كل ما يُقال عن تراجع الدور الأمريكي في زعامته للعالم، يبقى مجردَ وهمٍ تتعلق به القوى المعادية للمحور الغربي الليبرالي.بعض المتفائلين بالدور الروسي- الصيني يعتقدون أنَّ القرصنة الإلكترونية (السيبرانية) تحقق غلبة لهذا المحور وتفوقاً ينبغي عدم تجاهله في المستقبل القريب.
تعددت نقاط الخلاف الروسية-الأمريكية في العقد الأخير، حتى وصلت إلى طريقٍ شبه مسدود، لاسيَّما مع اليسار الأمريكي الممثل بالحزب الديمقراطي؛ حيث بدأت مع التدخل الأمريكي في ليبيا، وإسقاط نظام القذافي، ومشاركة السفير الأمريكي روبرت فورد في عدد من المظاهرات المناهضة لنظام بشار الأسد في سوريا.
التنازل الذي قدمته روسيا لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لم يكن أمامها خيار آخر سواه؛ بسبب استخدام النظام السوري، حليف الروس، السلاحَ الكيميائي ضدَّ أهالي الغوطة الشرقية، فرضخ الروس للخطوط الحمراء التي وضعها أوباما حينئذ، قبل أن يتراجع عنها بعد تحقيق مراده بتسليم الأسد للمخزون الكيميائي السوري.
الاحتدام بين الطرفين (الكرملين-الحزب الديمقراطي) وصل ذروته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 عندما وصل الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وخسارة مرشحة الديمقراطيين آنذاك هيلاري كلينتون لصالح الجمهوريين.
كان متوقعاً أن تصل علاقات الطرفين في عهد بايدن ذروتها بالاحتقان، خصوصاً بعد وصفه الرئيسَ الروسي «بوتين» بالقاتل، لكن القضية السورية جمعتهما في جنيف بمنتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي، عندما تفاهما على استراتيجية “خطوة بخطوة”.
من جانبهم، الروس، اتخذوا خطوة للأمام حسب اتفاقهم والأمريكيين؛ عندما مرَّر مندوبهم بمجلس الأمن القرار 2585 القاضي بتوصيل المساعدات الإنسانية للشمال الغربي من سوريا. بمقابل ذلك كان مطلوباً من الأمريكيين خطوة مماثلة، قد تكشفها الأيام القادمة.القضية الأكثر إلحاحاً، والتي يجمع عليها الجانبان الروسي والأمريكي، هي تطبيق القرار الدولي 2254، ولكن الاختلاف يكمن في تفسيره وتطبيقه بحسب تسلسل فقراته.
وهنا، لابدَّ من الإشارة إلى الالتفاف الروسي على القرار الدولي آنف الذكر، باستدراجه تركيا كمؤثر على المعارضة المسلحة والسياسية، وضمها إلى ترويكا أستانا الذي يهدف لوقف القتال، ولكن بعد انطلاق جولاته اتضح أنَّ المسار لعب دوراً حاسماً في إعادة مساحات كبيرة من المناطق المحررة إلى سلطة النظام.
يتحمَّل نظاما الحكم، في كلٍّ من موسكو وطهران، أسبابَ الأوضاع الاقتصادية المتردية في سوريا؛ بتمسكهما ببشار الأسد، معتبرين وجوده ضامناً لمصالحهما بالرغم من اختلافهما في مواضع عديدة، منها ما هو مرحلي ومنها ما هو استراتيجي، إلا أنهما يتفقان بروايتهما مع النظام السوري أنَّ “قانون قيصر” الأمريكي والعقوبات الغربية سببٌ في المشكلات الاقتصادية المتراكمة كالتلال، وإذابة الجليد الذي يقبع فوقها تحتاج موافقة أمريكية أو التغاضي عن خرق النظام للعقوبات كحدٍ أدنى.
مازال الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتقد أنَّ سلفه ترامب قدم هدايا مجانية وجلية لنظيره الروسي بوتين، ولكن تسلسل الأحداث في سوريا منذ وصول ترامب البيت الأبيض لا يعكس أقوال سيد البيت الأبيض الحالي. فالرئيس السابق ترامب استهدف عدة مرات مواقع لنظام الأسد حلفاء موسكو، وكذلك قامت طائرات قواته بتصفية العشرات من المرتزقة الروس في سوريا.
استراتيجية خطوة بخطوة، قد تتطلب وقتاً ليس بالقليل؛ لمعرفة ماهي الخطوات التي سيقوم بها كل طرف تجاه الآخر، وإذا ما كانت ستصب في مصلحة السوريين أم ستتغلب عليها لغة المصالح الدولية على حساب ترسيخ قيم حقوق الإنسان والديمقراطية التي وعد بها الرئيس الأمريكي إبَّان حملته الانتخابية!
درويش خليفة _ الطريق