نقلت وكالة “الأناضول” عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات أدلى بها على متن الطائرة، خلال عودته من روسيا يوم الأربعاء الماضي، أنه بحث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن الوقت حان لتطبيق “حل نهائي ومستدام” للنزاع في سوريا، وخصوصاً في إدلب.
ومن جانبه أكد بوتين في مستهل الاجتماع الثنائي الذي دام قرابة ثلاث ساعات أن “السلام في سوريا مرهون بالعلاقات التركية-الروسية”. وقال: “المفاوضات مع تركيا تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها تنتهي بنتيجة إيجابية دائماً”.يمكن استخلاص عدة مؤشرات من كلام الرئيسين. الأول هو أن المباحثات بين الرئيسين، اللذين لم يلتقيا منذ عام ونصف العام، كانت صعبة هذه المرة.
وهذا لا يعني أن الجولات السابقة كانت سهلة، ولكن هذه الجولة هي الأصعب على ما يبدو. المؤشر الثاني هو أن المباحثات بدأت تنتقل، من البحث عن حلول للخلافات الميدانية على الأرض السورية، وفق اتفاق مارس/آذار 2020 بين الرئيسين في قمة سوتشي، إلى “الحل النهائي والمستدام”.
والمؤشر الثالث هو أن الحل في سوريا روسي تركي. والمؤشر الرابع هو أن بوتين لفظ للمرة الأولى مفردة السلام في سوريا.
ومن مقاطعة هذه المؤشرات الأربعة مع بعضها، يمكن بناء ملامح سيناريو للحل في سوريا، يقوم على تفاهم تركي روسي، وهذا يعني أن القوتين الأخريين الموجودتين على الأرض، الولايات المتحدة وإيران تأتيان في المرتبة الثانية، أو على الأقل لن يكون في وسع أي منهما عرقلة قطار الحل الروسي التركي.
إيران سوف تتكفل روسيا بالتفاهم معها، وهذا ما جرى العمل به في الجولات السابقة التي كانت الاتفاقات الروسية التركية ملزمة لها، ولهذا لم يثر غياب الرئيس الإيراني عن هذه القمة أي مشكلة، بعد أن كان من المقرر مشاركته. وفي ما يخص الولايات المتحدة فإن المرجح هو انسحاب قواتها من شمال شرقي سوريا في غضون عام، وهذ أمر يمكن تلمسه من تحركات مسؤولي “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) على المستوى الدولي، ومنذ أيام قصدت الرئيسة التنفيذية لـ”قسد” إلهام أحمد واشنطن، قادمة من موسكو.
ومن دون شك تصب تحركات المسؤولين الأكراد في خانة التحسب من الانسحاب الأميركي، وفي حينها لن يكون هناك طريق سوى باتجاه النظام السوري برعاية روسية. ومن جانب آخر يثير الانسحاب الأميركي ارتياحا كبيرا لدى تركيا، التي ترى أن ذلك هو الخطوة الأساسية نحو تحجيم مشروع “قسد”.يبقى إذاً القسم الصعب من الحل، وهو المستدام والنهائي، والذي يريده الرئيس التركي أن يبدأ من إدلب.
وهو في نظر بوتين يشمل ما بقي من الأراضي السورية خارج سيطرة النظام، وقدّر نسبته بـ10% خلال استقباله رئيس النظام بشار الأسد في منتصف الشهر الماضي، حيث اعتبر أن مشكلة سوريا هي وجود القوات الأجنبية، وهو يقصد القوات التركية لأنها تشكل العدد الأكبر وتنتشر على مساحة واسعة من محافظات إدلب وحلب والحسكة. وفي نظر روسيا إذا لم تنسحب هذه القوات من مواقعها، فإن سلطة النظام سوف تبقى منقوصة، ولن يكون هناك حل دائم ومستدام بشروطها.
ما تعمل من أجله روسيا هو انسحاب أميركا وتركيا معا، ويتعين عليها حل المشروع الكردي مع النظام وتحت إشرافها، وتقديم ذلك لأنقرة مقابل تنازل كبير في إدلب يقوم على تسوية تشمل وضع الفصائل العسكرية المسلحة من جهة، وعودة اللاجئين من تركيا من جهة أخرى، وليس مصادفة أن يصرح أردوغان بعد القمة، بأن “أكثر من مليون شخص، منهم 400 ألف في إدلب، عادوا إلى ديارهم”، مؤكداً أنه “نعمل بلا توقف من أجل العودة الآمنة للسوريين الذين نستضيفهم في تركيا”.
إدلب هي المحطة الأولى في السيناريو الروسي والتركي، ومنها سيبدأ العمل المشترك لاختبار “السلام الروسي” والحل التركي “النهائي والمستدام”. ولن يطول الوقت حتى تتضح خارطة الطريق، وربما الخارطة النهائية للمسألة السورية.
بشير البكر _ تلفزيون سوريا