية في الحزب، وهو أحد الشروط الرئيسة للترشح، بحسب الدستور، كما كان مقبولًا من شيوخ الطائفة العلوية، إلى جانب تأييد طبقة العمال لديه في مجلس الشعب.
كل هذه الصفات أدت إلى انقسام في الحرس القديم وفي الطائفة العلوية بشأن ناصر، بحسب المصدر، ما خلق صراعًا مع بشار الأسد، الذي أغلق الباب أمامه بعدم التفكير بالرئاسة عبر الإطاحة به من القيادة القطرية لحزب “البعث” في المؤتمر التاسع، الذي عُقد في 17 من حزيران 2000، بعد وفاة الأسد الأب بأسبوع.
وبقي ناصر، الذي وصفه المصدر بأنه “متسلط وفاسد من الدرجة الأولى، واستبدادي ومشارك لتجار دمشق وحلب باستثماراتهم”، عقب ذلك رئيسًا شرفيًا لاتحاد العمال خاصة بعد تعيين وليد حمدون بدلاً منه كرئيس لمكتب العمال القطري، قبل أن يخرج نهائيًا من رئاسة الاتحاد في 2003، ويستقر في ضيعته ويموت فيها دون أي رد فعل من قبل النظام الذي خدمه طوال سنوات.
المصدر: عنب بلدي