شهادات وبيانات.. مأساة النساء والأرامل بمخيمات الشمال وكشف مغالطات تقرير “الجنس مقابل المال”

تبقى النساء الأرامل الشريحة الأكثر احتياجاً وهشاشة، مُقابل ضعف الاستجابة الدولية مع غياب الحلول، نظراً لطول أمد المعاناة في مخيمات الشمال السوري، ولا سيّما أنَّ السوريين -وفق فريق “منسقو استجابة سوريا”- الذين وصلوا إلى تحت خط الفقر تجاوزت نسبتهم 91 بالمئة، مع انخفاض عمليات الاستجابة الإنسانية لـ 1.9 مليون نازح في رمضان 2022 بزيادة نسبتها 34% عن رمضان 2021.

وفي تحقيق خاص لموقع “أورينت”، تبيّن أنَّ هناك أرامل لا تصلهنّ منح شهرية. يقول مسؤول الخدمات ونائب مدير مخيم زوغرة بريف جرابلس شرق حلب، موسى المحمود: إنَّ النساء الأرامل من حيث توزيع المساعدات في المخيم قسمان، نساء أرامل كبيرات في السنّ ليس لديهنَّ أيتام عددهنَّ 250 أرملة لا يستفدن من أيّة جهة مساعدة، بينما الأرامل اللواتي لديهنّ أيتام وعددهنّ 170 أرملة، فيحصلن على كفالة قيمتها مئة دولار كلّ شهرين مرّة من قبل منظمة “كير/Care” الدولية.

ويلفت في حديثه لـ”أورينت”، إلى بعض الخدمات “الشحيحة والخجولة” من منظمات محلية، وهناك دعم من أشخاص محليين وأقرباء للأرامل، لكن تبقى المساعدات أقلّ بكثير من حاجات القاطنين في المخيم الذي بُني من جدران “بلوك” وسقف شادر، والبالغ عددهم 1950 عائلة بمعدل 8000 شخص، 90% منهم من مهجّري حمص.

كذلك، في مخيم كفرلوسين شمال إدلب، رصدت “أورينت” بعض الحالات لمطلقات يُعتبرن أرامل ليس لديهنَّ كفالات شهرية، منهنَّ من يعشنَ في كنف والدهنّ أو والد زوجهنّ لكنّه فقير الحال، إضافة إلى زوجات معتقلين عند ميليشيا أسد مفقودين منذ بداية الثورة، فضلاً عن نساء عازبات كبيرات بالسنّ، وهؤلاء النسوة وضعهنّ يُعدّ “صفراً” من ناحية المساعدات الإنسانية، وأكد أحد سكان المخيم أنَّه لا توجد رعاية خاصة بالأرامل والمعاقين في المخيم.

ويوضح أحد مسؤولي إدارة المخيم (طلب عدم ذكر اسمه) لـ”أورينت” أنَّ لديهم 157 امرأة أرملة ومطلقة حالتهنَّ الإنسانية “صعبة جداً” فلا يوجد لديهنَّ منح شهرية أو أيّ رعاية خاصة، لافتاً إلى أنَّ الهلال الأحمر التركي مسؤول عن المخيم ويقدّم الخبز والماء، وتقتصر المساعدات على ثماني قسائم شرائية في العام بقيمة 60 دولاراً من منظمة “بيبول/People in Need” لكنها غير كافية، مؤكداً أنَّ مخيم كفرلوسين لم يشهد أيَّة حالة استغلال للنساء الأرامل أو تحرّش جنسي.

أبرز مشاكل النساء بالمخيمات

الباحثة في مركز الحوار السوري “كندة حواصلي” تلخّص في حديثها لـ”أورينت”، أهم مشاكل النساء التي أُسندت إلى دراسة أجراها المركز مطلع العام الجاري، ركّزت على البيئة المحيطة بالنساء وآثارها والاحتياجات الغائبة وما يترتب على هذه الاحتياجات من ظواهر سلبية في مخيمات إدلب وريف حلب البالغ عددها 1489 مخيماً. وهي:

• فقدان الخصوصية داخل الخيمة وخارجها: فالعدد الكبير لأفراد الأسرة المقيمين في نفس الخيمة يجعل عملية الاحتفاظ بالخصوصية أمراً شبه مستحيل، كما إنَّ طبيعة الخيمة سواء كانت خيماً قماشية أو من البلوك بسقف قماشي، ليست عازلة للصوت ولا تؤمّن الحماية المطلوبة.

• انتشار العديد من الشائعات حول الأرامل: فالكثير من المشاكل في المخيم تحدث نتيجة تناقل الكلام، وقد يمارس البعض وصاية عليهنّ سواء كان من الأقارب أم لم يكن، ما يضطر غالبية النساء إلى ارتداء ملابس ساترة ثخينة طوال الوقت وتجنّب الحديث مع أحد.

• الازدحام في استخدام المرافق الخدمية المشتركة كالمراحيض والحمامات: ففي المخيمات النظامية قرابة 147 ألف عائلة يوجد 11737 مرحاض و2170 كبينة مشتركة للاستحمام، وفي المخيمات العشوائية مرحاض وحيد لكلّ مخيم، وهذه المرافق لا تتوافق مع معايير “دليل اسفير” الإنساني، ويمكن أن تتعرّض النساء والفتيات للكثير من الإزعاج والتحرش خلال ذهابهن إلى المرافق الخدمية، ليكون الحمام أو المرحاض جلّ أحلامهنَّ. 798

• غياب المياه اللازمة النظافة: تضطر نساء للوقوف أمام طوابير المياه، وتغيب “سلال الكرامة” المخصّصة لاحتياجات النساء الشخصية عن معظم المخيمات، ونادراً ما يتم توزيعها، لذلك تلجأ النساء إلى الخرق القماشية والبدائل المتاحة رغم كونها غير صحيّة.

• ضعف صحي: المرافق الصحية المشتركة بيئة مناسبة لنمو الجراثيم والطفيليات وانتشار الأمراض والعدوى والتعرّض للدغ الحشرات والقوارض والعقارب والأفاعي، والمخيمات 67% منها أقيمت على أراضٍ زراعية، وتكون النساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، خاصة مع وجود حالات سوء التغذية وقلة الرعاية الصحية، ووفقاً لـ”هيئة تنسيق الدعم” فإنَّ 95% من المخيمات لا يوجد فيها نقطة طبيّة.

• ارتفاع  معدلات الإنجاب: من الملاحظ في المخيمات وخاصّة العشوائية هو ارتفاع معدلات الحوامل، وهناك أمهات لم يتجاوزن الثامنة عشر عاماً ولديهنّ 4-5 أطفال، ما يؤثر على صحتهنّ، عدا عن كون 34% من الأطفال يعانون من حالات التقزّم، بينما تعاني 37% من الأمهات من سوء التغذية، كما ارتفعت معدلات الوفيات النفاسية ووفيات الأطفال حديثي الولادة.

• تزايد المظاهر غير الأخلاقية: تتنوع بين حالات تحرّش بالنساء كالتحرش البصري، والتحرّش اللفظي والتحرّش الجسدي والجنسي في بعض الأحيان، وحالات التحرّش بالأطفال والتي يغلب عليها التحرّش الجنسي، أدى بعضها لحالات طلاق خاصّة للزوجات القاصرات، كما تنتشر حالات تعاطي المخدرات، حيث يجد المتعاطون فيها فسحة للهروب من الواقع السيّئ.

• العمالة الرخيصة أو الخطرة: ارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل تدفع الكثيرات إلى بعض الأعمال الموسمية المؤقتة كالعمل في جني المحاصيل الزراعية بأجور زهيدة، نحو 20 ليرة تركية (1.35 دولار يومياً) أو العمل في مكبّات القمامة (قد يصل المردود إلى 30 ليرة تركية- دولارين) مع ما يكتنفها من مخاطر صحيّة.

• الفساد والإهمال: بعض العاملين في المنظمات متّهَمون بـ”الفساد”، لاستخدام مناصبهم لتحقيق منافع شخصية كاستغلال العائلات بدون مُعيل وخاصة الأرامل، أو إيثار بعض الأقارب والمعارف بحصص أكبر من المساعدات، وهناك نساء ضمن المخيمات يمتلكن مؤهلات تساعدهنَّ على تحسين وضعهن ووضع عائلاتهنَّ في حال تلقَّين دعماً بسيطاً أو تم تأهيلهنَّ أو استهدافهن بمشاريع تمكين تستثمر خبراتهن السابقة، إلا أنَّه لم يلتفت أحد لاكتشاف هذه الطاقات الكامنة.

• غياب أدوار المنظمات النسائية/النسوية: تغيب عن المخيمات أنشطة المنظمات النسائية، فواقع النساء وتمكينهنَّ يشغل حيزاً من اهتمام الجهات الغربية الداعمة، إلا أنَّ معظم الدراسات والتقارير والمشاريع ركزت على مواضيع تتناسب مع المزاج الدولي الداعم، بالتالي هناك حالة استسلام واضحة لسياسات الداعم ورغباته عند العديد من المنظمات، فلم تبذل المنظمات الجهد المطلوب لتحسين واقع المخيمات ولم تفكّر بحلول مستقبلية.

يشار إلى أنَّ تقرير منظمة وورلد فيجين/ World vision منتصف الشهر الفائت، (بعنوان “مخيمات النساء والأطفال في سوريا: الأصعب في الوصول، والأكثر عرضة للخطر)، رغم الزوبعة التي رافقته، إلا أنَّه سلّط الضوء مجدداً على شريحة الأرامل والأيتام، وأظهر مدى تفاقم الاحتياج ومحدودية الاستجابة.

وتؤكد الباحثة “حواصلي”، أنَّ جوانب مُحقّة وردت في التقرير تجاهلها الإعلام، حيث ضم أربعة محاور أساسية: “واقع الإهمال وعمالة الأطفال، العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء والأطفال، احتياجات كبيرة في مجال الصحة العقلية والدعم النفسي، قيود الحركة ونقص الخدمات العامة”، وتبرز مشكلة زواج القاصرات وعمالة الأطفال مع التراجع الشديد لدعم قطاع التعليم وتسرُّب 44% من الأطفال في سنّ التعليم من المدارس في مناطق المعارضة.

مغالطات وردت في تقرير “وورلد فيجين”

وتستدرك الباحثة، أنَّ المعلومات الواردة في التقرير “لم تلقَ القبول المجتمعي، بل أثارت موجة عارمة من الغضب وسط اتهامات ”بالمبالغة وغياب الدقة والموضوعية”، حيث طرحت المنظمة آثار مشاكل النساء دون الإشارة إلى هذه المشاكل، ربّما الشخص غير المطَّلِع على هذه المخيمات يتصوّر أنهّن يعشن بمناطق مخدَّمة ويتعرضن للاستغلال. ومن المغالطات:

• كاتبو التقرير أجانب غير مطَّلِعين على المجتمع السوري، مع غياب لمشاركة أربع منظمات محلية جمعت البيانات من 28 مخيماً في مناطق إدلب وحلب (أرامل وعامة) في كانون الثاني وشباط 2022، خلال عملية التحليل وتفسير النتائج، وعدم اطلاعهم على مسوَّدة البحث قبل النشر كما كان مفترَضاً خلال الاتفاق.

• تحاول المنظمة تبرير تقاعس المنظمات الدولية في دعم الفئات الهشّة بادعاء عدم تقديم تصاريح للمنظمات الأجنبية العاملة فيها من قبل “حكومة الإنقاذ” في إدلب.

• من الملاحظ الخلط بين مخيم الهول بريف الحسكة وهو يعدّ سجناً تحت سيطرة ميليشيا “قسد” وبين مخيمات إدلب وحلب، وتعميم فكرة حرمان النساء من مغادرة المخيم وعزلتهن عن المجتمع على بقية المخيمات، حيث لا يمكن تعميم ما يحدث في مخيم ما على بقية المخيمات.

• إخراج الحالة غير الإنسانية وفقدان الحاجيات الأساسية في التقرير، غير دقيق للواقع، كما إنَّ العينة المستطلَعة آراؤها شبه مجهولة، كفئات النساء اللواتي تمّت مقابلتهن أو مكان السكن (200 امرأة) كذلك (139 مراهقاً) و80 طفلاً أعمارهم بين 6-11 سنة.

• غموض خلال الحديث عن العنف الجنسي، فقد أشار التقرير إلى أنَّ “25% من النساء كُنّ شهوداً على اعتداءات جنسية تحدث يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً”، وهو ما استغلته بعض المواقع الإعلامية لتدّعي أنَّ “رُبع النساء في المخيم تعرّضنَ لاعتداء جنسي”، وتجاهلت هذه المواقع الجملة اللاحقة التي أشارت إلى أنَّ 9% من النساء أشرن إلى أنهنَّ تعرضن لهذا الاعتداء دون التفريق بين من تعرّضن للاعتداء أو اللاتي كنّ شهوداً عليه أو سمعنَ عنه.

• المواقع الإعلامية أخطأت بشكل مضاعف ومقصود عندما استغلّت عبارة “survival sex” التي وردت مرة واحدة على لسان أحد الذين تمت مقابلتهم عن رأيه حول إمكانية استغلال تضييق الحركة من قبل المسؤولين مقابل خدمات جنسية، وهو ما أُطلق عليه “الجنس من أجل البقاء”، لتصبح الجملة العنوان العريض الذي روّجته صحيفة الغارديان، ورددته بعدها بعض المواقع دون تحقق، ما أسهم بتنميط صورة مغلوطة.

طرح حلول

تشير “حواصلي” إلى أنَّ استجابة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية هي أدنى من المعايير الدنيا، ولم يطرأ عليها أيّ تحسين خلال السنوات الماضية، لذلك من الطبيعي أن تزداد نسب التحرش والمشاكل، مؤكدة أنَّه لا يمكن حماية النساء من العنف أو التحرش دون تأمين بيئة إقامة تحميهنّ، ولا يمكن حماية النساء من الاستغلال دون تأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهنَّ الغذائية والصحية.

وتضيف: “لا يمكن حمايتهنَّ من شعور الخوف والتعب النفسي على أنفسهنَّ وأطفالهنَّ إن لم يكن لديهنَّ مدارس وبرنامج لتعليمهنَّ ودعمهنَّ للتخفيف من الزواج المبكر، إذ يفترض لتلك المنظمات التي تدَّعي حرصها عليهنَّ أن تدعم مشاريع النقل للإناث عبر حافلات إلى المدارس، وإنشاء مدارس جديدة، وتأمين منح دراسية وسلل النظافة التي لم تعُد توزَّع، فمهمة المنظمات بعد الدراسة هي إصلاح البيئة المحيطة شبه المفتوحة”.

ويقدَّر عدد الأرامل بكافة المناطق السورية بـ 200 ألف أرملة وهناك مليون و200 ألف يتيم، والعدد وفق رئيس مجلس إدارة “اتحاد دعم المرأة” جمانة هبرة، يُعدّ “طبيعياً مقارنة بعدد القتلى”، موضحة أنَّ تسليط الضوء على مناطق سيطرة المعارضة نظراً لسهولة وصول التغطية الإعلامية (دولية ومحلية) على عكس مناطق سيطرة ميليشيا أسد وقسد، التي تُعدّ التغطية الإعلامية فيها “ضعيفة جداً”. 

وتقول هبرة، في تصريح لـ”أورينت”: لذلك أيّ خلل موجود شمال سوريا يَظهر بشكل واضح نظراً للوصول السهل للمكان، وبالنسبة لتقرير “وورلد فيجن” فتمّ إعداده بشكل “متقَن وجيّد” وهو بحث موضوعي في بيئة غير آمنة تحكمها أكثر من سلطة أمر واقع، لكن تم استغلاله وتداوله من وسائل الإعلام “بشكلٍ مخزٍ وبطريقة مؤذية”.

ويشكّل سكان المخيمات 23% من إجمالي عدد سكان الشمال السوري البالغ قرابة 6.7 مليون نسمة، 53% منهم إناث، يعيش قرابة 70% منهم في مخيمات نظامية، وقرابة 30% في مخيمات عشوائية، حيث تستوعب مخيمات إدلب وريف حلب 69% منهم، ومخيمات مناطق درع الفرات وغصن الزيتون 31%.


عائشة صبري _ أورينت نيوز

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version