جمعت مصالح اقتصادية منتظرة من مشروعي “الحزام والطريق” الصيني، والربط السككي الثلاثي بين سوريا وإيران والعراق، رأس النظام السوري ومسؤوليه مع حلفائه في العاصمة السورية دمشق، في 12 من كانون الثاني الحالي.
تزامنت تحركات حلفاء النظام الاقتصادية للتعاون معه مؤخرًا، مع توقعات الحصول على منافع متبادلة، فبينما ضمّت الصين سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق”، زار وفد حكومي إيراني العاصمة السورية دمشق، والتقى رئيس النظام، بشار الأسد، وعددًا من مسؤوليه، لمناقشة قضايا اقتصادية، أبرزها مشروع الربط السككي الثلاثي.
ووقّع السفير الصيني في دمشق، فينغ بياو، مع رئيس “هيئة التخطيط والتعاون الدولي”، فادي الخليل، مذكرة تفاهم، التحقت سوريا بموجبها بمبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري”، التي تسعى بكين من خلالها لإيصال بضائعها إلى العالم، بينما ينتظر النظام من هذه المبادرة زيادة تعاونه مع شركائه.
تهدف مبادرة “الحزام والطريق” إلى ربط الصين بالعالم، وإيصال بضائعها بأسهل وأسرع طريقة ممكنة إلى جميع قارات العالم عبر طريقين بري وبحري، وتعتمد على إنشاء بنية تحتية بالتعاون مع أكثر من 68 دولة.
فائدة لسوريا بشرط الالتزام الصيني
يرى النظام أن هذه المبادرة ستساعده على “فتح آفاق واسعة من التعاون مع الصين وعدد من الدول الشريكة بالمبادرة في عدة مجالات، منها تبادل السلع والتكنولوجيا ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد، إضافة إلى التبادل الثقافي”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وانضمام سوريا إلى مبادرة “طريق الحرير” الصينية، من الممكن أن يغيّر اللعبة بالنسبة إلى النظام السوري، إذا قررت الصين الوفاء بتعهداتها وتنفيذ التزاماتها، بسبب ثقلها الاقتصادي، بحسب الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في مركز “السياسات وبحوث العمليات” كرم شعار.
وأوضح شعار في حديث إلى عنب بلدي، أن صادرات الصين إلى سوريا تعادل أقل من 1% من حجم الصادرات الصينية إلى العالم كله، أما بالنسبة إلى سوريا فالصين هي ثاني أكبر مصدّر إليها.
وبشكل عام، الصين لديها الكثير لتقدمه إلى سوريا، وفقًا للباحث، على عكس سوريا التي لا تمتلك ما تقدمه للصين، والتي تعاني من عجز تجاري (حجم الواردات أكبر بكثير من حجم الصادرات).
وقال شعار، إن الصين أظهرت اهتمامًا واضحًا بسوريا، ويُلاحَظ ذلك من خلال عدد المرات التي استخدمت فيها حق النقض (الفيتو) لدعم النظام في مجلس الأمن، أكثر من جميع استخدامها لهذا الحق في قضايا منذ أن استعادت الصين مقعدها في مجلس الأمن عام 1971.
أما بالنسبة إلى دعم بشار الأسد للصين، فهو دعم “تجميلي شكلي” وبأمور غير مفيدة سياسيًا وبقضايا ثانوية.
وشدّد الباحث على فكرة استفادة النظام في حال تنفيذ الصين التزاماتها، لأنها ادعت في عدة مناسبات اهتمامها باستثمارات في دول معادية للغرب فقط، بهدف كسب نفوذ أو من أجل التفاوض مع الغرب، كما حدث مع إيران سابقًا.
وأضاف أن الصين تريد إيصال رسالة للغرب، مفادها أنها مهتمة بالاستثمار في سوريا، وإذا لم يرد الغرب هذا فيجب أن يقدم لها شيئًا بالمقابل، بمعنى أن لديها مصالح اقتصادية في سوريا، ولكن يمكن تأجيلها مقابل شيء ما.
عين الصين على “الربط السككي”
في 12 من كانون الثاني الحالي، زار وفد إيراني برئاسة وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، رستم قاسمي، العاصمة السورية دمشق، والتقى الأسد وعددًا من وزراء الحكومة.
وبحث قاسمي خلال الزيارة مع وزير النقل في حكومة النظام، زهير خزيم، سبل تطوير الاتفاقيات السابقة بين النظام وإيران في مجال النقل، منها الربط السككي الثلاثي لنقل الركاب والبضائع بين سوريا وإيران والعراق وبالعكس (التي تبدأ من شلمجة باتجاه البصرة ومنها إلى سوريا)، بالإضافة إلى تعزيز وسائل النقل المختلفة البحرية والبرية والجوية في الاتجاهين.
وبحسب شعار، ستحقق الصين فوائد كبيرة إذا ما تم وصل شبكة السكك الحديدية الثلاثية (إيران، العراق، سوريا)، وهناك جدّية إيرانية في هذا الموضوع، إذ سيتم ربطها بمبادرة “الحزام والطريق الصينية” مع دمشق.
ولا يرى الباحث أن وجود سوريا في مشروع ربط السكك يمثّل أهمية كبيرة، خصوصًا أن شبكة القطارات موصولة بالفعل مع أجزاء من العالم تستهلك بضائع صينية بكثرة (دول أوروبا)، عن طريق شبكة أرضية.
وتهدف إيران من خلال هذا المشروع إلى أن تكون الأسواق العراقية والسورية هدفًا لصادراتها، إذ تنتظر تحقيق مليارات الدولارات من عوائد الترانزيت.
ماذا تنتظر الصين من سوريا؟
يعتبر وصول دمشق الجغرافي الاستراتيجي إلى البحر الأبيض المتوسط، حافزًا جاذبًا لطموحات الصين في مبادرة “الحزام والطريق”.
ترى بكين بلاد الشام عنصرًا مهمًا في الممر الاقتصادي للطريق بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من اعتماد الصين على قناة “السويس” في محاولة لتنويع طرق التجارة، بحسب بحث بعنوان “التنين الأحمر في أرض الياسمين: نظرة عامة على دور الصين في الصراع السوري” صادر في 24 من آذار 2021، عن مركز “السياسات وبحوث العمليات” للباحثين كرم شعار وسامي عقبل.
وقال البحث، إن موانئ سوريا على البحر الأبيض المتوسط في اللاذقية وطرطوس قد تكون خيارات مجدية لمشاريع الاتصالات والبنية التحتية في الصين، التي تهدف إلى ربط البر الرئيس الصيني بأوراسيا.
كما أبدت الصين اهتمامها بإعادة بناء شبكة السكك الحديدية بين طرابلس وحمص، ما يسمح لها بخدمة ميناء “طرابلس” اللبناني الذي من المقرر أن يصبح مركز الشحن الرئيس في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفق البحث.
طريق الحرير
هو مجموعة من الطرق البحرية والبرية المترابطة مع بعضها، كانت تسلكها السفن والقوافل بين الصين وأوروبا لتجارة الحرير والتوابل والعطور.
يبلغ طوله 12 ألف كيلومتر تقريبًا، ويبدأ من المراكز التجارية في شمال الصين لينقسم إلى فرعين: الأول هو الطريق الشمالي عبر شرق أوروبا والبحر الأسود وصولًا إلى مدينة البندقية الإيطالية.
أما الجنوبي فكان يمر عبر سوريا والعراق وتركيا وصولًا إلى مصر والبحر الأبيض المتوسط.
ويغذي الطريقان كلًا من قارة أوروبا والقارة الإفريقية.
طريقان بري وبحري
ينطلق الطريق البري من الصين مرورًا بكازاخستان وإيران وتركيا، ثم إلى روسيا، وصولًا إلى ألمانيا وإيطاليا وهولندا.
بينما يبدأ الطريق البحري من الصين إلى فيتنام وماليزيا والهند، ويكمل طريقه باتجاه سيريلانكا وكينيا، ليصل إلى اليونان وإيطاليا.
وهو ما سيعطي الصين هيمنة عسكرية وسياسية واقتصادية على مستوى العالم.
أقامت الصين قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، كما أقامت في بحر الصين العديد من القواعد العسكرية البحرية.
واستفادت، بعد تقديمها قروضًا لعدد من الدول، من تشغيل شركات صينية في بناء البنى التحتية، ما أدى إلى تحريك عجلة الاقتصاد.
بدأ العمل بالطريق تاريخيًا منذ العام 200 قبل الميلاد، وتوقف منذ سيطرة العثمانيين على طرق التجارة.
زينب مصري _ عنب بلدي