تقول الأخبار القادمة من أكثر من مكان بينها إسرائيل إن روسيا تنفذ في الظل غير ما تقوله في الضوء تجاه بشار الأسد، فهي حليف قويّ لإسرائيل في الجنوب بما يسمح لها بتوجيه رسائل عسكرية قاسية لإيران وحزب الله، ورسائل سياسية حول القيمة والدور لبشار الأسد، والذي يفشل كلّ مرة باختبار القوة وإمكانية تسلم زمام المبادرة من أخيه ماهر وفرقته المرتبطة بإيران.
في مؤشر لافت، جرى أمس وبحضور الشرطة العسكرية الروسية تخريج 1000 عنصر تحت إشراف اللواء الثامن في مدينة بصرى الشام (شرقي محافظ درعا)، وكانت الرسالة عالية الصوت على لسان الخريجين والحضور، وهي “يسقط بشار الأسد”، مع شعارات أخرى تطالب بإخراج الإيرانيين من الجنوب.
وسابقاً كان المعتاد في المصالحات التي رعتها روسيا في درعا أن تعاد رموز “الدولة” إلى الدوائر الرسمية، وبطبيعة الحال كان “الأسد” وصوره من ضمن تلك الرموز التي تتحدث عنها روسيا.
فيما يتساكن الروس والإيرانيون في غير مناطق، ها هم يتبادلون رسائل حربية في الجنوب، ففي الفترة التي أعقبت تجديد التفاهمات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2018، وهو العام الذي تم في أواسطه توقيع اتفاقيات مصالحة برعاية روسية، شهدت درعا ما يزيد عن 420 عملية استهداف لقوى المصالحة وغيرها من القوى المحلية، وكان واضحا أن لإيران دور بارز فيها عبر تشكيل خلايا الاغتيالات، وهذا بطبيعة الحال يشير إلى مسعى لإرباك الروس وإفشال مخططهم في الجنوب، بالمقابل منع الروس عمليات عسكرية لاجتياح قرى وبلدات جنوبية بتخطيط إيراني.
في ذات الوقت يجهد الإيرانيون لتجنيد ما أمكن من المسلحين الذي كانوا في صفوف فصائل الجيش الحر وغيرها، وضمهم للفرقة الرابعة، وهو الأمر الذي دفع بالروس لدعم توسيع اللواء الثامن، وقطع الطريق على الطرف الآخر.
وتتحدث الصحافة الإسرائيلية عن اهتمام الروس بالمحافظات الجنوبية الثلاث، درعا والسويداء والقنيطرة، لإبعاد إيران وحزب الله عن الحدود، وربما يلاقي هذا المسار استحسانا على الجانب الأردني الذي يرى في تمدد إيران جنوبا خطراً على أمنه.
هل تعني أجواء الجنوب أن روسيا تنفذ عملياً خطوات إبعاد بشار الأسد عن السلطة من طرف واحد، أم أنها ستبقى تدعمه في مناطق أخرى، وهو سؤال يحتاج للإجابة عليه فهم ما يجري على المستوى الإقليمي والدولي.
ثمة مؤشران على طبيعة ما يحصل، الأول تسريبات عن امتعاض إسرائيلي تبلغت به روسيا جراء اتفاقية تطوير قدرات الدفاع الجوي لنظام الأسد، والتي تم توقيعها بين النظام وطهران الأسبوع الأول من تموز يوليو الجاري، والثاني استدارة الروس نحو مفاوضات اللجنة الدستورية أكثر من اهتمامهم بالتركيز على تفاهمات واتفاقات أستانة، وما رشح من عبارات روسية صريحة في تحرك مشترك مع واشنطن، إذ تتحدث روسيا عن دعم لكامل عناصر القرار 2254، ومنها الدستور والانتقال السياسي وإجراء انتخابات برقابة دولية.
يعطي المؤشران السابقان انطباعا بأن موسكو أقرب إلى رؤية واشنطن والأوروبيين اليوم من إيران فيما يخص الملف السوري، ومبعث هذا الموقف يأسها من إمكانية السيطرة على قرارات القصر الرئاسي السوري، ووجود صراع داخلي معقد أكبر من قدرة بشار الأسد على حلّه.
الاتفاق الإيراني السوري هو بالنسبة لإسرائيل خطوة باتجاه نقل مزيد من صواريخها إلى سوريا لاستهدافها، وليس لتدعيم الدفاع الجوي أمام أخطار تستهدف الكيان السوري، وهنا جاء التحرك المتزامن على هضبة الجولان ومزارع شبعا، وهو تحرك بمثابة تهديد لا أكثر، لكنه يبعث على التشاؤم من احتمالات تصعيد ستنتهجها إيران في سوريا، وهذه المرة ضد إسرائيل مباشرة، وضد التفاهم الروسي الإسرائيلي ضمنا.
ما سبق يفسر مستوى التداول لاحتفال عسكري برعاية روسية وحضور شرطتها العسكرية، يتم خلاله الهتاف بإسقاط الأسد، والمطالبة بإخراج إيران من سوريا، إنها رسالة على فوهة بندقية لا على غصن زيتون.