من يدافع عن زواج القاصرات يأتي بأمثلة عن أسرة متماسكة وأبناء ناجحين ومحيط اجتماعي يضرب المثل بتلك الزوجة الصالحة والأم المثالية، ولكن لا أحد يعلم الوجه الآخر لتلك الزوجة وما تعانيه وعانته عندما سحبوها من عمر الطفولة لتكون أماً لأطفال.
تشير المعطيات إلى عودة ظاهرة تزويج الفتيات بسن مبكر في المجتمع السوري بعد انحسارها قبل بدء الحرب التي خلقت ظروفا استثنائية بقساوتها منذ ما يزيد على 10 سنوات.
أسباب انتشار الظاهرة
في السابق، كانت الظروف الاقتصادية الصعبة تحمل الأهل على إرسال أبنائهم الذكور للعمل وتزويج الفتيات في سن مبكر إلا أن سوريا شهدت ما بين 1990 إلى عام 2011 تراجعا كبيرا في زواج القاصرات والاهتمام بتعليم البنات ومستقبلهن في مختلف المدن والريف السوري.
لكن الحرب القائمة في سوريا أعادت زواج القاصرات إلى الانتشار وارتفع المعدل من 7% إلى 30% بحسب تقرير للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.
ربط التقرير انتشار هذه الظاهرة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي وتزداد وتتقلص حسبما يحيط بالفتاة، التي لم تبلغ سن الرشد القانوني (18 سنة)، من ظروف في مقدمتها النزوح والعوز في ظل الحرب.
وبحسب التقرير، فإن معظم هذه الزيجات تكون غير مسجلة قانونياً، وازداد انتشارها في مناطق سيطرة القوى المتشددة التي فرضت على كثير من الأهالي تزويج بناتهم مبكراً تحت تبرير تجنب الاختلاط الذي قد يسبب انحراف الفتيات.
طفولة مسروقة
“كل صباح أسأل نفسي لماذا أنا هنا؟”، تقول هند فتاة سورية، تزوجت بسن الـ 15 من رجل ميسور الحال يكبرها بنحو عشرين سنة، كان قرار أمي التي أرادت أن تخلصني من الأوضاع الصعبة التي نعيشها في دار الأيتام، ولكنها أخذت القرار من دون موافقتي إلا أنها دمرت حياتي ولم تصنع سعادتي كما كانت تفكر.
وتضيف هند، رغم الفارق الاقتصادي الأفضل، فإنني أرغب في العودة إلى أصدقائي وحنان أمي، وأكره كل شيء في هذا المنزل الذي لا يحق لي فيه الضحك بصوت مرتفع أو التعبير والحديث بما أريد.
وتتابع حديثها بحسرة، أفكر الهروب إلى طفولتي التي سُرقت والهروب من كل شيء لأن في هذا المنزل كل شيء أكبر من مقاسي.
تقول “م.ع”، ناشطة سورية تعمل في منظمة مجتمع مدني كانت إحدى ضحايا الزواج المبكر، هناك انتشار كبير لزواج القاصرات السوريات في تركيا، ولكن ليس هناك إحصائيات أو أرقام.
وتضيف، عادة ما يكون هذا الزواج زواجاً مبطناً، أي بعيداً عن الرصد والسجلات القانونية، موضحة أن غالبية الحالات تكون إما زواج ثان أو سرّي في حال كان الزوج تركياً.
وفي حال كان الزوج سورياً، وباعتباره زواجاً مخالفاً للقانون التركي الذي يمنعه لمن دون 18 سنة، لذلك لا يتم تسجيله.
وبحسب الناشطة، لطالما تبرر الأمهات أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة هي التي أجبرتهن على القبول بتزويج بناتهن.
وتقول “م.ع”، أقابل بشكل يومي أمهات تشكين من المعاناة التي تعيشها فتياتهن بسبب الزواج المبكر، والذي ينتهي بالطلاق في العديد من الحالات.
وتضيف، ما يزيد من معاناة ضحايا الزواج المبكر المطلقات هو سعي الأهل لتزويجهن مرة ثانية في ظروف لا تقدم للفتاة فرصاً للاختيار، مما يجعلها تدفع الثمن مرتين على حساب صحتها النفسية والجسدية.
“جريمة صامتة”
صباحات، ممرضة تركية تعمل في قسم التوليد في إحدى المشافي الحكومية بولاية هاتاي، تقول أشعر بالحزن والغضب عندما تأتي طفلة قاصر إلى غرفة الولادة، مشيرة إلى انتشار ظاهرة زواج القاصرات لدى السوريين لكثرة تعاملها مع العديد من الحالات في المشفى.
وتروي صباحات في حديثها لموقع “تلفزيون سوريا”، هنالك قصة لن أنساها عن كمية الخوف والرعب في عيون فتاة سورية قاصر وهي تدخل إلى غرف تجهيز النساء للولادة وكانت تسمع صريخ من حولها من النساء.
وتضيف، أمسكت الفتاة الحامل بيد والدتها وتوسلت إليها بالأ يدخلوها إلى تلك الغرفة، وفي أثناء الولادة فقدت وعيها مرات عدة.
وتتابع الممرضة التركية، لم أستطع تمالك أعصابي وصرخت في وجه والدتها كيف استطعتِ تزويج هذه الطفلة، إلا أن الأم انهارت وبدأت في البكاء مبررة فعلتها أنها كانت مجبرة بسبب الظروف المالية الصعبة.
كانت النتيجة أن فقدت الفتاة القاصر جنينها بعد الولادة مباشرةً، ودخلت في حالة اكتئاب شديدة.
بحسب صباحات، لا يكاد يمر أسبوع من دون أن نشهد حالة ولادة قاصرة سورية.
المخاطر الصحية لزواج القاصرات
يحمل حمل الفتاة القاصر مخاطر جسيمة بسبب عدم النضوج الجسدي والنفسي وقد يتسبب أحياناً بأمراض مزمنة.
ويقول الطبيب عبد الإله عبد العزيز (جراحة عامة)، إن أبرز المخاطر ارتفاع نسبة الإجهاض بسبب عدم النمو الكامل لجهاز الإنجاب عند الفتاة وبسبب ارتفاع سكر الحمل نتيجة الحالة النفسية للقاصر في أثناء الحمل.
ومن المخاطر، زيادة نسبة الولادة المبكرة (الشهر السابع) والولادة القيصرية وإنجاب مواليد صغار الحجم، إضافة إلى التمزق المهبلي خلال الولادة وارتفاع مخاطر الإصابة بحمى النفاس (التهابات ما بعد الولادة).
ومن الناحية النفسية تزداد خطورة الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة لأن معظم القاصرات لا يملكن القدرة على الاهتمام بالطفل.
الوضع القانوني لزواج القاصرات في تركيا
يعاقب القانون على زواج القاصر سواء كان هذا القاصر ذكراً أو أنثى.
ويوضح المحامي حسام السرحان أن العقوبات المفروضة تصل إلى السجن وتشمل كلاً من والد القاصر والزوج وكاتب العقد.
ويضيف المحامي، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن الكثير من السوريين تعرضوا للمساءلة القانونية بسبب هذا النوع من الزواج وكثرة الحالات التي تأتي للمشافي التركية وتكون فيها الزوجة قاصراً وليس هناك عقد زواج رسمي.
لا يسمح القانون التركي بإتمام الزواج قبل سن السابعة عشرة، ويعتبر ذلك جرماً عقوبته السجن من ستة أشهر إلى سنتين، وفي حال إثبات أن الزوجة أرغمت على الزواج وهي قاصر تكون العقوبة بالسجن لمدة ستة عشر عاماً.
ويشير المحامي إلى أن هناك استثناء لمن أتمّ السادسة عشرة من عمره واكتملت بنيته الجسدية.
وتقول هدى أبو نبوت في دراسة أعدتها على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة عن حجم ظاهرة زواج القاصرات السوريات في تركيا، فإنها تحولت في مجتمع اللجوء إلى ظاهرة أصيلة ومستمرة تلاحظ خصوصاً في الأحياء المكتظة والفقيرة.
وبحسب الإحصاء العام الذي أجرته الحكومة التركية عام 2013، فإنه من بين كلّ 100 امرأة في تركيا هناك سبع نساء تزوجن بين سن 15 عاماً و19، منهن خمس نساء من كلّ 100 أنجبن في هذا السنّ.
ومن بين كل 100 قاصر متزوجة، هناك 60 قاصراً يتزوجن برجال يكبرونهن بما بين خمسة أعوام وعشرة. كذلك، فإنّ جميع زيجات القاصرات تجري بعقد ديني من دون تسجيلها في دوائر الدولة.
وبحسب برنامج مراقبة وفيات الأطفال، الخاص بوزارة الصحة التركية، توفي 2404 أطفال ممن لم يكملوا اليوم الأول من عمرهم، خلال السنوات الـ11 الأخيرة، وذلك بعد ولادتهم لأمهات ما دون السابعة عشرة.
وضحى العثمان _ تلفزيون سوريا