syria press_ أنباء سوريا
ما شهدته سوريا المنكوبة المدمرة المحتلة من أفراح وأعراس واحتفالات سياسية، لم تشهده أي دولة ضرب فيها الكيماوي وهجر نصف سكانها وقتل وشوّه ١٠٪ منهم. لقد تطوعت مجموعات مختلفة من الفئات الاجتماعية كلها لنصب الخيم وإقامة الأفراح بالرغم من أزمة الخبز والكهرباء والوقود والمعاشات، وبالرغم من جيوش الاحتلالات، ولم يستثنَ المشايخ ورجال الدين بكل أدياناتهم وطوائفهم.
كل ذلك حدث في سوريا التي حولها آل الأسد من جمهورية برلمانية لمزرعة ملكية تورّث للولد بعد الأب والحفيد بعد الجد. هم يصرّون على إجراء انتخابات صورية كل مدة لتذكير الناس بأنّ السلطة قبل أن تغتصب قد كانت ديموقراطية يتداولها السياسيون بحسب نتائج صندوق الاقتراع، الذي تحوّل لمركز اغتصاب تفضّ فيه عذرية وشرف المواطن ويجبر على ثقب يده تذكيراً بأنّه قد أصبح عبداً للقائد.
وبمقدار ما مارس الشعب طقوس التذلل والتزلّف وتحقير الذات، بمقدار ما ارتفع القائد وشعر بالسمو والرفعة طالما أنّه يفهم أنّ هؤلاء هم ألدّ أعدائه، وهم ضحاياه الذين يحضرهم للذبح والسلخ. ويزداد شعوره باستقرار حكمه بمقدار شيوع الجبن والخوف والانبطاح. وهكذا تحوّل كل العنف الذي مارسه على شعبه الذي سار ضده، لولاء وخوف وخنوع عند من بقي تحت سلطته ولم يرحل طالباً النجاة.
قمة الجنون والكذب الأحمق المفضوح مورس باسم الديموقراطية لتجديد شرعيّة نظام لم يتوانَ لحظة عن استخدام كل أنواع الأسلحة لقتل من يرفض بقاءه في السلطة، فأي شرعية بعد شرعية القوة والقهر والقتل والتشريد. إنها قمة الديموقراطية لذلك يخرج إمام المسجد ليدعو الله أن يحفظ ويديم هذا القهر والذل، ويخرج وزير الخارجية ليؤكد أنّ الانتخابات في سوريا أفضل من مثيلها في أمريكا.. وهكذا نصل لقمة الخوف الذي هو الجنون.
حتى بشار الذي جهد في فبركة أرقام الانتخابات، نسي تماماً أنّ نصف شعبه خارج سيطرته وأنّهم لم يذهبوا للانتخابات، فقرّر هو أن يصوّت عنهم، فهو يعتقد أنّه يحظى برضى ٩٥٪ بالمية من الشعب الذي وجه رسالة لكل الأغبياء في العالم، فالموضوع ليس الانتخاب بل التحدي.
النتيجة الأهم لهذا الحدث، هي إثبات مدى فساد واستبداد وإجرام النظام، والفائدة الأساسية هي إطلاق رصاصة الرحمة على مسار جنيف وجهود المبعوث الدولي، وبالمعية إلغاء صلاحية كل مؤسسات المعارضة التي صممت لذلك التفاوض، ومحاولة فرض الأمر الواقع على الشعب السوري والمجتمع الدولي، الذي سيضطر لسلوك طريق آخر في التعامل مع هذا الإجرام بحق الإنسانية والحضارة.
لقد كان مشروع المجلس العسكري الانتقالي بحاجة لدعم عبر إغلاق كل البدائل وهذا ما قدمه لنا النظام بغطرسته وعناده وغبائه. وأثبت الشعب السوري أنّه يحتاج لفترة انتقالية لكي يتعلم معنى الديموقراطية والانتخاب، وقبل خمس سنوات من الحياة الآمنة والحرة لن يكون لأي انتخابات أي معنى.
بسقوط الشعب في مستنقع الخوف والجهل والتزلف، نجح بشار، لكن سقطت سوريا وأصبحت بحاجة لوصاية دولية تدير سلطة انتقالية نظراً لغياب الوعي السياسي الأساسي لتشكيل شعب سياسي قادر على تقرير مصيره.
د. كمال اللبواني _ ليفانت