جاء نفي مصادر رسمية تابعة للنظام السوري للأنباء عن دخول استثمارات إماراتية ضخمة إلى سوريا، ليبرهن على أن أبو ظبي ما زالت حذرة في التعامل والانفتاح التجاري والاقتصادي على دمشق، بخلاف الانفتاح السياسي.
فبعد أيام من تداول مواقع موالية للنظام أنباء عن مساعٍ من رجال الأعمال الإماراتيين والسوريين لإقامة استثمارات مشتركة تخص البنى التحتية والطاقة دمشق، منها “تنظيم شرقي باب شرقي”، خرجت مصادر النظام لتؤكد عدم صحة هذه الأخبار، لا في قطاعات إعادة الإعمار، ولا في النفط أو المدن الصناعية أو المناطق الحرة.
ويبدو أن النظام اضطر أن يكذّب تلك الأنباء ذلك بطلب إماراتي، وذلك تجنباً للضرر الذي قد تلحقه هذه الأنباء بسمعة الإمارات واقتصادها على الصعيد الدولي حسب تأكيد الصحافي أيمن عبد النور لـ”المدن”.
ويضيف عبد النور المقيم في الولايات المتحدة، أن الإمارات ضغطت على النظام لدفعه إلى نفي وصول استثمارات إمارتية إلى سوريا، بعد تناول وسائل إعلام وصحف أميركية لهذه الأنباء غير الصحيحة، التي يروج لها النظام بهدف تسويق “انتصاره” المزعوم، وأن البلاد تتعافى اقتصادياً من آثار الحرب.
ويكاد يكون مستحيلاً أن يتم السماح بإنعاش النظام اقتصادياً، دون تحقيق مطالب سياسية تشترطها الدول قبل الموافقة على دخول استثماراتها إلى سوريا، ومن أهمها تخفيف الارتباط السياسي والاقتصادي مع طهران، والانفتاح العلني على إسرائيل، بدلاً من الانفتاح سراً، للحفاظ على دعاية “الممانعة”، وفق عبد النور، الذي يتساءل: “لماذا إذاً ستقدم الإمارات على دعم الأسد، إن لم يكن فيه مصلحة سياسية تخدم مسار التطبيع مع إسرائيل الذي تقوده في المنطقة”.
وكانت مصادر اقتصادية قد استبعدت أن تتدفق الاستثمارات الإماراتية نحو سوريا في المدى القريب، وهو ما أكد عليه عبد النور بقوله: “إن حدث انفتاح سيكون بطيئاً، ومرتبطاً بخطوات سياسية يُنجزها النظام”.
وإلى جانب المطالب السياسية، تمثل عقوبات “قيصر” الأميركية على النظام السوري تهديداً ماثلاً لكل من يوفر الدعم للنظام السوري وحكومته. ورغم توقف إدارة بايدن عن إصدار حزم جديدة من عقوبات “قيصر”، منذ أواخر العام 2020، إلا أن عبد النور يرفض اعتبار أن القانون بات عرضة للنسيان والجمود من قبل البيت الأبيض، ويقول إن “إجراءات القانون يمكن أن تكون سريعة أو بطيئة، لكن القانون باقِ وواجب التنفيذ لأي مخالفة والكونغرس بالحزبين الديمقراطي والجمهوري بالمرصاد”.
وقبل أسبوعين، أكد وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان أن قانون قيصر يشكل تحدياً أمام التنسيق والعمل المشترك مع سوريا، مضيفاً “لا بد من وجود مجالات تفتح الباب للعمل المشترك مع سوريا، والقانون يجعل المسار في غاية الصعوبة”.
وفي هذا الإطار، يضع مدير منصة “اقتصادي” الباحث يونس الكريم قانون قيصر على رأس الأسباب التي تُعيق تطوير التعاون الاقتصادي بين النظام السوري والإمارات وغيرها، حيث يعاقب القانون كل من يشترك بمشاريع استثمارية تخص إعادة الإعمار.
ويضيف الكريم لـ”المدن”، أن القانون لا يزال قائماً، ومفاعليه أجهضت أكثر من مشروع استثماري، وهذا القانون أفشل كل محاولات تعويم النظام اقتصادياَ.
من جهة ثانية، يشير الكريم إلى أن سوريا لا تشكل بيئة جاذبة لاستثمارات الأجنبية، حيث لا يتوفر فيها عامل الاستقرار، ولا زالت الصراعات داخل بنية النظام قائمة، وهناك انقسام وسط أمراء الحرب في الولاءات بين إيران وروسيا، ما يجعل الاستثمار في سوريا مرتفع الخطورة.
كذلك، يلفت إلى ضعف اقتصاد السوق السورية، وانعدام القدرة الشرائية لغالبية السوريين، ما يجعل الشروع بتنفيذ أي استثمار أقرب إلى القرار العبثي منه إلى الاقتصادي، وخصوصاً بعد استحواذ موسكو وطهران على الاستثمارات الضخمة والسيادية.
والأهم من كل ذلك، أن النظام لم يعد جهة موثوقة في المجال الاقتصادي، طبقاً للكريم، الذي يلفت إلى تأثير الخلافات المالية بين بشار الأسد وقريبه رامي مخلوف، وطريقة حسم الأسد للصراعات المالية، على سمعة السوق الاستثمارية في سوريا.
ويؤكد الكريم أن النظام يحاول استثمار الانفتاح الإماراتي السياسي نحوه، وتحديداً بعد زيارة الأسد غير المسبوقة للإمارات في آذار/مارس الماضي، لترويج أنباء عن تحسن اقتصادي، للتغطية على الفشل الاقتصادي الذريع أي عدم توفر السلع الأساسية والمحروقات وارتفاع أسعارها.
مصطفى محمد _ المدن