لا تزال ربا البركات (31 عاماً)، وهو اسم مستعار لسيدة تعيش في مدينة سرمدا شمال إدلب، شمال غربي سوريا، لا تعلم الاسم الحقيقي لزوجها ولا نسبه، فهي تزوجت منه عن طريق عقد زواج عرفي دون أن يكون لها معرفة مسبقة به.
وبعد ثلاثة أعوام من زواجهما ووفاة زوجها، قررت السيدة الثلاثينية تثبيت زواجها في المحاكم الشرعية بإدلب وتسجل طفليها على نسب والدها ووكلت محامي بغرض ذلك.
“لكني فوجئت بأن زوجي لم يستخدم اسمه الحقيقي أثناء عقد القران”.
وتتخوف السيدة الثلاثينية على مستقبل طفليها وخاصة أنهما لن يستطيعا ارتياد المدرسة بدون وجود أوراق رسمية تثبت وجودهما.
ولا تتمكن نساء في إدلب تزوجن عرفياً من تحصيل حقوقهن كالميراث والمهر أو المطالبة بنفقة أطفالهن وحضانتهم أو حتى تثبيت ولادة المواليد الجدد بعد الطلاق أو وفاة الزوج لعدم توفر وثيقة زواج رسمية.
ونمط الزواج العرفي الشائع في إدلب، هو زواج يشهد عليه الشهود والولي، ولكنه لا يكتب في الوثيقة الرسمية التي يقوم بها المأذون، وهو اتفاق بين الرجل والمرأة على الزواج دون عقد قانوني مسجل ولا يترتب عليه نفقة شرعية وليس للزوجة أي حقوق شرعية لدى الزوج.
وقالت سوسن العبيد (44 عاماً)، وهي مرشدة اجتماعية في مدينة إدلب، إن الزواج العرفي في المحافظة بات واقعاً ملموساً على الرغم مما يُسبّبه للنساء من مشكلات اجتماعية ونفسية.
وأشارت إلى أن بعض الرجال يتعمدون عدم تثبيت زواجهم سواء في المحاكم الشرعية بإدلب أو لدى الحكومة السورية، “للتنصل من مسؤولياتهم وعدم دفع المقدم والمؤخر للزوجة في حال حدوث الطلاق”.
وحذرت المرشدة الاجتماعية من الزواج عرفياً وذلك لما له من “تأثير سلبي” على النساء والأطفال بالدرجة الأولى، “إذ يحرم الطفل من حقه في التعليم وكذلك النساء يحرمن من حقوقهن بشكل كامل”.
محاكم غير معترف بها
وقال علي القسوم (35 عاماً)، وهو محام من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، إن المحاكم الشرعية التابعة لحكومة الإنقاذ تقوم بتثبيت عقود الزواج، “ولكن الأوراق الصادرة عنها غير معترف بها سواء في سوريا أو الدول المجاورة”.
وأشار إلى أن ذلك يدفع العديد من الأشخاص لعدم تسجيل زواجهم في إدلب.
ويمكن تثبيت عقد الزواج في حال غياب أحد طرفي العقد، حيث يتقدم الطرف الموجود إلى دائرة السجل المدني بطلب إخراج قيد للطرفين ويتقدم بدعوى تثبيت زواج ونسب ويتم تقييد الدعوى أصولاً، وفقاً للمحامي.
ومن ثم تطلب المحكمة من المدعي تثبيت أقواله بشهود وبعد التأكد من صحة الادعاء تصدر المحكمة قراراً ينص على تسجيل واقعة الزواج في السجل المدني أصولاً وتسجيل الأولاد على قيد الزوج في السجلات المدنية .
لكن وبعد كل العناء، لا قيمة للوثائق المستصدرة إن خرج أصحابها من إدلب.
كما لا تسعى نساء لتثبيت الزواج في المحاكم الشرعية بإدلب لأن هذه المحاكم لا تؤيد الدعاوى القضائية التي تقدمها النساء للطلاق، ويتم تجريد المرأة من كامل حقوقها على زوجها مثل المقدم والمؤخر والنفقات وغيرها مقابل طلاقها، وفقاً لما ذكرته مطلقات لنورث برس في وقت سابق.
وقالت خلود الحسين (21 عاماً)، وهو اسم مستعار لشابة في مدينة إدلب، إنها لم تتمكن من الحصول على مهرها بعد الطلاق من زوجها، فهي الأخرى تزوجت بعقد زواج عرفي تم “عن طريق شيخ وشهود”.
وبداية عام 2019، تزوجت الشابة العشرينية من شاب في مدينة إدلب، لكنه سافر إلى تركيا بعد الزواج بحوالي ثلاثة أشهر دون أن يثبت الزواج.
ووعد الزوج زوجته بأنه سيقوم بتسجيل وتثبيت زواجه في محاكم الحكومة السورية بعد عودته من تركيا عن طريق دفع المال لأحد الوسطاء.
ولكن ظهور مشاكل وخلافات بينهما، أفضى في نهاية الأمر إلى طلاق “الحسين” دون الحصول على أي حقوق.
أطفال محرومون من النفقة
ولا يوجد قانون للأحوال الشخصية في إدلب يضبط وينظِّم عمل الدعاوى القضائية ويشكل مرجعية واضحة للمتخاصمين، وفقاً لما ذكره محمد الشواف (47 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحام في إدلب.
وقال “الشواف” إن هناك عشرات قضايا الطلاق ترفع يومياً في محاكم إدلب التي تتبع لهيئة تحرير الشام، “ويصدر قضاتها قرارات يقولون إنها تحدّ من حالات الطلاق في المنطقة”.
ولم تحصل فرح الداني (26 عاماً)، وهي نازحة في مخيم أطمة بريف إدلب الشمالي، على نفقة طفلها من عائلة زوجها بعد وفاته، إذ لا تمتلك أي أوراق ثبوتية لطفلها ولا لزواجها.
وفي العام 2018، تزوجت النازحة التي تنحدر من مدينة كفرنبل جنوب إدلب بعقد عرفي ولم تتمكن من إخراج العقد معها أثناء نزوحها من منزلها نهاية العام 2019.
وقبل أن تتم شهور حملها الأولى توفي زوجها بحادث سير، “فحرمتُ من جميع الحقوق، عائلة زوجي استغلت عدم تثبيت زواجي في أي محاكم وامتنعوا حتى عن دفع نفقة طفلي”.
حلا الشيخ أحمد وسوزدار محمد _ نورث برس