سيريا برس _ أنباء سوريا
الأزمة المعيشية التي يعيشها أهالي إدلب لم تمنع بعضهم من جعل تعليم أولادهم في رأس الأولويات، وهو ما دفعهم لنقل هؤلاء التلاميذ إلى مدارس خاصة.
رغم كل ما يعانيه السوريون في شمال غربي سورية من أزمات معيشية وغياب الاستقرار، يبدو أن لدى شريحة واسعة منهم هاجساً دائماً يتمثل في ضمان حصول أبنائهم على تعليم جيد، الأمر الذي قد يدفعهم إلى نقلهم إلى مدارس خاصة وإن كانت التكاليف مرتفعة، في ظل الشكوى من تردي العملية التعليمية في المدارس الحكومية من جراء نقص الدعم وتراجع الاهتمام.
يقول أبو توفيق الشامي، النازح من ريف دمشق إلى الشمال السوري: “الأولاد أهم مشروع في الحياة”. يضيف في حديث لـ “العربي الجديد”: “بالنسبة إلي، فإن ضمان تعليم أولادي لا يقل أهمية عن تأمين الطعام لهم”، مضيفاً: “خلال السنوات الماضية هجّرنا ونزحنا أكثر من مرة. ودائماً ما كنت أسأل ما إذا كانت هناك مدارس في هذه المنطقة”.
ويتابع: “واقع التعليم متردٍّ. وأحد أهم الأسباب عدم وجود دعم كافٍ، وأحياناً انقطاع الدعم بشكل نهائي. الكثير من المدرسين يتطوعون للعمل. وفي الوقت نفسه، وكلما توفر لأحدهم عمل ما فهو مجبر على التغيب عن المدرسة من أجل أن يؤمن ما يسد رمقه، وهذا حقه، فهو أيضاً في حاجة إلى المال. وفي بعض الأحيان، يحاول الأهالي تقديم بعض الدعم كل بحسب استطاعته للمدرسين، ما يؤدي إلى استمرار العملية التعليمية. يُتابع: “أما المدارس الخاصة، فأعتقد أنها أكثر استقراراً، في ظل توفّر الكادر التعليمي والاهتمام والمتابعة”.
لكن تبقى الرسوم السنوية التي تتقاضاها المدارس الخاصة مرتفعة بالنسبة إلى الكثير من سكان شمال سورية، بحسب أبو محمد عيد. ويقول لـ “العربي الجديد”: “من لديه ثلاثة أو أربعة أولاد في سن الدراسة، كيف له دفع الأقساط المدرسية، علماً أننا بالكاد نستطيع تأمين قوت يومنا”. ويرى أن “التعليم والصحة حق للناس. وعلى السلطة الموجودة حالياً والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية تأمين هذه الحقوق بدلاً من التوقف عن دعم القطاع التعليمي والصحي”.
من جهته، يعزو مصطفى رجب، من ريف إدلب، أسباب إقبال الناس على التعليم الخاص إلى ضعف الإدارة والدعم، بالإضافة إلى انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى تعليق العملية التعليمية، إلا أن المدارس الخاصة لم تلتزم بتلك التعليمات. ولأن الأهالي يريدون مصلحة أبنائهم في نهاية المطاف، توجه البعض إلى التعليم الخاص. ويوضح أن “أقساط المدارس في ريف إدلب تتراوح ما بين 150 و300 دولار. أما المعاهد الخاصة التي غالباً ما يلتحق بها تلاميذ الشهادتين الإعدادية والثانوية، فتتراوح الأقساط ما بين 150 و250 دولارا.
ويؤكد عبد الرحمن، وهو من مدينة سرمدا في ريف إدلب، لـ “العربي الجديد”، أن زيادة الإقبال من قبل الأهالي على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة رغم أن كثيرين منهم يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة، جعلت من الصعب جداً العثور على مكان لتلميذ جديد، لافتاً إلى أن “غياب الدعم عن التعليم ترافق مع تراجع الاهتمام بالتعليم، ما دفع العائلات الراغبة في تأمين تعليم جيد لأطفالها للّجوء إلى المدارس الخاصة. وغالباً ما يحصل التلاميذ على اهتمام أكبر فيها”.
وتزداد نسبة انتشار المدارس والمعاهد الخاصة يوماً بعد يوم في مناطق إدلب. ويعزو علي الحاج القاطن في إدلب، الأمر إلى الإقبال على التعليم الخاص، وثانياً سهولة الحصول على ترخيص. ومن جهة أخرى، تعد تلك المدارس والمعاهد مصدر دخل لمديرية التربية التي تجبي من الروضات والمدارس الابتدائية ما بين 3 و7 في المائة، والمدارس الإعدادية نحو 10 في المائة من دخلها السنوي.
كذلك، تنتشر المدارس الخاصة في ريف حلب الخاضع لسيطرة الفصائل المسلحة المعارضة المدعومة من تركيا، كحال مدينة الباب، كما يقول الناشط علي الحلبي لـ “العربي الجديد”. يضيف أن عدد المدارس والمعاهد الخاصة ليس قليلاً، وجميعها مرخصة من قبل مديرية التربية والتعليم والمجلس المحلي. ويوضح أنّ “هناك توجهاً نحو التعليم الخاص أكثر من التعليم الرسمي، في ظلّ الفشل الإداري والإهمال، ما يدفع الأهالي إلى تحمّل الأقساط السنوية للتلاميذ التي تتراوح ما بين 900 ليرة تركية (نحو مائة دولار) و1500 ليرة تركية (نحو 177 دولاراً)”.
ويلفت إلى أنّ “أقساط المدارس الخاصة مرتفعة جداً مقارنة بما يتقاضاه الأهالي. وأعرف عائلات تحرم نفسها العديد من الاحتياجات، في سبيل تأمين أقساط المدرسة ومستقبل أبنائها”. كما تتواجد مدارس خاصة في بعض المناطق، من دون أن تكون مرخصة من قبل مديرية التربية والتعليم المسؤولة فيها، وتستقبل التلاميذ في مقابل رسوم مرتفعة. على الرغم من ذلك، هناك إقبال من قبل الأهالي على تلك المدارس. وهذا هو الوضع في مدينة جرابلس، بحسب ما يقوله مؤيد عبد الرحمن لـ “العربي الجديد”، مبيناً أن “إقبال الناس زاد على المدارس الخاصة مع إغلاق المدارس الرسمية، في ظلّ الإجراءات الوقائية من فيروس كورونا الجديد، في حين ظلت المدارس الخاصة تفتح أبوابها لاستقبال التلاميذ”.
من جهته، يقول رئيس مكتب التربية في المجلس المحلي لمدينة جرابلس في ريف حلب، مصطفى جاسم، في حديث لـ “العربي الجديد”: “لا يوجد في منطقتنا تعليم خاص مرخص، والمدارس الموجودة حالياً غير قانونية وغير مرخصة. إلا أن بعض الأهالي يضطرون إلى تسجيل أبنائهم في تلك المدارس غير القانونية. وعادة ما يتقدم تلاميذ شهادتي الإعدادية والثانوية العامة للامتحانات عبر مكتب التربية والتعليم. لكنْ، هذا العام، هناك مساع مع تلك المدارس لإيجاد صيغة مقبولة ليصبح لديها ترخيص قانوني من التربية، أو لن يتم الاعتراف بتلاميذها. وهذا الأمر سيحسم خلال الفترة المقبلة”.
يشار إلى أن تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، تفيد في تقرير أصدرته في وقت سابق هذا العام، بأنه في عام 2019، كان نصف الأطفال السوريين ما بين سن الـ5 والـ17 عاماً من دون تعليم، أي أن 2.1 مليون طفل في الداخل وسبعمائة ألف طفل لاجئ في دول الجوار محرومون من التعليم. كما أن 1.3 مليون آخرين عرضة للتسرب من المدارس أو عدم الحصول على التعليم.
رياان محمد _ العربي الجديد