“سلل غذائية”.. معونات السوريين في دمشق تُباع على بسطات الشوارع 

غير مخصصة للبيع إلا أنها صالحة للاستهلاك البشري، على مفترق الطرق وفي الأحياء الشعبية يصفون أكياس الرز والبرغل والسكر، وأحياناً عبوات الزيت، وعلى عينك ياتاجر، شعار الأمم المتحدة ينافس هذه البسطات في إشارة منه إلى أنها مواد إغاثية ومساعدات أممية انتشرت بعد الثورة في سوريا. 

 مع تردي الوضع المعيشي للسوريين بفعل التهجير والنزوح الذي مارسه النظام السوري، لجأت العديد من الجمعيات الخيرية لتوزيع “سلل غذائية” على المتضررين بالتنسيق مع برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومنظمة الصليب الأحمر الدولي ووكالة الأونروا.  

 لكن عملية توزيع المساعدات شابها الكثير من الفساد والمحسوبيات بحسب سكان في دمشق، وبدأت معها تنتشر بسطات عشوائية في شوارع العاصمة تبيع تلك المساعدات علناً.  

 تلك البسطات مؤلفة من (سكر، وأرز، وشاي، وبطانيات، ومعكرونة، وعسل، وحمص، وطحين، وحليب أطفال، وفول، وزيت نباتي وغيرها)، إضافةً لتوزيع أدوات مطبخ ومنظفات وفرش وأغطية في بعض الأحيان.  

 البعض ممن يعمل على تلك البسطات يدعي بأنَّ تلك المواد التي بحوزتهم اشتراها من أمام الجمعيات الخيرية من أشخاص يبيعون معوناتهم، لكن القسم الأكبر من أصحاب تلك البسطات يحصلون عليها بطرق السمسرة والتجارة غير المشروعة.  

 وتكمن المشكلة في أنَّ ظاهرة بيع “السلل الغذائية” حولت المساعدات الإنسانية التي من المفترض أن تصل إلى مستحقيها من النازحين والمتضررين إلى سلع تُباع في البسطات دون أية رقابة ومساءلة، إضافةً لانتشار عملية البيع على مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحات تعلن عن توفر كراتين معونة لديها.  

 وتشهد مناطق سيطرة نظام الأسد ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية ومختلف الاحتياجات المعيشية بسبب انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي وارتفاع معدلات البطالة وعدم تناسب الأجور مع الارتفاع الحاصل في أسعار السلع. 

وفي أواخر العام الماضي أصدر النظام قراراً يقر بسجن وتغريم من يتاجر بالمساعدات والمعونات الإنسانية، لكنه بقي حبراً على ورق، إذ ما تزال تلك المساعدات تباع في شوارع مناطق سيطرته.  

111.PNG
صور حصل عليها موقع تلفزيون سوريا تظهر بيع المساعدات الغذائية في دمشق

استغلال أطفال لبيع مواد إغاثية 

 في سوق باب سريجة بدمشق القديمة تنتشر ست بسطات متوسطة الحجم تبيع كل مواد المعونات الخاصة ببرنامج الغذاء العالم، ويعمل في إحداها شاب في الثلاثينيات من عمره ويرتدي ثياباً نظيفة ولا يبدو عليه التعب أو الفقر والحاجة، ما يدل على أنه يتاجر بتلك المعونات. 

 وقال الشاب الثلاثيني لموقع تلفزيون سوريا إنَّ “المعونات التي يبيعها تأتيه من درعا عبر شخص يزوده بها كي يبيهعا في دمشق”. مضيفاً أنه يستطيع تصريف أي مواد معونة تأتيه دون أن يصرح عن المصدر الذي يؤمن له المعونات.  

كما تحتوي بسطته على مواد غير متوفرة في بسطات أخرى، كأضواء الطاقة الشمسية التي يُباع الواحد منها بنحو 25 ألف ليرة، والقادمة من درعا لِتٌباع في دمشق.   

111122.PNG
صور حصل عليها موقع تلفزيون سوريا تظهر بيع المساعدات الغذائية في دمشق

أما البسطة الأخرى والمحاذية لبسطة الشاب الثلاثيني، فيتناوب عليها طفلان في الثالثة عشرة من عمرهم، ولاحظ معد التقرير وجود شخص يرتدي ثياباً عسكرية على دراجة نارية يقوم بتوزيع مساعدات (كراتين) لتلك البسطات الثلاث إضافةً لوجود بسطات أصحابها يرتدون اللباس العسكري رفضوا الحديث حول الموضوع نهائياً.  

 وفي الطرف الآخر من حي باب سريجة رجل في العقد الخامس من العمر يعمل على بسطة معونات أخرى ويبدو أنه يكسب لقمة عيشه، لكنه رفض الحديث بشكل قاطع، قائلاً “بدنا نعيش وناكل”.  

بالمقابل هناك من يعمل كسماسرة على باب إحدى مراكز توزيع المعونات التابع لجمعية “حفظ النعمة” بدمشق.

“أشتري هذه المعونات من أناس لا تحتاجها وأبيعها هنا وأربح بها كي أطعم أولادي”، يقول صاحب إحدى البسطات ويضيف أنه في بعض الأحيان هناك من يعطيه معوناته بالكامل مجاناً باستثناء مادة السكر.  

في حين أكد أحد أصحاب المحال القريبة من تلك البسطات لموقع تلفزيون سوريا أنَّ” كل تلك البسطات الموجودة في هذا الشارع تتبع لشخص واحد وهو المسؤول عنها”. 

وذكر، شرط عدم نشر اسمه، أنَّ صاحبها يلجأ لتشغيل الأطفال حصراً والذين يتناوبون عليها من الصباح وحتى ساعات متأخرة من الليل.    

لا يختلف ما يحدث في سوق باب سريجة عن غيره من الأسواق التي تنتشر فيها بسطات المعونات. وفي مساكن برزة وعلى امتداد الشارع العام بجانب سوق الخضرة، تنتشر كذلك بسطات بيع مواد متنوعة من مساعدات أممية ومن “الهلال الأحمر العربي السوري”، ومن جمعيات خيرية محلية، وتوجد نحو 5 إلى 6 بسطات تبيع تلك المواد يومياً عبر أطفال وبأسعار أقل من سعرها في المحال والسوبر ماركت. 

طفل في الثانية عشرة من عمره، يجلس أمام بسطة على امتداد الشارع العام في مساكن برزة، يقول لموقع تلفزيون سوريا، إنه نازح من الغوطة الشرقية ويعمل على هذه البسطة منذ سنوات كي يساعد أهله في تكاليف المعيشة. 

ويضيف “أعمل بشكل مياوم لدى صاحب البسطة الذي يؤمن تلك المساعدات الإنسانية دون أن أعلم شيئاً عن مصدرها”. ويداوم على بسطته قرابة العشر ساعات يومياً مقابل 3500 ليرة.  

 ورصد معد التقرير خلال جولته في سوق مساكن برزة وجود أناس ميسوري الحال يبيعون معوناتهم لأصحاب البسطات ما يُفسر الخلل والفساد في عملية توزيع تلك المساعدات، ناهيك عن أن أغلب من يعمل بتلك البسطات من الأطفال.    

4544.PNG
صور حصل عليها موقع تلفزيون سوريا تظهر بيع المساعدات الغذائية في دمشق

مواد إغاثية تٌباع بسعر منخفض 

 ويضطر سكان في دمشق للجوء إلى شراء ما تضمنه السلة الغذائية من مواد في ظل انخفاض سعرها عن سعر المواد المشابهة والتي تباع في المحال التجارية.  

أم سعيد في العقد السادس من العمر تقف أمام إحدى بسطات المعونات في سوق مساكن برزة وتفاوض من أجل كسر سعر بعض المواد التي تحتاجها.  

وتقول لموقع تلفزيون سوريا “لدي خمسة أطفال وزوجي استشهد في مدينة حرستا ودخلي بالكاد يكفينا”، مضيفةً أنها كانت تأخذ معونة شهرية عن طريق إحدى الجمعيات الخيرية في منطقتها، لكنها اليوم أضحت تأخذها كل ثلاثة أشهر، ما اضطرها لشراء مواد المعونة عن طريق تلك البسطات.  

وكانت أغلب الأسر المحتاجة والمهجرة والنازحة تُسجل لدى الجمعيات الخيرية للحصول على معونة شهرية تتضمن سلة غذائية كاملة، لكن تلك المعونة تحولت من شهرية إلى كل ثلاثة أشهر، في ظل انتشار بيعها على البسطات، بحسب عدد من السكان التقاهم تلفزيون سوريا.  

dic_0001.jpeg

وفي آذار من العام الماضي، قال ممثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومديره الإقليمي في سوريا، شون أوبراين، إنَّ “الأزمة في سوريا تسببت بخسائر فادحة للشعب السوري ففي كل يوم، يدفع بالمزيد والمزيد من السوريين نحو الجوع والفقر، وتواجه الأسر خيارات مستحيلة”. 

 وقدّر البرنامج في شباط الفائت، أنَّ ما لا يقل عن 12.4 مليون شخص في سوريا، أي 60% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع. 

 وفي شهر أيلول الفائت، خفض برنامج الأغذية العالمي (WFP) محتويات السلل الغذائية المقدمة للمحتاجين في جميع المناطق السورية.  

تسويق الكتروني لبيع المعونات 

 لا تنتهي قصة بيع المعونات هنا، بل انتقلت إلى مستوى البيع الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إذ توجد صفحات على الفيس بوك تبيع مواد معونات حكومية وأممية، كــ “سوق صحنايا”، الذي يبيع مواد مدعومة من قبل النظام السوري.  

 وكذلك توجد صفحات ومجموعات على فيسبوك تعرض بيع مساعدات إنسانية كــ سوق الشام للمستعمل والذي نشر فيه بتاريخ 6 آب الفائت عن وجود كرتونة معونات للبيع.  

 وفي 14 آب الفائت نشرت صفحة  للبيع كل شيء في دمشق وريفها عرضاً لبيع فرشات معونات وكرتونة مساعدات بقيمة 100 ألف للفرشات و50 ألف لكرتونة المساعدات.  

 ويرى مراقبون أنه على الرغم من أنَّ المساعدات الإنسانية كانت لسد رمقهم الذي جففته الحرب حاول السوريون إيجاد طرق مختلفة للتصرف فيها وإشباع حاجاتهم المختلفة التي عجز النظام السوري ومن يواليه عن إشباعها. 

جوان القاضي _ تلفزيون سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة