سيريا برس _ أنباء سوريا
“بدنا نعيش وما بصير غير لي كاتبه الله”، يقول رجل ينتظر في زحام منطقة البرامكة في دمشق وسيلة نقل تقله إلى جديدة عرطوز في ريف العاصمة لدى سؤاله عن إجراءات الوقاية من الإصابة بفايروس “كورونا”.
جل تفكيره ينحصر الآن بحجز مقعد وسط تدافع المئات ممن ينتظرون وسائل النقل، إذ تعيش العاصمة السورية في هذه الفترة أزمة مواصلات خانقة، مع قلة عدد الميكروباصات وشح في مادتي المازوت والبنزين وتضاعف أسعارهما.
بحسب بيانات وزارة الصحة السورية وصل عدد الإصابات بفايروس “كورونا” حتى 27 كانون الأول/ ديسمبر إلى 11 ألف و33 إصابة و678 وفاة مع شفاء 5141 حالة.
في جولة خاطفة على أبرز شوارع دمشق، يندر أن ترى أشخاصاً يرتدون كمامات أو أقنعة واقية، فيما تغص وسائل النقل العامة بأعداد مضاعفة من الركاب بما يفوق قدرتها الاستيعابية، في ظل انعدام التباعد الجسماني أو التقيد بوسائل الوقاية من الفايروس، بينما تنتشر على “فايسبوك” صور وأوراق نعوة لمواطنين وأطباء قضوا بسبب الوباء. فلا يمر يوم من دون أن يعلق أحدهم معزياً أو مواسياً على منشورات معارفه.
أما الفريق المعني بإجراءات التصدي لوباء “كورونا” التابع للحكومة السورية، فقد قرر فرض الكمامة على المراجعين والعاملين في المؤسسات العامة ومستخدمي وسائط النقل الجماعي ومرتادي الأسواق ومنافذ البيع في الأفران، من دون أن يجد هذا القرار طريقه للتطبيق وسط غياب للرقابة.
مع استمرار الازدحام في أفران دمشق مثل “الشيخ السعد” الحكومي في المزة ومخابز “ابن العميد” في ركن الدين، وعلى أبواب “المؤسسة السورية للتجارة” الحكومية للحصول على المخصصات التموينية كالأرز والسكر بموجب بطاقة إلكترونية، أصبحت الطوابير بأشكالها كافة حالة عامة. وتقول سناء من سكان حي المزة “الناس في دمشق يفكرون بتأمين حاجاتهم المعيشية أكثر من مخاطر الإصابة بالفيروس مع ازدياد الأزمات الاقتصادية الخانقة مثل شح الغاز المنزلي وانقطاع الكهرباء وغلاء تكاليف المعيشية وسط انتشار الفقر والتسول”.
وعلى رغم الإعلانات الطرقية عن خطر “كورونا”، المنتشرة بكثافة بإشراف وزارتي الصحة والإعلام بالتعاون مع منظمات دولية، إلا أنها لا تلفت انتباه شريحة واسعة من المارة خاصة الأطفال الذين يجوبون الشوارع بحثاً عن المال ويقلبون حاويات القمامة من أجل بقايا الطعام.
ومع بداية تشرين الثاني/ نوفمبر دخلت سوريا الموجة الثانية من جائحة “كورونا”، فلا تقل الإصابات المسجلة يومياً عن 150 حالة بحسب بيانات وزارة الصحة، مع العلم أن العدد الحقيقي للإصابات والوفيات تخطى الأرقام الرسمية المعلنة وسط تراخ كبير في إجراءات السلامة العامة، والصفوف الحضورية في الجامعات والمدارس. وعلى رغم مناشدات الأهالي وعدد من الأطباء بتعليق الدوام، لا سيما بعد وفاة طالب في إحدى مدارس ريف دمشق و8 أشخاص من المدرسين والكوادر التربوية في مختلف المحافظات، وتسجيل أكثر من 600 إصابة بين الطلاب و800 إصابة بين الكوادر التربوية بحسب مديرة الصحة المدرسية في وزارة التربية د.هتون الطواشي إلا أن تلك المطالبات بقيت من دون استجابة.
الإمكانات المتاحة… دمشق
قال عضو الفريق الاستشاري لمواجهة فايروس “كورونا” د. نبوغ العوا “المرض بدأ يظهر بشكل واضح أكثر بعد دخول فصل الشتاء، إذ ارتفع عدد الإصابات في جميع المحافظات، ومن الممكن حدوث زيادات كبيرة (انفجارات)، وشاهدنا ما حصل في الصيف من ارتفاع في عدد الإصابات والوفيات… وأتوقع زيادة في عدد الحالات الحرجة”، وأشار العوا إلى ارتفاع عدد المراجعين المصابين بـ”كورونا”، وهي نسبة تزداد يوماً لكنها “محمولة حتى الآن” وهي حالات متوسطة في معظمها يتم حجرها في المنزل ومتابعة وضعها عبر الهاتف، أما الحالات الأشد صعوبة فتحوَّل إلى مستشفيات.
الفحوص غير كافية
ذكر العوا أن إجراء تحليل PCR الخاص بـ”كورونا” يتطلب يوماً أو يومين لتظهر النتيجة بحسب الضغوط في المختبرات، وليس لدى وزارة الصحة القدرة على إجراء اختبارات للجميع، في حين أن المراكز الخاصة تطلب مبالغ لا يقدر الجميع على دفعها، وفي حال عدم قدرة الشخص على الدفع يتم الاكتفاء بصور الأشعة وتحليل الدم، لأن كلفتهما أرخص من تحليل PCR.
في دمشق 15 مستشفى حكومياً، تملك 3 آلاف و483 سريراً، في حين يصل عدد المستشفيات الخاصة إلى 36، بقدرة 1298 سريراً، بحسب بيانات وزارة الصحة. ويعتمد الناس على العلاج في المستشفيات الحكومية لأنه يُقدم مجاناً، ومن أبرز هذه المستشفيات التي تستقبل حالات “كورونا”، مستشفى الأسد الجامعي، والمواساة، وابن النفيس، والهلال الأحمر السوري. في المقابل يضطر بعض المرضى للذهاب إلى مستشفيات خاصة في حال عدم توفر شواغر في المنافس والأسرة الحكومية، مقابل دفع مبلغ مادي لا يقل عن 500 ألف ليرة في الليلة الواحدة ما يعادل 200 دولار في السوق الموازي بحسب ما أكده أحد المرضى لـ”درج”.
وكانت وزارة الصحة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، جهزت مستشفى طوارئ في “مدينة الفيحاء الرياضية” في دمشق يتسع لـ120 سريراً لاستقبال المصابين بـ”كورونا” بأعراض متوسطة وبحاجة لدعم أكسجة فقط، كما خصصت مئة سرير إضافي لاستخدامها عند الحاجة.
تضاعف الإصابات… وأرقام بعيدة من الإحصاءات الرسمية
بين مدير مستشفى المواساة د.عصام الأمين خلال تصريح لوسيلة إعلام محلية في 16 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أن حصيلة الإصابات بفايروس “كورونا” في المواساة خلال النصف الأول من تشرين الثاني تضاعفت 3 مرات عما كانت عليه الشهر السابق، وقال “إن مجموع الإصابات المثبتة التي يستقبلها المستشفى حالياً منذ بدء تشرين الثاني وصل إلى 53 حالة، بينما لم تتجاوز في تشرين الأول الماضي 15، أما في أيلول/ سبتمبر فكانت 19 فقط، إلا أنها وصلت ذروتها القصوى خلال آب/ أغسطس، حيث بلغت 172 إصابة إيجابية في مستشفى المواساة فقط”، وأوضح الأمين أن “هذه الأعداد تمثل الحالات التي تحتاج إلى دعم طبي في المستشفى وحسب، وهي ما بين شديدة وحرجة، إلا أنها لا تشكل سوى 15 في المئة من مجموع المصابين”.
وصرح الأمين في 23 تشرين الثاني بأن دمشق في المرتبة الخامسة من حيث عدد الإصابات بالفايروس ومن المتوقع أن تكون حمص والسويداء في المرتبة الأولى.
من جهة أخرى، أوضح معاون مدير مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة عاطف الطويل أن بعض المحافظات تشهد حالياً ازدياداً متدرجاً لانتشار الفايروس لا سيما حماة وحمص واللاذقية والسويداء، وأكد الطويل لوكالة “سانا” أن نسب إشغال الأسرة لمرضى “كورونا” ارتفعت في بعض المحافظات إلى 15 بالمئة قياساً بالفترة السابقة.
وهذا ما أكده أيضاً مدير الجاهزية والإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة د.توفيق حسابا، الذي أشار إلى ارتفاع منحى الإصابات منذ تشرين الثاني 2020، إذ كان عدد الإصابات المسجلة يومياً يصل إلى 30 إصابة و3 وفيات، بينما ارتفع خلال منتصف كانون الأوّل/ ديسمبر ليصل إلى 150 إصابة و15 وفاة في الأسبوع ما يعني زيادة معدل الإصابات والوفيات المعلن عنها رسمياً بنحو خمسة أضعاف من منتصف تشرين الثاني حتى الآن.
حلب: 12 ساعة في الظلام
لا يختلف وضع حلب عن دمشق لناحية انتشار “كورونا”، إذ قال أحمد (اسم مستعار) وهو طبيب بقسم الصدرية في مستشفى حلب الجامعي لمعد التقرير، إن “المراجعين في قسم الإسعاف في ازدياد مطرد، المستشفى ممتلئ ولا أماكن شاغرة لاستقبال المزيد”.
وأضاف: “قسم العناية في المستشفى يمتلك 6 منافس فقط، وإذا لزم الأمر سنستخدم جناحاً إضافياً بسعة 10 غرف”. ويشير أحمد إلى صعوبة تقدير أعداد الإصابات كون الفريق الطبي يعمل في مناوبات متغيرة يومياً، لكن يمكن القول إن “الإسعاف الداخلي يستقبل 20 مريضاً مشتبه بإصابتهم بكورونا مقارنة بـ5 أو 10 فقط في تشرين الثاني”.
ويعاني السوريون بمناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية في حلب من انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 12 ساعة يومياً، ما دفعهم منذ سنوات إلى الاعتماد على “أمبيرات المولدات للحصول على الكهرباء”، على رغم ارتفاع ثمنها، إضافة إلى تأخر الحصول على مخصصات المازوت للتدفئة المنزلية، وأوضح د. أحمد أن الناس يسعون لتوفير المال عبر العمل في أكثر من مكان لتأمين تكاليف الخبز والطعام والأمبيرات متناسين شيئاً اسمه فايروس “كورونا”.
لا مساعدات للسويداء.. والمشهد ذاته في درعا
ويتكرر المشهد ذاته في السويداء، إذ ذكر مصدر في “مديرية صحة السويداء” لـ”درج” أن ارتفاع عدد الإصابات بـ”كورونا” بنسبة كبيرة دفع المديرية إلى فتح قسم عزل ثالث في “مستشفى السويداء الوطني” لتتركز الحالات المعزولة في “مستشفى صلخد” و”الوطني” و”مستشفى سالي الوطني”، مشيراً إلى وجود 40 منفسة فقط في مستشفيات المحافظة، وأوضح المصدر أن الإصابات والوفيات تسجل بشكل يومي، وقد يصل عدد الوفيات أحياناً إلى ما بين 10 و12 شخصاً في اليوم، مبيناً عدم قدرة مديرية الصحة على إجراء مسحات لجميع الأهالي، لذلك يتم الاكتفاء بصورة مقطعية للصدر، أما المسحات الطبية التي تجرى فترسل إلى مختبرات “وزارة الصحة” في دمشق، وتظهر النتيجة بعد 10 أيام أو أسبوع. وبيّن المصدر أنه على رغم ارتفاع عدد الإصابات لم تصل أي مساعدات إلى المحافظة من الوزارة.
أما في درعا، فقال أسامة أحد متطوعي “منظمة الهلال الأحمر السوري”، “منذ أسبوعين، تعاملنا مع 50 حالة مشتبه بإصابتها بالفايروس يومياً من ضمنها وفيات نقلناها إلى المستشفيات في المدينة بينما الانتشار الأكبر كان في الريف”، وتابع: “يجهز الهلال حالياً قسم عزل جديداً يستوعب 30 مصاباً في المستشفى الوطني في درعا”.
ومع ازدياد عدد الإصابات في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، سرعان ما أصدر وزير الصحة حسن الغباش تعميماً بتاريخ 29 تشرين الثاني بإيقاف العمليات الباردة اعتباراً من بداية كانون الأول/ ديسمبر مع استمرار العمل بالنسبة إلى الحالات الاسعافية والعمليات الجراحية الخاصة بالأورام، وانتقال المستشفيات للعمل ضمن خطة الطوارئ B، والتوسع ضمن أقسام المستشفى لمصلحة مرضى “كورونا”.
طارق ميري _ درج