لا يشكل طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، من الرئيس السوري بشار الأسد معرفة مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا عام 2012، تغييراً في سياسة التعامل مع سوريا عن بعد، ومن دون اعتماد مقاربة جديدة في التعامل مع دمشق. حتى الآن، لا تظهر بوادر اهتمام من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالملف السوري. والاستثناء الوحيد كان ذاك الاهتمام الذي أبداه بايدن شخصياً خلال القمة التي عقدها في جنيف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 16 حزيران (يونيو)، والتي طلب فيها عدم استخدام روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن ضد تجديد تفويض إدخال المساعدات إلى سوريا من معبر باب الهوى مع تركيا.
وكان الطموح الأميركي هو أن يشمل التفويض أيضاً معبر اليعربية بين العراق وسوريا، الأمر الذي رفضته موسكو بالمطلق. وانتهت المساومات بين الجانبين إلى موافقة روسيا على تجديد العمل بمعبر باب الهوى وحده.
وكانت موسكو، تساندها بكين، تشدد في المقابل على ضرورة إدخال المساعدات عبر “الخطوط الأمامية” التي تفصل مناطق سيطرة الحكومة السورية عن سيطرة المعارضة. لكن الغرب رفض الاقتراح الروسي، لأن من شأنه أن يشكل اعترافاً غربياً بالسيادة السورية وتعاملاً غير مباشر مع نظام الرئيس بشار الأسد. ومن علامات غياب الاهتمام الأميركي الجدي بالأزمة السورية، هو عدم تعيين بايدن مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، وعدم انتهاء إدارته من إعادة التقويم التي تجريها للسياسة حيال سوريا.
ولا يخفي المسؤولون الأميركيون أن اهتمامهم ينصبّ في الوقت الحاضر على الحفاظ على الهدوء النسبي السائد ميدانياً. لكن هذا الهدوء مهدد بتصاعد القصف والقصف المضاد منذ أسابيع على جبهتي إدلب وريف حلب. كما أن جبهة درعا تشهد منذ شهر انتكاسة للتسويات التي أبرمها النظام مع مسلحي المعارضة في المحافظة بإشراف روسي. وتندلع اشتباكات بين الجيش ومقاتلين سابقين من المعارضة، لا سيما في درعا البلد. والناحية الأخرى التي يركز عليها المسؤولون الأميركيون، هي التحالف مع “قوات سوريا الديموقراطية” التي يقودها الأكراد في شرق سوريا. وتنشر الولايات المتحدة نحو 900 جندي في هذه المنطقة التي تضم حقول النفط الرئيسية في سوريا، فضلاً عن وجود قاعدة أميركية في التنف عند مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية.
والسبب المعلن للانتشار العسكري الأميركي في هذه المنطقة، هو حرمان تنظيم “داعش” من الوصول مجدداً إلى حقول النفط السورية، لكن واشنطن تمنع أيضاً دمشق من استغلال هذه الحقول اتساقاً مع سياسة تغليظ العقوبات على النظام. وكان من بين الأسباب التي دفعت بايدن إلى عدم الانسحاب من العراق على غرار أفغانستان، هو الاستحالة العملية للانسحاب من العراق والبقاء في سوريا.
وفي الوقت الذي من غير الوارد التورط في خيارات عسكرية في سوريا، لا يبدو أن بايدن في عجلة من أمره للانخراط في أي مبادرة دبلوماسية حول سوريا، ويفضّل التريّث في انتظار نتائج التقويم الذي تجريه إدارته في هذا الشأن.
وتبقى العقوبات، وخصوصاً “قانون قيصر”، هي أداة الضغط التي تمارسها واشنطن ضد النظام، بينما الحل السياسي لا يمكن أن يتبلور من دون تفاهم أميركي – روسي. وبحسب المعطيات المتوافرة، لا يلوح في الأفق مثل هذا الاحتمال على المدى القريب.
وما بدا من اهتمام أميركي بإبقاء معبر باب الهوى مفتوحاً أمام المساعدات عبر الحدود، لم يكن سوى استجابة من بايدن لضغوط في الكونغرس في هذا الاتجاه.
أما صوغ مبادرة متكاملة أو البحث عن حل بمساعدة روسيا، فليس مطروحاً على أجندة بايدن، على رغم أن السياسات المتبعة منذ عهد باراك أوباما ومن بعده دونالد ترامب قد أثبتت فشلها.
سميح صعب _ النهار العربي