سيريا برس - أنباء سوريا
في الوقت الذي يسير فيه العنف في سورية بمسار متقلّب، صعودًا وهبوطًا، يبدو أن فرص الحلول العسكرية للأزمة المستمرة قد تلاشت، وبدأت تدور النقاشات حول سيناريوهات الحلّ السياسي أكثر فأكثر. وبدأت أطراف الأزمة جميعها تعيد النظر في مواقفها مجددًا، من أجل الدخول بشكل أقوى في المفاوضات التي ستنطلق من جديد، وخاصة مع نتائج الانتخابات الأميركية.
غير أن المشكلات القائمة حاليًا، وفي مقدمتها مشكلة اللاجئين والتغير الديموغرافي والفقر والوجود العسكري الأجنبي في سورية، وتصفية الجماعات المسلحة، كانت من العوامل التي جعلت الحل السياسي صعبًا على المستوى المحلي. أما على الصعيد العالمي؛ فإن قضية “أمن إسرائيل”، والتوسّع الروسي، وأطماع إيران الطائفية غير المرضية، وكذلك أطماع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية وأهدافها الأيديولوجية في السيطرة على موارد الطاقة، هي من الأسباب الرئيسية لفشل العملية السياسية. وعلى الرغم من جمود الاشتباكات في سورية في هذه المرحلة التي تشهد تحوّلات جذرية في العلاقات الدولية، تظهر بعض انعكاسات الأجواء المتوترة القائمة من وقت لآخر. فعلى سبيل المثال، أدى القصف الذي نفذه سلاح الجو الروسي على معسكر تدريب لـ “فيلق الشام” التابع للجيش السوري الحر في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى مقتل ما لا يقل عن 80 مقاتلًا من عناصر الجماعة، وجرح أكثر من 90 شخصًا. ومن الواضح أن قوات روسيا والنظام أرادت أن تختبر عزم تركيا وقوتها بهذا الهجوم. من جانب آخر، أخليت بعض نقاط المراقبة التي أقامتها القوات المسلحة التركية في إدلب، إضافة إلى استيلاء النظام وروسيا (وقد أخلّا بالتزامات اتفاقات سوتشي وأستانا) على مناطق شمال شرقي إدلب وحماة، بعد الاشتباكات الأخيرة في إدلب. من المفهوم أن قرار إخلاء نقاط المراقبة التي أنشئت في مورك وحطاط وشير مغار الواقعة داخل الأراضي التي يسيطر عليها النظام، قد اتُّخذ بسبب فقدانها لوظائفها والأخطار التي نشأت حديثًا. وفي غضون ذلك، تدور صراعات في جنوب سورية بين مقاتلين مدعومين من روسيا، والميليشيات المدعومة من إيران. وقد تسببت العمليات الأمنية التي نفذتها الميليشيات الإيرانية ومقاتلو الفرقة الرابعة التابعة للنظام في درعا، في اندلاع اشتباكات بين المقاتلين المدعومين من روسيا وبين هذه الميليشيات.
أما اليوم، فيرزح ما يقرب من 60% من سكان سورية تحت وطأة اللجوء، ولا يزال الناس يعانون مآسي التشرد والحرمان بسبب الجمود السياسي. إضافة إلى أن 35% من أراضي البلاد واقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، الذراع السوري لتنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي الانفصالي. إضافة إلى أن موارد البلاد المائية والزراعية وبخاصة النفطية هي إلى حد بعيد خارج سيطرة السوريين. وتثير مساعي حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، المعروف لدى الرأي العام الدولي باسم “قوات سوريا الديمقراطية”/ (قسد) لتغيير ديموغرافيا المنطقة، ردة فعل السكان المحليين العرب. وأخيرًا، تسبب إطلاق ميليشيا التنظيم النارَ على المحتجين الذين خرجوا تنديدًا بالرسوم المسيئة للرسول محمد (ص) التي نشرت في فرنسا، في مقتل عدد من الأشخاص.
من ناحية أخرى، أدخلت عقوبات قانون قيصر، والعقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية، في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، على 11 مؤسسة تعمل بشكل رئيسي في قطاع النفط، النظامَ السوري في مأزق اقتصادي كبير. ومن الضروري في هذا السياق التأكيد أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد النظام قد ولّدت نتائج لمصلحة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، الموجود في الشمال السوري. ولعبت دورًا كبيرًا في اكتساب حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب قوةً اقتصادية وسياسية في قطاعي الزراعة والطاقة داخل سورية، ويمكننا أن نورد مثالًا في غاية الأهمية بشأن ذلك؛ فالنظام الذي عجز عن تأمين احتياجات الشعب من مادة “القمح”، وهو العنصر الغذائي الأكثر إستراتيجية في البلاد، اضطر إلى شراء القمح من حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، بالعملة الأجنبية. وأوجد هذا الوضع خللًا اقتصاديًا كبيرًا بين المنطقتين، لدرجة أن المرتبات والأجور في مناطق سيطرة الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، تجاوزت مرتبات موظفي النظام نفسه. فحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب الذي حظي بتأييد الرأي العام الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يجري تدريبات عسكرية مع التحالف الدولي لحماية حقل “العمر” النفطي بريف دير الزور. ويجري العمل على تحويل هذه التدريبات التي تتواصل تحت غطاء القتال ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، إلى فرصة لترسيخ هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب في المنطقة. فهذه التطورات كلّها تُظهر أن الأزمة في سورية لا تزال معلقة، وأنها تنطوي على احتمال نشوب صراع خطير.
من الصراعات العسكرية إلى الحل السياسي
كيف سيتبلور الحل السياسي في الأزمة السورية العالقة، وسط تطورات الداخل السوري والتحولات في السياسة العالمية؟ عند تناول القضية من وجهة نظر واقعية؛ ما الذي سيضمن وحدة التراب السوري، وما هي الوسائل الممكنة لوضع حد للانقسام الفعلي، وكيف ستتحقق عملية الانتقال السياسي التي تكون المعارضة جزءًا منها، وهل ستتمكن سورية من الحفاظ على وحدتها الوطنية وسلامة أراضيها؟ وهل ستُدار البلاد عبر فدرالية، أم عبر منطقتين مستقلتين يتم إنشاؤهما في إدلب وفي شمال سورية، أم ستظهر لوحة سياسية تكون القوة والسلطة فيها للإدارات المحلية؟
في الوقت الذي تلعب فيه مساومات القوى العالمية دورًا رئيسيًا في صياغة مستقبل سورية، تتسارع النقاشات والطروحات بين القوى التي تتهافت خلف مصالحها هنا بشأن الحلّ الأفضل: أهو فصلُ البلاد إلى سورية غربية-شرقية، أم إنشاء هيكل سياسي فدرالي؟ تمامًا كما حدث في الماضي في نماذج ألمانيا الشرقية والغربية، واليمن الشمالي والجنوبي، وكوريا الشمالية والجنوبية.
وُضعت في الآونة الأخيرة العديد من التوقعات والمخططات، بشأن المستقبل السياسي والقانوني لسورية ما بعد الحرب، سواء في المحافل الدولية أو في الساحة السورية، وأعدت السيناريوهات التي ستحدد مصير البلاد. فبينما يجري تركيب هذه السيناريوهات ومزجها على الأغلب في العواصم الغربية، نجد أن الرؤية الواقعية لمراكز الفكر والمحللين والمثقفين السوريين (الذين لا يزالون يحملون أفكارًا رومانسية) حول هذه القضية، لم تتضح بعد. وقد فُهم من خلال اللقاءات التي أجريت مع معارضين سياسيين ومتنورين مختلفين، عدم استعداد هذه الشريحة بعدُ للإجابة على سؤال: كيف ترون مستقبل سورية؟ وافتقارهم إلى مقترحات حل القضية محليًا. وتبين أن آراء المتنورين والمثقفين السوريين في الشتات حول بلدهم لم تتبلور بشكل موضوعي، وأن توقعاتهم المستقبلية اللازمة بشأن إنهاء العنف والحرب في البلاد ما زال يكتنفها الغموض.
ومن المعروف أن بشار الأسد الذي يحكم سورية، وكأن الدولة بما فيها ملكٌ شخصي له ولثلّة من حاشيته الذين حوله، يعتزم- بدعم إيراني- الاستيلاء على إدلب ومحيطها، وهي آخر المعاقل الباقية بيد المعارضة، ويرغب في السيطرة على المنطقة هنا وحكمها، من خلال منح حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب استقلالًا جزئيًا؛ فالسياسات الطائفية والتمييزية التي ينتهجها نظام الأسد، ضد الشعب السوري، ألحقت ضررًا كبيرًا بوحدة أراضي سورية، ونزعت الهوية السكانية [إفراغ البلد من سكانه] عن أراضي الدولة التي يُحاول اكتسابَ الشرعية فيها بقوة السلاح. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة، ميدانيًا ودبلوماسيًا، فإن الصورة التي تشكّلت تشير إلى أن هذا النظامَ، الذي لا يؤمن لا بالحريات ولا بالحلول الديمقراطية، لا ينوي التخلّي بسهولة عن العقلية الاستبدادية التي يحملها.
وبسبب عدم امتلاك السوريين القدرة على حل قضاياهم السياسية بأنفسهم، أفسح المجال لبروز سيناريوهات ومخططات القوى العالمية في البلاد إلى المقدمة. فإلى جانب الجارة تركيا، ثمة العديد من الجهات الفاعلة، كإيران وروسيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، المرشحة بقوة للعب دور مؤثر في صياغة ورسم مستقبل سورية. وينبغي في هذا السياق عدم إغفال موقف إسرائيل التي تجنّبت طوال فترة الأزمة أن تكون طرفًا مباشرًا في المسألة السورية، سواء في الميدان أو في السياق الدبلوماسي. على الرغم من أنها كانت فاعلة في سير أحداث وتطورات الأزمة السورية، وراغبة في سورية غير مستقرة.. تصارع مشكلاتها.
إن القوى الفاعلة على الأرض في سورية هي في موقع محدد من مسارات الحلّ السياسي، كـ جنيف وأستانا أيضًا. وإن أعمال اللجنة الدستورية المتواصلة في جنيف سائرة نحو الفشل، بسبب المواقف المتشددة لموسكو ونظام الأسد. ففي الوقت الذي تسعى فيه روسيا والنظام لإفساد المفاوضات الدستورية، بقصد الحفاظ على الوضع السياسي الراهن، تبدي بعض الدول الأوروبية مواقف لضمان تحقيق حلم حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، في إنشاء “الإدارة الذاتية المستقلة”، وليس سرًا أن أنقرة غير متفائلة بهذه المباحثات.
أيّ نوع من سورية!
1 – سيناريو سورية مقسّمة إلى مناطق حكم ذاتي:
تُعدّ سورية اليوم مقسّمة فعليًا إلى كيانات ثلاثة؛ فإلى جانب النظام الذي يسيطر على العاصمة دمشق والمدن الرئيسية في البلاد، هناك المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب في الشمال، إضافة إلى منطقة إدلب المحاذية للحدود التركية، وتسيطر عليها قوات المعارضة. وهذا النموذج هو أكثر النماذج التي يرغب فيها الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، المهيمن على شرق الفرات؛ ذلك بأن التنظيم الذي لا يجد أي صعوبة في التمويل وتجنيد المقاتلين وجلب السلاح والتدريب العسكري، عبر الدعم الذي يتلقاه من روسيا والغرب، يحاول من خلال التأييد السياسي الذي يحظى به لدى الرأي العام الدولي، كسب الشرعية كأحد الفاعلين الرئيسيين على الأرض؛ ويُعدّ التنظيم الذي يمتلك نحو 100.000 مقاتل أكبر تهديد لوحدة الأراضي السورية بعد النظام.
ولدول عربية وازنة، كـ السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، سيناريوهاتها الخاصة في ما يتعلق بمستقبل سورية أيضًا؛ فهي تسير في خط النظام من حيث عدم ممانعتها لوجود قوي لحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب في شمال سورية. وإن هدف تلك الدول العربية، من دعم وجود حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب وإنشاء كيان منفصل في الشمال السوري، هو قطع ارتباط إيران البري بين طهران-بيروت، وموازنة إيران في سورية، والحيلولة دون اكتساب تركيا لمزيد من الأراضي في الجنوب، ومنعها من الاقتراب من الحدود السعودية.
السيناريو الأول تؤيده الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية أيضًا؛ حيث تكمن حسابات الطاقة وأسباب أيديولوجية في أساس دعمهم لهذا السيناريو. وقد أكد الرأي العام الأوروبي باستمرار دعمه الإدارة الذاتية في شرق الفرات، في أثناء مفاوضات جنيف. وينظر الأوروبيون إلى نموذج حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يصفونه بـ “الحكم الذاتي”، على أنه نموذج ناجح وقابل للتطبيق في كل مناطق سورية. وبالنظر إلى الديناميات الحالية، يبدو أن عملية تقسيم سورية إلى ثلاث دول منفصلة أمرٌ غير وارد، ولكن من المحتمل جدًا أن يجري تقسيمها إلى مناطق إدارات ذاتية فعلية، على غرار ما حدث في شمال العراق.
2 – سيناريو سورية فدرالية:
النقاش الثاني حول المستقبل السياسي لسورية يدور حول فكرة بناء سورية فدرالية. وبحسب هذا السيناريو، يُقوّم الوضع على تشكيل كيان سياسي مشترك يتألف من ثلاث إدارات محلية مختلفة، في منطقة إدلب، ومنطقة شرق الفرات، ومناطق النظام في دمشق، بالشكل الذي تحتفظ كل منها بصلاحيات واسعة في شؤونها الداخلية. وأكثر من أيّد فكرة هذا السيناريو هو روسيا. وبموجب هذا السيناريو الذي استند أيضًا إلى التجربة السياسية الداخلية لروسيا، سيتم دمج عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، بجيش النظام، ليؤمن النظام السيطرة على جميع الأراضي السورية مجددًا. وكانت وحدات حماية الشعب الإرهابية التي أوردت في محادثات جرت عام 2017 بينها وبين النظام، مطالبات بـ “منطقة فدرالية بموجب ضمانات دستورية”، قد طالبت أيضًا بإدارة ذاتية، مقابل انسحابها من المناطق ذات الأغلبية العربية في شمال البلاد. ومن المعلوم أن كلًا من روسيا والنظام وصفا هذه المحادثات بالإيجابية في ذلك الحين.
فروسيا التي تؤيد النظام تأييدًا مطلقًا، وتهدف إلى توطيد سلطته، تسعى للوصول إلى حل سياسي يضمن بقاء الأسد، من خلال إضعاف معارضيه، وترغب في أن يكون لها كلمة في مستقبل البلاد، في مرحلة ما بعد الحرب، لكي تحظى بحصة الأسد من الامتيازات الاقتصادية في سورية. ولذلك فهي لن تبدي امتعاضًا من وجود حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب في المنطقة، بل إنها قد تتبنى هذا الوضع، مقابل الحصول على حصتها من النظام في مجالات الطاقة والزراعة والمياه. وبذلك تكون روسيا قد حازت (وفق هذا السيناريو) علاوة على كل المكتسبات التي حققتها، ورقةً قويةً ضد تركيا خصمها التاريخي في المنطقة. فأهمّ أهداف موسكو تتجسد في تقريب النظام من حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، لكسر النفوذ الأميركي في المنطقة، ولتكون صاحبة الكلمة العليا في مسألة حقول نفط شرق الفرات. ولهذا السبب هي تسعى لإنشاء قواعد روسية جديدة في منطقة شرق الفرات.
غير أن روسيا ونظام الأسد اللذين رحّبا بمطلب حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب بالحكم الذاتي، يعاملان الإدارة المدنية في إدلب، معاملة الإرهابيين. فقد قامت روسيا بمصالحة بعض الفصائل التي قاتلت سابقًا في صفوف الجيش السوري الحرّ في الجنوب مع النظام، لكن النفوذ السياسي والعسكري لهذه الفصائل تآكل تمامًا بمرور الوقت. تدرك روسيا تمامًا أن المعارضة لن تخضع للأسد، وأنها سترفض قبول أي تشكيل سياسي مشترك مع النظام، ولذلك فإن غاية روسيا الرئيسية في إدلب هي ضمان أمن المناطق القريبة من منشآتها العسكرية الإستراتيجية. ومهما حاولت روسيا أن تظهر بمظهر الوسيط بين النظام وبين بعض جماعات المعارضة، فلا يخفى أنها أسهمت كثيرًا في تسهيل عمل النظام، عبر الضربات الجوية التي نفذتها ضد المعارضين. وأخيرًا، من المفيد القول هنا إن إيران قد تنظر بإيجابية إلى هذا السيناريو، شريطة ألا يتعارض ذلك مع مصالحها الإقليمية.
3 – سيناريو سورية متحدة مع ضمان وحدة أراضيها:
هذا السيناريو هو أقرب إلى توجهات الجيش السوري الحر، والمعارضين والمتنورين المعتدلين. وقد أطلقت تركيا عمليات عسكرية عدة، ضد (داعش) وضد حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، في سبيل إحياء/ إبقاء هذا السيناريو. وليس من المبالغة أن نقول: إن عملية استعادة وحدة أراضي سورية واسترجاع وحدتها الوطنية، باتت أقرب إلى المستحيل. ذلك بأن الوجود العسكري الأجنبي في البلاد من جهة، ومخططات القوى العالمية لرسم خريطة المنطقة من جهة ثانية، يجعلان المستقبلَ السوري ضبابيًا وغيرَ واضح المعالم. وعلاوة على ذلك، إن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، سيكون له عميق الأثر على السيناريوهات الأميركية الخاصة بسورية. غير أن سياسات بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما، وكان جزءًا من الفوضى السياسية والعسكرية التي خلّفها أوباما في سورية، ومن سياسة الولايات المتحدة الخارجية ونهجها تجاه سورية لأربع سنوات تالية، هي بمنزلة لغز كبير في الوقت الحالي.
لا شك في أن هناك نقاشات وسيناريوهات أخرى تدور في محافل ومنصّات مختلفة، غير تلك التي عرضناها هنا. لكن الملف السوري سيكتسب -بالتأكيد- زخمًا جديدًا، في هذه المرحلة التي يُعاد فيها تشكيل التوازنات العالمية والإقليمية مجددًا. ومن المحتمل أن تتكاثف المؤتمرات والاجتماعات الدولية التي ستعمل على إنهاء الأزمة السورية في الفترات المقبلة. ولهذا؛ فإن من المهمّ أن تضع جماعات المعارضة، وبخاصة الممثلين السياسيين والمثقفين السوريين، إطار عمل من أجل تناول خيارات الحلّ السياسي لمستقبل سورية بطريقة واقعية وموضوعية؛ حيث إنّ الوضع الراهن يوحي بأنّ الحل السوري ليس في متناول السوريين، وأن المفاوضات التي ستُنجز في العواصم الأجنبية ستكون أكثر حسمًا وتأثيرًا في الساحة السورية.
زياد دومازتي - ترجمة مركز حرمون للدراسات