حتى اليوم لا يزال الحديث حول الإفراج عن المعتقلين يشغل مجالس السوريين، بعد صدور مرسوم العفو العام عن “الجرائم الإرهابية” المرتكبة من قبل تاريخ (30/4/2022)، باستثناء ما أفضى “إلى موت إنسان”، من دون أن يشمل القرار دعوى الحق الشخصي.
مشاهد اللهفة والشوق والانتظار التي شهدتها شوارع المحافظات السورية بعد صدور العفو، تحمل في طياتها مخاوف كبيرة من احتمال فقدان الأمل نهائياً بعودة الذين تم اعتقالهم منذ سنوات طويلة وانقطاع أخبارهم عن ذويهم، فعدم خروجهم يعني بالضرورة وفاتهم.
معاناة أخرى
لكن على صعيد آخر، هناك مخاوف أخرى من مشكلات قانونية قد تنشأ من عودة المعتقلين بعد سنوات طويلة وانقطاع كل وسائل التواصل معهم وعدم معرفة مكان اعتقالهم، خاصة في حالتي زواج الزوجة من شخص آخر أو تقاسم أملاك المعتقل المفقود من قبل الورثة، بعد أن تم تثبيت وفاته في المحاكم لانقطاع الأخبار عنه.
أم فراس (ق) وتبلغ من العمر 31 عاماً، اعتقل زوجها من منطقة الحجر الأسود بتاريخ 2012 وكان عمرها حينئذ 21 عاماً، ثم تزوجت منذ 4 سنوات من رجل آخر، بعد وصولها إلى مرحلة صعبة باتت فيها غير قادرة على إعالة طفلها الذي كان يبلغ عاماً واحداً عندما اعتقل والده.
وقالت لموقع تلفزيون سوريا: “عانيت وحدي كثيراً وراجعت الفروع الأمنية ووزارة المصالحة وأكثر من جهة من دون جدوى. انتظرت كثيراً حتى عام 2018 ولم أعرف عن زوجي شيئاً، حينئذ اضطررت للتوجه إلى المحكمة للحصول على حكم بالطلاق بسبب غياب زوجي أربع سنوات واعتبر حينئذ بحكم الميت، وبعد ذلك تزوجت من رجل آخر”.
لا تعلم أم فراس ما هي ردة فعل زوجها المعتقل لو عاد بعد مرسوم العفو وشاهدها مع رجل آخر لديها طفلة منه، وكيف يمكن أن تشرح لابنها الذي بلغ من العمر نحو 11 عاماً أن أباه لم يمت، حتى أنها لا تعلم كيف ستكون ردة فعلها إن شاهدته، لكنها تؤكد أن “الموقف سيكون مخجلاً وصعباً جداً وللجميع”.
وينص القانون السوري على الحكم بموت المفقود في ظروف الحرب، بعد أربع سنوات من تاريخ فقده.
قانون الأحوال الشخصية السوري
وجاء في المادة 205 من قانون الأحوال الشخصية السوري: “ينتهي الفقد بعودة المفقود أو موته أو اعتباره ميتاً عند بلوغه الثمانين من العمر، ويحكم بموت المفقود بسبب العمليات الحربية أو الحالات المماثلة المنصوص عليها في القوانين العسكرية النافذة والتي يغلب عليه فيها الهلاك وذلك بعد أربع سنوات من تاريخ فقدانه”.
ولم يرد نص صريح بمصير الزوجة بعد ظهور زوجها المتوفى، لكن وبحسب محامين، يتم الرجوع هنا إلى الفقه، والذي يقول إنه في حال عاد الزوج المتوفّى ولم يدخل الزوج الثاني بالزوجة فيمكنها العودة إلى زوجها الأول، بينما يعتبر زواجها صحيحاً تماماً ولا يمكنها العودة لزوجها الأول إن كان قد دخل بها الزوج الثاني.
وتنص المادة 305 من قانون الأحوال الشخصية، أنه “يرجع في فروع كل مسألة قانونية نص عليها في هذا القانون إلى القول الأرجح في المذهب الفقهي الذي استمدت منه هذه المسألة”.
طلبات كثيرة لتثبيت وفاة المفقودين
وفي 2018، نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري عن مصدر قضائي، قوله إنه في الآونة الأخيرة “كثرت طلبات توفية لمفقودين من ذويهم بعد مضي أربع سنوات على فقدانهم”، موضحاً أن “الشخص يوفّى في اليوم التالي مِن مضي أربع سنوات على فقدانه من دون أن يُعلم عن وضعه شيئ في الحالات الحربية أو المماثلة لها”.
وأضاف المصدر القضائي حينئذ، أن “عدلية دمشق تستقبل يومياً أكثر من 70 طلباً للحصول على وكالة قضائية عن غائبين ومفقودين لتسيير أمورهم الخاصة من وثائق ورواتب وعقارات وغيرها من الأمور التي تعنيهم”.
مشكلات قانونية قد يواجهها المعتقلون السوريون
حديث المصدر القضائي، يشير إلى مشكلة أخرى، وهي الورثة والتصرف بها، ففي حال عودة المعتقل الذي كان مفقوداً وقد تصرف الورثة بممتلكاته قد يفقد الحق نهائياً بها، ولو كان قد فقد زوجته بزواجها من رجل آخر، سيكون المعتقل المفرج عنه أمام واقع صادم وصعب.
وعرفت المادة 202 من قانون الأحوال الشخصية السوري، المفقود بأنه كل شخص لا تعرف حياته أو مماته أو تكون حياته محققة ولكنه لا يعرف له مكان، وفي المادة 302 جاء النص بأن “يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها فإن ظهر حياً أخذه وإن حكم بموته رد نصيبه إلى من يستحقه من الورثة وقت موت مورثه، وإن ظهر حياً بعد الحكم بموته أخذ ما بقي من نصيبه في أيدي الورثة”. أي ما بقي من الورثة ولم يتصرف بها الورثة، لكن في حال تصرفهم بها لا يحصل على شيء.
المصدر: تلفزيون سوريا